واشنطن: مع وصول حكومة نيتنياهو للسلطة العام الجاري (2009)، وازدياد مناورتها السياسية المتمثلة في رفض حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية وكثرة مساومتها عليه، أثيرت عدة تساؤلات حول علاقات إسرائيل بحماس ورؤية كل منهما للآخر. وفى هذا الإطار أصدر معهد السلام الأميركي (USIP)United State Institute Of Peace دراسة بعنوان quot;حماس بين التصلب الأيديولوجي والمرونة السياسيةquot;Hama: Ideological Rigidity and political flexibility، للكاتبين بول سكام Paul shamوأسامة أبو الرشيد Osama Abu-Irshaid، وذلك كمحاولة لصياغة رؤية جديدة للمرحلة المقبلة بين حركة حماس وإسرائيل.
حماس قوة صاعدة وغرب يبحث عن مبررات
مثل فوز حركة حماس بالأغلبية البرلمانية، بحصولها على 58 مقعد، في الانتخابات الفلسطينية العام 2006 صدمة قوية للغرب، لاسيما للولايات المتحدة وحليفاتها إسرائيل وبعض الدول الغربية الأخرى. حيث أنهم قد أعلنوا قبل الانتخابات بأنهم لن يتعاملوا مع سلطة أو حكومة فلسطينية بقيادة حركة حماس، وقد جاءت تلك التصريحات اعتمادًا على كافة استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات والتي استبعدت إمكانية فوز حماس بالأغلبية. ولكن مع مرور بضعة أيام جاءت الرياح بما لا تشتهي سفنهم، حيث حققت حماس نصرًا مداويًا في الانتخابات التشريعية، واضعًا الغرب في موقف محرج للغاية، حيث بات يبحث عن مبررات جديدة لعدم تعاملهم مع حركة فازت بالأغلبية البرلمانية في انتخابات ديمقراطية.
لكن مع مرور الوقت، ازداد موقف حماس قوة، حيث حدثت مجموعة من الأحداث الهامة خلال الثلاث سنوات الماضية يأتي في مقدمتها، إبرام حركتي فتح وحماس في فبراير من العام 2007 اتفاق مكة والذي دشن أساسًا توافقيًّا ائتلافيًّا مؤقتًا، سيطرت حماس على قطاع غزة على إثر صراع مسلح بين أنصار كل من فتح وحماس في يونيو2007، عقد هدنة مؤقتة لمدة ستة أشهر بين إسرائيل وحركة حماس برعاية مصرية تم بموجبها توقف العمليات العسكرية أيًّا كان نوعها بين الإطراف المعنية في شهر يونيو من العام المنصرم، انقضاء الهدنة بينهم وقيام إسرائيل بتوجيه ضربة جوية لقطاع غزة تلاها اجتياح بري للقطاع، ثم وقف للعمليات العسكرية في السابع عشر من يناير2009 بعد إعلان إسرائيل أنها حققت أهدافها من هجماتها البرية والجوية على قطاع غزة.
الجذور الأيديولوجية لحماس
ترجع أصول حركة حماس إلى جماعة الإخوان المسلمين التي سعت دومًا لكي تكون لاعبًا بارزًا في المقاومة الفلسطينية لإسرائيل، حيث استغل مجموعة من قادة الإخوان المسلمين الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي قامت في منتصف شهر ديسمبر من العام 1987 وأسسوا حركة المقاومة الفلسطينية التي تشتهر باسم quot;حماسquot; التي أعلنت أول بيان رسمي لها في الرابع عشر من ديسمبر من العام 1987. والحقيقة أن حركة حماس لم تكن الأولى من نوعها من حيث مقاومة إسرائيل، حيث كانت هناك عدة حركات أخرى ذات توجهات علمانية يسارية مثل حركة فتح بقيادة ياسر عرفات، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلا أن كل تلك الحركات قد تم قمعها وأحبطها من قبل الجانب الإسرائيلي.
وفي العام التالي، بدأت تتبلور الأيديولوجية الحماسوية ـ إن جاز التعبير- حيث أُصدر ميثاق الحركة الذي يحمل كل معاني الكراهية لإسرائيل، والذي نص على أن تدمير إسرائيل يُعد أحد أولويات الحركة. بعبارة أخرى تنكر حماس حق إسرائيل في الوجود. كما أكد الميثاق على أن الدين الإسلامي هو المرجعية الرئيسة للحركة، والتي تستمد منه كافة معتقداتها، وتشكل من خلاله منظورها عن الإنسان والحياة، وأن الشريعة الإسلامية هي أساس حكمهم. وفى الإطار ذاته أكد الميثاق على أن الهوية الأيديولوجية للحركة ما هي إلا امتداد لأيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين الذين وصفوها بالعالمية. وهى تلك الرؤية التي تحمل تفسيرات أكثر دقة وأعمق إدراكًا عن الإسلام في كافة مناحي الحياة.
أما فيما يخص الأرض الفلسطينية، أكد الميثاق على أن أرض فلسطين هي quot;وقف إسلاميquot; أي إنها تخص المسلمين جيلاً تلو الآخر دون غيرهم حتى يوم القيامة أو نهاية العالم. وأنه لا يجوز التفاوض أو التخلي عنها سواء أكان ذلك كليًّا أو جزئيًّا. وأن أي مؤتمر دولي أو حل سلمي يتناقض مع ما تُنادي به حركة حماس في هذا الشأن يُعد محاولة لانتقاص من الدين الإسلامي، وبالتالي فإن الجهاد هو الحل الأمثل للقضية الفلسطينية.
رؤية حماس لإسرائيل واليهود
تُؤكد الدراسة أن رؤية حركة حماس لليهود وإسرائيل تتمحور في أساسها حول محورين رئيسين: الأول يصبغ الصراع صبغة دينية بحتة، حيث يؤكد أن يوم القيامة لن يأتي إلا إذا هزم المسلمون اليهود استنادًا إلى الحديث الذي يتضمن أن الشجر والصخر سوف يتحدث ليخبر المسلم أن هناك يهوديًّا يختبئ خلفه لكي يأتي ويقتله. ولكن على الصعيد الآخر توجد وجهة نظر أخرى داخل حماس تضع الصراع في إطار كونه نزاعًا حول الأرض والوطنية دون إسناده إلى أي معتقدات تتعلق بالدين.
لكن على الرغم من هذا الخلاف إلا أنهم اتفقوا حول أن اليهودية أو الصهيونية هي السبب الرئيس وراء كل الشرور، وأن الدول التي تقودها قادة صهاينة هي المسئولة عن أسوأ حروب وصراعات مر بها العالم لاسيما الحربين العالمية الأولى والثانية. كما تُشير الدراسة إلى وجود كثير من التناقضات داخل حركة حماس حيث أنها ترى وتنادي بضرورة تدمير إسرائيل، ولكن ميثاقها في مادته رقم 31 يتحدث عن إمكانية التعايش السلمي بين المسلمين والأقباط واليهود.
والحقيقة أن أقطاب حركة حماس أنفسهم لم يعارضوا تعايش اليهود السلمي في أرض فلسطين، فالشيخ أحمد ياسين الأب الروحي للحركة قد أكد في بداية نشأة الحركة على مبدأي المساواة والمواطنة بين كل من يعيش على أرض فلسطين التاريخية. وفى السياق ذاته أكد على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم. وهذا أيضًا ما أكد عليه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بعد عدة سنوات حيث صرح بضرورة تطبيق المساواة بين المسلمين والأقباط واليهود دون اعتبارهم أهلاً للذمة والتي تستوجب دفعهم مزيدًا من الضرائب عن أمثالهم من المسلمين.
أما فيما يتعلق بالمسألة التفاوضية أو العملية السياسية، ترفض حركة حماس بشكل منقطع النظير فكرة التفاوض مع إسرائيل على اعتبارها أنها لم توفر للفلسطينيين حتى الآن ولو أقل القليل من العدالة بما في ذلك قرار مجلس الأمن رقم 242، إلا أن تلك الفكرة بدت وكأنها تتآكل فحماس لم تغير مبادئها ولا ميثاقها من الناحية النظرية وإنما من الناحية الفعلية، وبشكل ضمني بدأت تتراجع عنها من خلال القبول بحل الدولتين، والذي يعنى بشكل أو بآخر قبول حماس واعترافها بإسرائيل كدولة أو كيان يعيش بجوار دولة فلسطينية.
كيف تنظر حماس لمفهوم الهدنة؟
تُؤكد الدراسة على أن حركة حماس منذ أن تم تأسيسها تنظر إلى مسألة عقد هدنة مع الجانب الإسرائيلي على أنها تقوم على ثلاث مراحل متعاقبة؛ الأولى: رفض كافة سبل التسويات والقرارات السياسية التي لا تتفق مع مبادئها وأهدافها، ثانيًا: عدم الاعتراف بتلك التسويات التي تغفل حقوق الشعب الفلسطيني، ثالثاً: قبول عقد هدنة بشروط معينة مع الجانب الإسرائيلي مع الاحتفاظ بحقها بعدم الاعتراف الرسمي بها. وفي هذا السياق تُؤكد الدراسة على أن تلك المرحلة الأخيرة تمثل نقلة من الأيديولوجية المتصلبة إلى المرنة التي تعترف بشكل أو بآخر بالواقع العملي الملموس.
كما تجدر الإشارة إلى أن مفهوم الهدنة الفلسطينية ndash; الإسرائيلية ليس بالجديد، ففي عام 1993 فقد تقدم الشيخ أحمد ياسين باقتراح هدنة بين إسرائيل وحماس لمدة تتراوح من عشر إلى عشرين عامًا بعدة شروط لعل أبرزها الانسحاب غير المشروط لإسرائيل من الضفة الغربية، القدس الشرقية، وقطاع غزة مما يضمن للفلسطينيين حقهم المشروع في تقرير مصيرهم.
وبحلول العام 1994 اكتسب مفهوم الهدنة مزيدًا من الدعم حيث تقدم موسى أبو مرزوق بمبادرة جديدة تتضمن عقد هدنة مع إسرائيل بأربعة شروط رئيسة: أولاً: الانسحاب غير المشروط للقوات العسكرية الإسرائيلية من قطاع غزة، القدس الشرقية، والضفة الغربية، الثاني: إزالة كافة المستوطنات الإسرائيلية من القطاع، القدس الشرقية، والضفة الغربية، الثالث: تعويض الفلسطينيين وضحايا الاحتلال عن كافة الخسائر، الرابع: عقد انتخابات تشريعية حرة ونزيهة في داخل وخارج فلسطين حتى يتسنى للفلسطينيين اختيار من يمثلهم ويكون هو المسئول عن التعبير عن الوحدة الفلسطينية.
حماس والتواجد السياسي الرسمي
بحلول عام 2006، بدأت حركة المقاومة الإسلامية حماس في اقتحام الساحة السياسية الفلسطينية على المستوى الرسمي، وذلك حينما أعلنوا عن نيتهم في خوض الانتخابات المحلية الذي عقدت في عام 2005 حيث حققوا نجاحًا كبيرًا فيها على الرغم من المعارضة الشديدة لحركة فتح المنافس الرئيس لحماس، والتي أسفرت عن معركة سياسية يمكن وصفها بأنها حامية الوطيس. وفى الوقت ذاته أعلنت حماس عن التزامها بهدنة أحادية الجانب مع إسرائيل لاسيما مع تولي الرئيس محمود عباس أبو مازن رئاسة السلطة الفلسطينية.
وفي سياق ليس ببعيد، فاجأت حماس كافة الأطراف الدولية ndash; سواء حلفاؤها أو أعداؤها ndash; عندما أعلنت الحركة عن نيتها لخوض الانتخابات التشريعية التي كان من المزمع عقدها في يوليو من عام 2005 والتي تم تأجيلها بعد ذلك إلى أوائل العام التالي بالتحديد في يناير2006. ويذكر أن حماس كانت قد رفضت المشاركة في الانتخابات التشريعية لعام 1996 استنادًا إلى أنها تقع تحت مظلة تسوية أوسلو التي تم إبرامها عام 1993. وفى هذا الإطار تؤكد الدراسة أن قرار حماس بالمشاركة في الانتخابات التشريعية لعام 2005 يمثل تحولاً كبيرًا في أيديولوجية حماس من التصلب الشديد إلى المرونة ويمكن إرجاع ذلك إلى إدراك حماس لمعطيات الواقع العملي.
التعليقات