أشرف أبوجلالة من القاهرة
: تنشر اليوم صحيفة quot;واشنطن بوستquot; الأميركية، تقريرا ً تحليليا ً مطولاً للمُعلق والمحلل دافيد إغناتيوس، حيث ينصب حديثه على الأجواء المثيرة التي تخيم على المشهد السياسي الراهن في إيران. بداية ً، يرى إغناتيوس أنّ حملة التطهير التي شنَّها نجاد مؤخرا ً على جهاز الاستخبارات الإيراني من المُمكن أن تتمخض عن بعض المفاتيح التي تساعد على فك طلاسم الموقف السياسي المُبهم في البلاد منذ انتخابات الرئاسة الأخيرة، ويؤكد كاتب المقال في هذا الإطار أيضا ً على أنّ موجة الاضطراب التي تشهدها إيران في هذه الأثناء تكشف عن أنّ الرئيس محمود أحمدي نجاد يسعى إلى إحكام سيطرته على النظام، حتى على حساب إبعاد بعض من زملائه المحافظين ذوي النفوذ.

ويكشف إغناتيوس من خلال تعبير ذو مغزى يحمل بين طياته الكثير والكثير من الدلالات عن أنّ quot;المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، يقود نمر في محاولة يهدف من ورائها إلى كبح جماح أحمدي نجادquot;. ويمضي الكاتب في السياق ذاته ليشير إلى ما أطلق عليه quot;الانقلاب الاستخباراتيquot; في إيران ( متحدثا ً في هذا السياق عن القرار الذي عُزِل بموجبه رجل الدين غلام حسين محسني أجئي من منصب وزير الاستخبارات نهاية يوليو / تموز الماضي والاستغناء بعد ذلك عن أربعة من كبار النواب في الوزارة ) لينقل عن محلل أميركي بارز سبق له العمل بوكالة الاستخبارات الأميركية تأكيده على أنّ هذا الانقلاب قد أظهر أنّ نجاد يتحرك في إطار سعيه لفرض سيطرته على الحكومة.

ويضيف هذا المحلل الذي يدعى مارك فاولر، وهو ضابط سابق بوكالة الـ ( CIA ) ويدير الآن إحدى المؤسسات المعنية بتقديم الخدمة الاستشارية لشركة بوز ألن هاملتون، متحدثا ً عن الضباط الاستخباراتيين المعزولين :quot; هؤلاء ليسوا منثورين، وإنما رجالا ً أشداء. ولديهم أصدقاء منتشرين في جميع أرجاء النظام. وقد يتسببون في إحداث بعض المشكلات لأحمدي نجادquot;. ثم مضى بعدها إغناتيوس ليشير إلى ما سبق وأن أبرزه محللون، عندما ربطوا بين القرار الذي اتخذه نجاد مؤخرا ً بتعيين رجل الدين حيدر مصلحي ( الذي تربطه علاقات وطيدة بنجاد والحرس الثوري ) في منصب وزير الاستخبارات، وبين ما أسموها quot;محاولة انقلاب داخليةquot; يقودها نجاد والحرس الثوري، قائلين أنهم بدؤوها بواقعة التلاعب الاحتيالي لانتخابات الثاني عشر من يونيو / حزيران الماضي، والحملة التي تلت ذلك ضد المتظاهرين الإيرانيين المحتجِّين.

ويلاحظ إغناتيوس أيضا ً أنّ تقديم الدعم لأطروحة quot;الانقلاب الداخليquot; هو احتكاك طويل الأمد بين وزارة الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري، الذي يمتلك وحدة استخبارات خاصة به. وفي الوقت الذي يسعى فيه نجاد والحرس الثوري لفرض نفوذهما على النخبة، تسير الأمور ndash; كما هي العادة في إيران - إلى أن تطوَّر وتُصبح بعد ذلك أكثر تعقيدا ً. وليس هناك من دليل على ذلك أفضل من هذا القرار الذي اُتخِذ مؤخرا ً بتعيين غلام حسين محسني أجئي في منصب المدعي العام بعد أن سبق وأن أقاله نجاد من حقيبة الاستخبارات. وهي الجزئية التي شدد عليها بعض من أبرز الساسة في إيران خلال اتصالات سرية أجروها مؤخرا ً مع دول غربية.

فقد كانوا يشددون على أنّ أحمدي نجاد يحاول توطيد موقعه في السُلطة، بينما يواجه في الوقت ذاته معارضة متزايدة من داخل النخبة الحاكمة. وفي الوقت الذي ينظر فيه هؤلاء الإيرانيين إلى خامنئي على أنه الفاعل الرئيسي في المشهد السياسي للبلاد، وبينما كان يميل في العموم لمسايرة الرئيس أحمدي نجاد، فإنه كان يرفض بعض قرارات الرئيس، مثل محاولته تثبيت أقرب مستشاريه الشخصييّن، اسفنديار مشائي، كنائب أوَّل له. وفي محور آخر، يرى إغناتيوس أنّ تلك المكائد توضح كم سيكون من الصعب على الولايات المتحدة أن ترسم سياسة قادرة على البقاء بالنسبة لإيران في مرحلة الاضطرابات التي أعقبت الإنتخابات الرئاسيّة الأخيرة.

إلى هنا، يمضي إغناتيوس ليشير إلى ما قالته إحدى الشخصيات السياسيّة الإيرانيّة لأحد الوسطاء الغربيّين عن أنّ إدارة أوباما ربما قامت عن غيرقصد بتشجيع النظام الإيراني على انتزاع السلطة، بإرسالها خطابين إلى خامنئي قبيل انتخابات يونيو / حزيّران الماضي. حيث أكدت واشنطن من خلالهما على رغبتها في إجراء حوار مع طهران. فيما أبرز إغناتيوس ما قاله سياسي إيراني بارز آخر حول حاجة الولايات المتحدة للتعامل بشكل مباشر مع خامنئي، بعيدا ً عن حكومة أحمدي نجاد، إذا ما كانت ترغب في تغيير طبيعة علاقاتها مع النظام الإيراني. لكن تبقى آلية تحقيق ذلك لغزاً محيرا ً بالنسبة لأوباما ورفاقه. وبحسب تحليل طهران، وفقا ً لما ذكره هذا المسؤول الإيراني الثاني، فإن أميركا تملك ثلاثة خيارات بالنسبة لإيران؛ هي: الحوار، الاحتواء أو الهجوم. ويُفضي هذا المسؤول الإيراني البارز في الختام إلى القول بأن quot;التصور السائد في طهران الآن هو أنّ أميركا لم تحسِم أمرها بعد بشأن ما تريدهquot;.