محمد حميدة من القاهرة: يتحسّر سكان القاهرة على الحلة الأنيقة والنظيفة التي ارتدتها العاصمة إبان زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي ألقى خطابه الموجّه إلى العالم الاسلامي من أحد أبرز معالمها الثقافية. ويتذكر السّكان الشوارع النظيفة التي ازدانت بالورود وهم يرون أكياس القمامة حاليًا تزحف إلى كل مكان في شوارعها دون أن تفرق بين حي شعبي وآخر راقٍ، حتى اقتربت من القصر الجمهوري، دون أدنى مقاومة لإيقاف هذا الخطر الذي يهدد بأخطار صحيّة وأمراض مزمنة.
quot;اليوم هو الخامس من المهلة، التي حددها الرئيس مبارك للحكومة لإنهاء الأزمة خلال أسبوع، ويتبقى على انتهاء المهلة يومين ولا تزال تلال القمامة تنمو بصورة لافتة في الشوارع quot;، هكذا قال quot;محمود رفاعيquot; مقيم بحي إمبابة quot;لإيلاف quot;، وهو يشير بإصبعه إلى تل كبير من القمامة امام منزله، وقال إن الرجل الذي كان يجمع القمامة توقف عن المرور على الشقق والمنازل منذ أكثر من أسبوعين، وهو ما حدا بالسكان بإلقاء قمامتهم في الشارع.
تراكم القمامة ليس فى شارع محمود فقط، بل ظاهرة تقريبًا في كل شوارع العاصمة، والأحياء الفقيرة والراقية، تنتشر وتنمو في كل مكان وتتضاعف يومًا بعد يوم بشكل منهجي، دون تحرك إيجابي من قبل الحكومة لإيقاف هذا الطوفان الذي يهدد العاصمة.
وتفجّرت الأزمة منذ أكثر من 25 يومًا بعد ان أضربت الشركات الأجنبية التي تتولى نظافة العاصمة عن العمل، لكن تبدو المشكلة اكبر من إضراب او توقف شركة عن جمع القمامة. فمن جانبه، ارجع اللواء وجيه رفاعي رئيس هيئة النظافة بالقاهرة 60% من مشكلة القمامة في القاهرة إلى رمضان بسبب إلقاء السكان والمحال مخلفات الأطعمة في الشوارع إلى جانب فرز القمامة في الشوارع.
وكان من يقوم بجمع القمامة يستغل غنى المواد العضوية ليطعم بها الخنازير، وعندما تم ذبح جميع الخنازير للحد من إنتشار إنفلونزا المكسيك فقد هؤلاء مصدر دخلهم ولم يعودوا بحاجةإلى المواد العضوية، وبالتالي أصبحت الشوارع ممتلئة بالقمامة، وفقًا لإسحاق ميخائيل مدير جمعية quot;جامعي القمامةquot; فى منشأة ناصر مؤكداً ان الخنازير وحدها كانت تتغذى على 55% من المواد العضوية الموجودة بالقمامة.
وتعتبر قمامة القاهرة الأغنى من نوعها في العالم وقد يصل سعر الطن منها إلى 6 آلافجنيه نظرًا لاحتوائها على مواد ومكونات يمكن ان تقوم عليها عدة صناعات مهمّة مثل إنتاج الكحول والخل والغازات، كما ان القاهرة تنتج وحدها قرابة 14 ألف طن قمامة يوميًا، ويمكن للطن الواحد ان يوفر فرص عمل لـ 8 افراد على الأقل، مما يعني انه يتيح توفير 120 الف فرصة عمل من خلال عمليات الفرز والجمع والتصنيع وذلك بحسب دراسة علمية أجراها معهد بحوث الأراضي والمياه والبيئة في مصر.
ولا يبدو هذا السبب الوحيد، وفقا لمسؤول بهيئة نظافة وتجميل محافظة الجيزة، مشيرًا الى ان احد الاسباب وهو عقود عمل الشركات الأجنبية التي بدأت العمل في القاهرة منذ عام 2002 لم تعد مناسبة لعمال النظافة، مما أدى الى عزوفهم عن العمل من ناحية واحتراف بعضهم العمل فى التسول، إضافة إلى أن اغلب هؤلاء العمال لا يقومون بجمع القمامة من أمام المحال التجارية مثلاً او المنازل الكبيرة ما لم يدفع أصحابها مبلغًا يوميًا او شهريًّا.
وتقوم الحكومة بتحصيل رسوم نظافة من المواطنين على فاتورة الكهرباء لتخفف عن المواطن عبء حمل القمامة حتى يتم إلقائها في الصناديق المخصصة لذلك بالشوارع، لكن المواطن في الفترة الأخيرة بدأ يشكو من عدم وجود من يطرق بابه ويأخذ القمامة مقابل ما يدفعه فضلاً عن اختفاء الصناديق من الشوارع مما اضطره لإلقاء القمامة في أي مكان حتى لو أمام بيوت بعضهم أو في الطرق العام.
ويؤكد ايمن عبد الحميد، 56 عامًا مقيم بمنطقة المرج شرق القاهرة ان المواطن ليس له ذنب فيما يحدث quot;سمعنا عن وجود خلافات بين شركة النظافة والمحافظة، فما ذنب المواطنين في ذلك، فنحن ندفع قيمة التخلص من القمامة على فاتورة الكهرباء ولا نجد مكانًا نلقيها فيهquot;.
ويقول عبد الحميد عن معاناته يوميًا في العبور على أكوام القمامة للوصول الى منزله: الوضع سيّئ للغاية، القمامة تحول دون عبورنا الطرق حتى نصل إلى منازلنا او إلى أعمالنا ونضطر أن نسير مسافة ابعد لنعبر من اي شارع أخر وأيضًا سنجد القمامة أمامنا في كل مكان، فضلاً عن الروائح الكريهة التي تسببها لنا والحشرات والأمراض التي تنجم عنهاquot;.
وتتولى مسؤولية النظافة في القاهرة 5 شركات، وقد أضربت الشركة الايطالية عن العمل وفقًا لمصدر مسؤول - طلب عدم ذكر اسمه - بسبب الخصومات التي توقعها هيئة النظافة والتجميل، بصفة يومية، على الشركة دون وجه حق، بحجة القصور في العمل. وقال quot;إن الشركة تؤدى خدمات النظافة بقدر ما تدفع المحافظة من مستحقات، إلا أن هيئة النظافة تمتنع عن دفع مستحقات الشركة وتطالبها بالقيام بأعمال النظافة على ثلاث ورديات.
إلا ان الحكومة كان موقفها مستغربًا من الإضراب ولم تقم بفسخ تعاقدها مع الشركة على الرغم من تقاعسها في القيام بمهامها، لكن الدكتور صبري طه رئيس لجنة المرافق بالمجلس المحلي لمحافظة القاهرة اوضح سر موقف الحكومة السلبي في تصريحات له، مشيرًا إلى ان المحافظة لا توجد لديها آليات لجمع القمامة بعد أن تم تسريح 23 ألف عامل من عمال هيئة نظافة وتجميل القاهرة إضافة إلى ضعف منظومة الرقابة داخل محافظة القاهرة فضلاً عن الغرامات المالية التي يجب المحافظة على دفعها في حالة فسخ التقاعد.
وأكد طه أن الشركات الأجنبية فشلت في التعامل مع قمامة القاهرة، الأمر الذي تسبب في تحول شوارع القاهرة وسيطًا لفرز صناديق القمامة. مضيفًا أن مدة العقد تصل إلى 15 عامًا وهي عقود إذعان تنص على جمع 60% فقط من قمامة الشوارع، وتستخدم الشركات معدات وسيارات لا تتناسب وطبيعة شوارع المحافظة، موضحًا أن الشركات تنظف الشوارع الرئيسة مرة واحدة يوميًا والشوارع الداخلية ثلاث مرات أسبوعيًا.
وتدفع المحافظة لشركات النظافة سنويًا ما يقرب من 210 مليون جنيه. مقابل قيام شركات النظافة برفع 14 ألف طن قمامة يوميًا، على الرغم من أن ميزانيّة هيئات النظافة 39 مليون جنية ويتحمل المواطن هذا الفرق ولا توجد في المقابل خدمة، وفقًا للدكتور ياسر البارودي خبير ادارة المخلفات الصلبة، مشيرًا الى ان إدارة المخلفات في مصر غير منظمة وتدار بطريقة غير علمية وغير قانونية، لان المسؤولية متفرقة بين اكثر من هيئة من وزارة البيئة والمحليات وهيئات النظافة وغيرها، كما ان عملية ادارة المخلفات تحتاج الى اطار شامل يضم اعتبارات تشريعية وتنظيمية وتكون هناك إلتزامات على المواطنين والشركات المنفذة والتزامات على المسؤولين.
التعليقات