إعداد أشرف أبوجلالة من القاهرة: تنشر مجلة quot;وورلد بوليتكس ريفيوquot; الأميركية مقالاً تحليليًا مطولاً للكاتب الأميركي البارز جون ألترمان، الذي يشغل حاليًا مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية في واشنطن، حيث يدور حديثه حول أجواء عدم الاستقرار التي تعيشها إيران، على الرغم من نجاح الحكومة - التي جاهدت على مدار عقود من الزمن - في الانسجام مع الشرق الأوسط الكبير. ويرجع الكاتب ذلك إلى أن الشعب الإيراني بات مصدرًا لعدم الاستقرار أكثر من كونه مصدرًا للشرعية. مضيفًا أنه وبعد مرور ثلاثين عامًا على الثورة الإسلامية، تبين أنه من الأفضل للحكومة أن تخدر الشعب بدلاً من أن تقوم بتعبئته.
ويمضى ألترمان ليؤكد في بداية حديثه على أن الشرق الأوسط لا يوجد به نقص في الأنظمة الثورية التي كانت تتميّز بالشباب والحيوية سابقًا ودخلت الآن في مرحلة الكهولة. ويوضح بالقول إنه وعلى مدار العقود الماضية، شهدت بلدان مثل مصر والعراق وليبيا انقلابات عسكرية كان هدفها طرد الأنظمة الملكية الغربية الفاسدة لصالح رجال الجيش ذوي الشعبية الذين وعدوا بإعادة السلطة إلى الشعب. وتابع ألترمان بإشارته إلى أن القادة الجدد الذين ظهروا على الساحة الإيرانية خلال الأحداث التي تلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة أشرفوا على تأسيس كوادر من الشباب صغير السن الذين نزلوا إلى الشوارع، وشغلوا بيروقراطيات جديدة، داعمين بكل حماس قدوم نظام جديد، إلا أن تلك الحماسة الكبيرة قد quot;ذبلتquot; بعد أن تم استبدال مثيري الشغب ذوي الأعمار السنية الصغيرة الذين قادوا الانقلابات والثورات بقادة عديمي اللون.

كما وجه ألترمان انتقاداته للصحافة، قائلاً إنها وبعد أن ظلت معبأً موثوقًا به لمشاعر الرأي العام، تراجعت معدلات الثقة بها بصورة متزايدة. وأشار ألترمان إلى أن الوحيدون الذين تتزايد لديهم مستويات القوة، هم وكالات الاستخبارات الداخلية، ومنذ أن توقفوا عن تقديم الدعم للطليعة الثورية، كانوا عازمين على تعزيز الوضع الراهن، وهو ما حققوه بفاعلية متزايدة. ويخلص الكاتب أيضًا إلى حقيقة أخرى مهمّة ndash; أبرزتها الوقائع في المنطقة ndash; وهي أن القوة السياسية يمكنها أن تتحدث عن نفسها، كما أنها ليست بحاجة إلى مبرر أو عُذر. ويؤكد على أنها كانت وستكون القوة المنظمة في المجتمع، ولا تقدم اعتذارات على ذلك.

ويمضي ألترمان ليقول إن إيران ظلت تقاوم هذا الاتجاه على مدار عقود من الزمن. وبعد فترة طويلة من تلاشي لهجة الخطاب الثوري بين جيرانها، ما زالت إيران متأصلة بشكل كبير في الجمهورية الإسلامية. كما يشير إلى خروج الملايين من الإيرانيين للتظاهر في الشوارع عامًا بعد الآخر، وإن كان هذا التظاهر في بعض الأحيان ناتج عن الالتزام أكثر من الحماس. ويمكن القول أيضًا إنّ الثورة الإيرانية لم تكن مع كل هذا مجرد ثورة عن الخطابة. وجنبًا إلى جنب مع حماسة الجمهور، انخرطت القيادة الإيرانية في جهد لمدة 30 عامًا لوضع تعريف لمفهوم ولاية الفقيه، quot;سيادة الفقيهquot;. وعلى الرغم من ذلك، ظلت الصفقة الأساسية في الحكم الإيراني كما هي. حيث يتداخل رجال الدين في جميع أنحاء النظام، كما تتمركز الهيئات الدينية بشكل استراتيجي بحيث تتمكن من التصدي للتغيير غير المُرحب به. وفي المقابل، توفر المؤسسة الدينية الشرعية للحكومة الإيرانية. وبدوره، يبدي الشعب موافقته، التي غالبًا ما تكون أقل حماسة من آيات الله، لكن في ظل وجود اعتقاد سائد بين كثيرين بأن النظام منحهم صوتًا.

ويرى الكاتب أيضًا أن إيران باتت تعمل الآن وفق السياسة التي تقول إنquot;أيام التعبئة الجماهيرية قد ولَّت وانتهتquot;، بمعني أنها لن تسمح بخروج مسيرات جماهير حاشدة ضد الحكومة مرة أخرى، ما دفعها لإلغاء الكثير من الاحتفالات الرمضانية هذا العام. ويكشف ألترمان من خلال رؤيته التحليلية عن أن إيران - بات شأنها شأن جيرانها - ليست بحاجة إلى غطاء الخطاب الثوري للمحافظة على سيادتها. وأن السلطوية الصريحة بما تفرضه من سيطرة على الاقتصاد والاستعداد لإكراه المعارضين باتت العمود الفقري للنظام في إيران. ولم يستبعد ألترمان في الوقت ذاته احتمالية حدوث انقسام بين صفوف النخبة الإيرانية الحاكمة، دون توقع النتائج المحتملة.

وختم ألترمان في النهاية بالإشارة إلى أن الأمر الواضح الآن هو أن الحكومة الإيرانية قد تخطت العتبة التي لا يمكن العودة من خلالها. ولم يعد هنالك من وجود للوعد الثوري الخاص بالنظام الإيراني، وتعبئة الرأي العام لدعم هذا الوعد. ويؤكد ألترمان كذلك على أن الحكومة ستفعل ما يحلو لها، وستسعى للحفاظ على موقعها بالسلطة. ويشير إلى أنه لم يعد من دور الشعب أن يخرج للتظاهر في الشوارع، بل أن يبقى في المنزل. وأضاف أن الثورة كَبُرَت، وانتهت بالفعل الآن. ولم تعُد إيران دولة ثورية أحادية، بل أصبحت دولة استبدادية عادية.