موسكو: أصيب سياسيو الاتحاد الاوروبي بالذعر. لقد ظهر أمام أوروبا عدو جديد، يمتلك من القوة، مايمكنه عملياً من إزاحة كل النخبة السياسية في العالم القديم من مناصبها. وتبين ان الوضع حرج في أفغانستان لدرجة أصبح بها الأوروبيون يناقشون خطط هروبهم من ساحات القتال الأفغانية أكثر فأكثر. وذلك على الرغم من أن حلف الناتو قبل نصف عام فقط، قال إن طالبان ليس العدو الأخطر بالنسبة له. فلقد جرت الانتخابات الرئاسية الأفغانية في 20 أغسطس، ولكن لجنة الانتخابات المركزية الافغانية لم تستطع إعلان حتى نتائجها الأولية. وهكذا، ما الذي جرى بالفعل في أفغانستان خلال الـ 17 يوماً الماضية؟

حصل الشيء الكثير، إذ أن الأخبار تتوالى، وكل خبر أسوأ من سابقه. انتهت الغارة الأميركية على صهاريج البنزين التي سرقتها طالبان من الناتو بالقرب من quot;قندوزquot; بفضيحة كبرى. إذ أنه في ليلة الثالث للرابع من سبتمبر (ايلول) الجاري، طلبت الوحدة الألمانية المتواجدة في المنطقة دعماً جويا، فقامت الطائرات الحربية الأميركية بقصف الهدف، الذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 90 مدنياً أفغانياً. وبالتوازي مع هذا، يقتل جنود أوروبيون وأميركيون. وقوائم القتلى تزيد يومياً.

وفي هذه الأثناء مازالت لجنة الانتخابات المركزية الافغانية تحافظ على صمتها بالنسبة لنتائج الانتخابات الرئاسية. على الرغم من أن المدة المحددة لفرز الأصوات قد انتهت منذ فترة طويلة. الأرقام موجودة بالتأكيد، إذ أعلنت وسائل الاعلام المحلية، أن كرزاي حصل على أكثر بقليل من 47 % من الاصوات، وحصل منافسه الرئيسي وزير الخارجية السابق عبدالله عبدالله على 33 % تقريباً. بكلام آخر، إذا اتضح أن هذه المعلومات صحيحة، فإنه لا بد من إجراء جولة ثانية من الانتخابات.

فعلى ما يبدو، فإن كابول الرسمية قررت أن أفغانستان لن تتحمل يوماً آخر من الانتخابات. فلذلك، تحاول لجنة الانتخابات المركزية، مد الوقت ليتسنى لها ايجاد 3 % من الأصوات الناقصة لجعل تفوق الرئيس الحالي أكثر وضوحا وتخليصه من ضرورة خوض الجولة الثانية من الانتخابات.بشكل عام، يتشكل انطباع، بأن الناتو يفقد السيطرة على ما يجري في أفغانستان. وحتى في كابول العاصمة، لم تبق منطقة خالية من الخطر. وأصبح القصف بالصواريخ بالنسبة للعاصمة الأفغانية ظاهرة يومية متكررة. فكيف يقيم رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الحالة الحرجة في أفغانستان؟

من الطبيعي أن تجد رئيسة الحكومة الألمانية الأعذار عن تصرفات القوة الألمانية هناك، التي طلبت دعماً جوياً من سلاح الطيران الأميركي. عند ذلك، لا يستبعد أن تؤثر هذه الغارة التي أدت إلى مئات الضحايا المدنيين الأفغان بشكل واضح على نتائج انتخابات البرلمان الألماني التي من المتوقع أن تجري في 27 سبتمبر (أيلول) الجاري.

وساءت حالة الرأي العام الاجتماعي والسياسي في لندن بسبب الخسائر الكبيرة في صفوف الجنود البريطانيين. مجموعة من نواب مجلس العموم البريطاني المؤثرين، طلبوا من رئيس الوزراء تشكيل حكومة طوارئ أي حكومة (في زمن الحرب). الملكة البريطانية ايليزابيت الثانية، التي قلما تتدخل في الحياة السياسية للبلاد، وبَّخت براون بسبب التجهيز السيء للجنود البريطانيين في أفغانستان.

على ما يبدو، فإن العواصم الأوروبية وجدت المخرج المناسب من هذا الوضع القائم. إذ أنه في الاسبوع الماضي زار براون المستشارة الألمانية ميركل، وأعلن الجانبان في نهاية المحادثات عن رغبتهما بعقد مؤتمر دولي في لندن لمناقشة الوضع في أفغانستان قبل نهاية العام الحالي، حيث ستجري مناقشة مسألة واحدة فقط، هي: متى يستطيع الأوروبيون إخراج جنودهم من أفغانستان؟ مباشرة ظهر تأييد لهذه الفكرة من قبل باريس، وبلا شك سيتبع ذلك تأييد من عواصم أوروبية أخرى. وعند ذلك، تكون واشنطن تجازف ببقائها وحيدة أمام المشكلة الأفغانية.