طلال سلامة من روما: لو نظرنا جيداً الى وضع السجون، من أقصى شمال ايطاليا الى أقصى جنوبها ومن ضمنها الجزر الرئيسية، لوجدنا أن العدد الكلي لنزلائها بات quot;انتحارياًquot; من جراء أعداد هائلة من المعتقلين المتدفقين يومياً إليها. فالأرقام الحكومية تشير الى أكثر من 70 ألف نزيل داخلها، دائم الإقامة. في حين تشير الأرقام غير الرسمية الى ضعف هذا العدد وذلك ان احتسبنا عدد أولئك الذين يقضون، في هذه السجون، فترات قصيرة إنما عليهم، في جميع الأحوال، التعرض الى صعقة نفسية سببها الرئيسي تراكم السجناء، الواحد على الآخر، كسمك السردين المكدس بالعلب. هكذا، دخل مفهوم السجون، التي تطفو على وجه المياه الايطالية، البرلمان الإيطالي من أبوابه العريضة باقتراح مباشر من رئيس الوزراء الحالي، سيلفيو برلسكوني، ووزير العدل quot;أنجلينو ألفانوquot; الذي يستند على ما حدث من تجارب مختلفة الأبعاد، متعلقة بهذا النوع الجديد من السجون، في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وهولندا بهدف احتواء انتفاخ السجون في هذه الدول بمعدل 1500 الى 2000 نزيل شهرياً. في حين ينتفخ عدد نزلاء السجون هنا بمعدل ألف نزيل شهرياً. للآن، ما تزال فكرة اعتناق هذه التركيبة المغلقة العائمة نظرية قد تمثل البديل الجدي الذي طالما سعت حكومة روما، بغض النظر عن ائتلافها الحاكم، الى الزواج منه. مما لا شك فيه أن تمسك وزير العدل الإيطالي بهذه السجون، التي تطفو على سطح المياه، يعكس معه حالة طوارئ، مماثلة لتلك الخاصة بالأمن الداخلي، ستكون الشغل الشاغل لبرلسكوني وفريقه التنفيذي الوزاري. وثمة احتمالين واقعيين راهنين هما بناء مثل هذه السجون وتسليم مفاتيحها الى حكومة روما، في غضون 24 شهراً، أم استئجارها من الخارج لمدة عشرين سنة. بالطبع فان المواقع المواتية لاحتضان هذه السجون هي مياه الموانئ المحمية، كما تلك الخاصة بمدن quot;جنوىquot; وquot;ليفورنوquot; وquot;تشيفيتافيكياquot; وquot;نابوليquot; وquot;باليرموquot; وquot;باريquot; وquot;رافيناquot;.
بالطبع، لا يخلو هذا المشروع، البديل لتأسيس سجون quot;بريةquot; جديدة قد تنتهي في دوامة الأعمال الخاصة وهيمنة بعض الجهات المقربة من المافيا الايطالية، من المشاكل والسلبيات التنظيمية. على سبيل المثال، أغلقت السلطات البريطانية سجن quot;ويرquot; (Weare) العائم في quot;دورستquot;، في عام 2005، نتيجة تفشي العديد من الأمراض(ومن ضمنها أمراض نفسية كما الخوف من التواجد في الأماكن المغلقة quot;كلاوستروفوبياquot;) وقلة النظافة التي أثارت قلق المفتشين ومخاوفهم بشأن أوضاع النزلاء التي اقتربت من المعاملة اللاإنسانية بحقهم وحرمانهم من استنشاق الهواء الطلق لمدة ساعة يومياً. أما بمدينة quot;روتردامquot; الهولندية فان السلطات الأمنية قامت باستعمال باخرة لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين. في أي حال، فان العدد الكلي للسجون العائمة بهولندا أربعة للآن.
على الصعيد الإيطالي، تعرب إدارات السجون عن شكوكها حيال نجاح هذا المشروع. فالسجون العائمة قد تضع حقوق النزلاء، كما لقاءاتهم الدورية مع الأهل والمحامين وتحركات الشرطة الجنائية بين هذه السجون والمحاكم، في خطر. يكفي النظر الى قانون، تم الإقرار به في عام 1999، عمل على إغلاق سجنين واقعين على جزيرتي quot;بيانوزاquot; وquot;أزيناراquot; جنوب ايطاليا. بين سجون برية وبحرية، يخطط وزير العدل لبناء ما مجموعه 22 سجناً تم تمويل 9 منها لاحتواء أكثر من 17 ألف نزيل. لكن ما يقارب 5 آلاف سرير سيتوافر للمساجين في غضون عامين. نستطيع القول ان سباق برلسكوني ووزير العدل الزمني، لتفادي انفجار أوضاع السجون الايطالية على أصحابها، يجري بعصبية على كف عفريت. فالعدد الإجمالي للنزلاء، وفق معطيات وزارة العدل، يبلغ 62.5 ألف تقريباً مقارنة بحاجز احتواء طبيعي يرسو على 43 ألف تقريباً! في الوقت الحاضر، يوجد بحوزة حكومة برلسكوني 500 مليون يورو من أصل 1.5 بليون يورو، لبناء هذه السجون، وهذا مبلغ ضعيف يحضه تلقائياً على الاستغاثة بالجهات الخاصة. بمعنى آخر، ستبقى السجون الجديدة، برية كانت أم بحرية، ملكية عامة إنما قد تديرها جهات مقربة من الممولين الخاصين. كل شيء يتوقف على الصيغة النهائية لقانون بناء هذه السجون التي لن تلاقي ترحيباً واسعاً من اليسار الإيطالي.