القاهرة: كان يفترض أن تؤسس اتفاقيتا أوسلو والقاهرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية لقيام حكم ذاتي فلسطيني يفضي تدريجيا إلى إعلان دولة فلسطينية مستقلة وإلى سلام دائم في المنطقة، لكن الأحداث على الجانبين جرت في اتجاه آخر.
كان إعلان إسرائيل في بداية التسعينات من القرن الماضي عزمها الانسحاب من جزء من الأراضي الفلسطينية، التي كانت احتلتها خلال حرب الأيام الستة عام 1967، بمثابة حدث تاريخي. فقد جاء ذلك بموجب اتفاقية القاهرة التي وقعتها إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية بواسطة أميركية ومصرية في الرابع من مايو/ أيار عام 1994. ونصت تلك الاتفاقية على قيام حكم ذاتي فلسطيني في قطاع غزّة والضفة الغربية، يمهد بالتدريج لقيام دولة فلسطينية مستقلة في المناطق التي تنسحب منها إسرائيل. بيد أنه بعد مرور خمسة عشر عاما من اتفاقية القاهرة يبدو أن كلا الطرفين بعيدان كلّ البعد عن تلك الأهداف، التي كانت قد رُسمت من قبل، كما يبدو أن تلك الآمال قد ذهبت أدراج الرياح.
أوسلو: بصيص أمل تاه في نهاية النفق
كان يُفترض أن تنسحب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة نهاية عام 1993، أي في غضون أسابيع عقب توقيع اتفاقية أوسلو، التي كانت أول اتفاقية مباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. وكان الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون، الذي توسّط بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، قد أعرب عن ارتياحه بهذه الخطوة التاريخية بالقول quot;لقد كان البعض يشكك متنبئين باندلاع الصّراع مرّة أخرى، ولكن كما نرى لا يزال السلام قائما بين مصر وإسرائيل. وكذلك يجب أن يكون الحال بالنسيبة لهذا المشروع الشجاع الذي يجب أن يمهد الطريق لمستقبل أفضل من الماضي.
وعلى الرّغم من أن عمليّة الانسحاب من أريحا وقطاع غزّة وبعض مدن الضفّة الغربية قد استغرقت وقتا أطول ممّا كان متفقا عليه، إلاّ أن يائير هيشفيلد، أحد المفاوضيين الإسرائيليين في اتفاقية أوسلو، كان أكّد عزم إسرائيل quot;الانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزّة وبناء قاعدة للسّلام مع الفلسطينيينquot;. وكان هيرشفيلد قد أشار إلى أنه quot;على الرّغم من أن الطّريق ما تزال وعرة، إلاّ أن الاتجاه واضح.quot;
الأحداث سارت في اتجاه مختلف
ومرت الأحداث في اتجاهات مغايرة. ففي عام 1995 وبعد مرور سنة من توقيع اتفاقية القاهرة، تم اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك إسحاق رابين على يد شاب من المستوطنين الإسرائيليين. وفي عام 1996 نُظّمت انتخابات تشريعية جديدة فاز بها رئيس حزب الليكود بنيامين نتانياهو، الذي تولّى رئاسة الحكومة الإسرائيلية، والذي كان من ضمن رافضي اتفاقية أوسلو و ساهم في تعطيلها وإفشالها، على الأقلّ ليس بشكل رسمي، كما يقول الخبير الأميركي في الشؤون السياسية ويليام كفانت. ومرت ثلاث سنوات وُصفت بسنوات quot;العقم السياسيquot; في إسرائيل، قبل إجراء انتخابات جديدة فاز بها رئيس حزب العمل إيهود باراك، الذي قيل عنه بأنه quot;خيّب الآمال المعلّقة عليهquot; فيما يتعلق بعملية السلام. وبعد محاولة فاشلة للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون للوساطة بين باراك وعرفات بهدف دفع عملية السلام في المنطقة، اندلعت في خريف عام 2000 في الأراضي الفلسطينية الانتفاضة الثانية.
وكان خبير الشؤون السياسية الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد قد قال إن quot;الانتفاضة تعكس حالة السخط والاستياءquot; للعديد من الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية، مشيرا إلى أنهم حصلوا على quot;18 بالمئة فقط من أراضي الضفة الغربية، في حين بقيت المناطق الأخرى تحت سيطرة إسرائيل من خلال عدد من المستوطنات والحواجز العسكريةquot;.
عرفات لم يفصح عما يمكن أن يقبل به
ويعدّ إدوارد سعيد من ضمن المتحفظين إزاء الآمال المُعلّقة على ما كان يمكن أن تفضي إليه اتفاقية أوسلو. وشاءت الأقدار أن تؤكّد الأحداث رؤية الرّاحل إدوارد سعيد ، ذلك أن إسرائيل لم تأخذ أي إجراء للانسحاب من الأراضي المحتلّة وتفكيك المستوطنات، كما لم يسجّل أي تقدّم حتى الآن فيما يتعلّق بالقضايا المحورية في الصّراع الإسرائيلي الفلسطيني، خاصّة فيما يتعلّق بقضية اللاجئين ومسألة القدس. بيد أن انتقادات إدوارد سعيد لم تقتصر على الإسرائيليين فحسب، بل شملت أيضا الرئيس الفلسطيني الرّاحل ياسر عرفات، بحيث قال إنّه quot;كان يجدر بياسر عرفات عند عودته ألاّ يقول فقط ما لا يريد القبول به، وإنّما أن يفصح أيضا عما يمكن أن يقبل به.quot; وشدّد سعيد على أن عرفات كان يفتقد quot;إلى الشجاعة الكافية وبعد النظر وكذلك الذكاء الكافي.quot;.
التعليقات