واشنطن: يعلق الرئيس الأميركي باراك أوباما بين المطرقة والسندان في مسألة تحديد المسؤوليات في ما يتعلق بسياسات الاستجواب المثيرة للجدل لإدارة الرئيس السابق جورج بوش والتعذيب الموثّق الواسع النطاق للسجناء بسجن أبو غريب العراقي. ويحاول أوباما في هذا الإطار تفادي الملاحقة القضائية لضباط وكالة الاستخبارات المركزية quot;سي آي إيquot; الذين نفذوا التوجيهات القانونية في ذلك الوقت، وعمل جاهداً على مدى الأسبوع الماضي لطمأنة موظفي الوكالة بأنهم لن يكونوا أكباش فداء. ولكنه ترك الباب مفتوحاً أمام إمكانية اتخاذ إجراءات قانونية ضد كبار المسؤولين في إدارة بوش الذين وضعوا هذه السياسات.

ومهما قرر أوباما، فمن المؤكد أنه يتعرض لهجوم من قبل مناصريه الليبراليين والناشطين في مجال حقوق الإنسان لعدم بذل ما يكفي من الجهود في هذه القضية ومن شخصيات محافظة تدّعي انه يكبل أيدي القوات الأميركية ووكالات الاستخبارات في كفاحها المستمر ضد تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات الاسلامية المتطرفة.

ولكن يمكن الدفاع عن موقف أوباما الحالي من الناحيتين الأخلاقية والقانونية. ولكنه أعطى الانطباع بأنه تقلّب في مواقفه ،فقد صرح كبير موظفي البيت الابيض رام عماانوئيل ان الرئيس عارض ملاحقة quot;أولئك الذين وضعوا هذه السياسةquot;. وقال عمانوئيل quot;هذا ليس وقت الانتقام، إنه وقت التأمل، وليس وقت استخدام طاقتنا واستعادة الماضي بمشاعر الغضب والانتقامquot;.

وأضاف quot;ما يحتاج الناس إلى معرفته هو أننا لا نستخدم هذا الأسلوب وهذه الممارسة بعد الآن. نحن نحظرهاquot;. يبدو ان هذه الملاحظات تستبعد أية ملاحقة قضائية لكبار المسؤولين السابقين مثل نائب الرئيس ديك تشيني والمستشار القانوني السابق ديفيد آدينغتون ومساعد وزارة الدفاع لشؤون السياسة دوغلاس فيث، وأربعة آخرين من صناع القرار الذين تم الكشف عن أسمائهم في دعوى مرفوعة في محكمة إسبانية، تعارضها الحكومة الاسبانية. وقال المدعي العام الإسباني كانديدو كوندي بومبيدو في وقت سابق هذا الشهر انه يعارض النظر بهذه الدعوى في بلاده.

إلاّ أن القيمين على تصحيح الأخطاء في السياسة الإعلانية لإدارة أوباما تحركوا بسرعة ليقولوا ان ايمانويل كان يشير فقط إلى كبار المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية، مما يترك المجال مفتوحاً لاحتمال ملاحقة مسؤوليهم السياسيين أمام المحاكم الأميركية أو إخضاعهم لتحقيق أميركي. ويوم الثلاثاء قال الرئيس انه سيترك لوزير العدل إيريك هولدر تحديد إمكانية اتخاذ أية اجراءات قانونية في محكمة أميركية بشأن هذه المسألة.

وقال أوباما انه quot;بالنسبة لأولئك الذين وضعوا تلك القرارات القانونية، أود أن أقول إن ذلك سيكون قرار وزير العدل في إطار معايير مختلف القوانين ولا أريد أن أصدر حكماً مسبقاً حيال ذلكquot;.
ويخضع الرئيس وإدارته للضغط من أجل التحرك بقوة أكبر في مسألة بناء الدولة. وخلص تقرير جديد صادر عن لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون ان الانتهاكات في سجن أبو غريب كانت نتيجة مباشرة لسياسات إدارة بوش.

ويتمثل موقف الرئيس حتى الآن بأن لجنة من الحزبين ستكون الطريقة الأفضل للتحقيق في القضية من لجنة في الكونغرس. غير ان هذا القرار يعود إلى الكونغرس الحالي، وحتى الآن لم يبد أحد من قادته أي زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، أي استعداد للخضوع لرأي الرئيس في مساعيهما لإصدار التشريعات التي يريدونها.

ولكن يبدو ان النائب الديمقراطي جيرولد نادل كان يتحدث نيابة عن مجموعة مؤثرة من الأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب عندما قال إن أي قرار بشأن التحقيق مع المسؤولين المعينين الذين وضعوا سياسات الاستجواب وملاحقتهم قضائياً، ينبغي أن يكون بعيداً عن السياسة الحزبية، ويترك لوزير العدل.

ويوم الثلاثاء زار الرئيس مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لإبداء دعمه للمسؤولين الاستخباراتيين الذين يعملون هناك، واتخذ موقفاً معارضاً لملاحقة عملاء quot;سي آي إيquot; الذين استخدموا تقنيات استجواب عدائية، لأنهم كانوا في إطار المبادئ التوجيهية التي وافقت عليها قانونياً إدارة بوش. ولكن المدافعين عن هذه السياسات يزعمون أنها أنتجت في الواقع، مجموعة من المعلومات الاستخباراتية القيمة كانت حيوية لإحباط مؤامرات إرهابية ضد الولايات المتحدة.

ويقول منتقدو أوباما أيضاً أنه حتى لو لم يلاحق المسؤولون في quot;سي آي إيquot; والجنود والضباط من القوات الأميركية قضائياً بشكل مباشر على ما ارتكبوه في إطار الحرب على الارهاب خلال سنوات حكم بوش، فإن المبادئ التوجيهية الجديدة ستشجع المشتبهين بالإرهاب الذين تحتجزهم وتكبّل أيدي اجهزة الاستخبارات الاميركية والجيش الأميركي، مما يجعل من الممكن وقوع هجمات إرهابية كبيرة على الولايات المتحدة.

وإذا وقع أي هجوم إرهابي كبير في ظل حكم أوباما، فسيتعرض الرئيس بالتأكيد لاتهامات مماثلة. ولكن في الوقت الراهن، يبدو أن الرئيس يحاول أن يجتاز هذه المسألة بالكامل في أمة منقسمة ما زالت تواجه تحديات أمنية خطيرة. وكونه خريّج كلية الحقوق بجامعة هارفارد ورئيس تحرير سابق لمجلتها القانونية، فإن الرئيس يعلم أن حل القضايا الصعبة يعوّض في كثير من الأحيان عن القانون السيئ.