تصاعدت الضغوط العالمية والمحلية في العراق من أجل تنحّي نوري المالكي، وسط تحذيرات من أن توغل (داعش) في العراق لا يهدد بتقسيمه فقط، بل يشكل تهديدًا لمجمل أمن الشرق الأوسط.


نصر المجالي: لا حظ مراقبون أن مجمل تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي تكثفت في اليومين الأخيرين حول الأزمة الخطيرة في العراق، تصبّ في "خانة" التلميح إلى ضرورة تنحّي رئيس الحكومة نوري المالكي.

وفي تلك التصريحات، ركّز أوباما على أن الصراع‭‭‭ ‬‬‬الدائر في العراق هو نتيجة للانقسامات الطائفية التي تفاقمت، وأن شعب العراق وقياداته بيدهما تجاوز هذه الخلافات.

ومنذ تفجر الأزمة الحالية باستيلاء مسلحي (داعش) على مدينة الموصل وغيرها من المناطق في التاسع من يونيو/ حزيران، تعالت الأصوات التي تحمّل المالكي مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع، وتزايدات الدعوات المطالبة بتنحيه عن الحكم.

الكلام الأخطر
لكن الأخطر في كلام الرئيس الأميركي هو ما ورد في تصريحات لبرنامج إخباري في شبكة (إن بي سي) حين قال إن: "بعض القوى التي ربما دائمًا تقسم العراق، أصبحت أقوى الآن، وتلك القوى التي يمكن أن تحافظ على وحدة البلاد أصبحت أضعف".&

ورأى مراقبون أن دعوة أوباما تتناسق مع دعوة المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني يوم الجمعة، والتي حث فيها على تشكيل حكومة وحدة وطنية في العراق، تحظى "بإجماع قومي عريض وتتجاوز أخطاء الماضي"، في أول انتقاد مبطن لحكومة نوري المالكي.

تمثل تصريحات أوباما ودعوة السيستاني ضغطًا متزايدًا على المالكي، الذي فازت كتلته بأكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية الماضية، والذي يتمسك إلى الآن بتشكيل الحكومة المقبلة.

أمن الشرق الأوسط
إلى ذلك، حذرت صحيفة (فاينانشال تايمز) اللندنية من أن توغل (داعش) في العراق لا يهددها فقط بالتقسيم إلى ثلاثة أجزاء للسنة والشيعة والأكراد، لكنه قد يهدد أمن منطقة الشرق الأوسط بكاملها، وهو ما يجعل لكل طرف من أطراف القوى الإقليمية هدفا مختلفا.

ونبهت الصحيفة إلى أن إيران على سبيل المثال، والتي تعدّ أهم لاعب في العراق، تسعى إلى الإبقاء على استقرار العراق كدولة موحدة تحت سيطرة حلفائها من الشيعة، وهي على كامل الاستعداد للتعاون مع الولايات المتحدة لضمان ذلك، وربما المساهمة في إطاحة حكومة المالكي، بحسب الصحيفة.

أما المملكة العربية السعودية، القوة السنية الكبرى في المنطقة، فتشير الفاينانشال تايمز إلى أنها تتعامل مع العراق كساحة للحرب الباردة بينها وبين إيران وسوريا، كما يبدو أن ورطة المالكي تروق المملكة السنية.

سوريا وداعش
وتقول الصحيفة اللندنية إنه على الرغم من أن سوريا التي يتشابك الوضع فيها مع العراق لأسباب عدة، من بينها الحدود المشتركة وتحارب مسلحي المعارضة التي تشمل مقاتلين تابعين لداعش، إلا أن ثمة تقارير لأجهزة مخابرات غربية تشير إلى اختراق قوات الأسد لداعش، بهدف تصوير الصراع في البلاد على أنه صراع من جانب متشددين سنة يسعون إلى إطاحة العلويين من الحكم، وفقًا للصحيفة.

وتختم (فاينانشال تايمز) قائلة: يبقى هدف أنقرة الرئيس هو الاحتفاظ بمصالحها في العراق، وخاصة التجارية منها، والنفطية خاصة في منطقة كردستان العراق، لكن فكرة التقسيم قد تقضّ مضجع تركيا خوفًا من انتقال مشاعر الانفصال إلى الأقلية الكردية فيها.

من جهتها، تناولت صحيفة (التايمز) اللندنية تطورات الأزمة في العراق، فكتبت تحليلًا تحت عنوان (حان وقت تنحّي نيكسون الشرق الأوسط) في إشارة إلى ضرورة رحيل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، قبل أن يحدث تدخل أميركي ضد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام (داعش).

المالكي المعزول
ويقول كاتب التحليل مايكل بيرلي إن مستقبل العراق معلق بالمالكي، الذي أصبح الغرب ينظر إليه باعتباره شخصية معزولة وبلا طعم، وفي الوقت الذي يظن رئيس الوزراء المحاط بالمشاكل أن وجوده ضروري لصدّ هجمات داعش، يدرك معظم الشيعة في العراق قبل السنة أن المالكي أضحى جزءًا من معضلة البلاد، وليس الحل.

يضيف بيرلي أن هناك بعض الصفات المشتركة بين المالكي والرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون، الذي اضطر للتنحي في بداية فترة رئاسته الثانية بسبب فضيحة (ووترغيت) تحت وطأة تهديد الكونغرس، حيث شهد البرلمان العراقي انقسامًا حول منح المالكي صلاحية إعلان حالة الطوارئ، ربما لتشككهم في كيفية استغلاله لتلك السلطة.

وأشار تحليل الصحيفة إلى أن جنون العظمة من بين الصفات المشتركة بين الرجلين، وظهر ذلك مع تقلد المالكي لمهامه، حيث انتزع كل المناصب من القادة السنة، بداية من البنك المركزي وحتى جهاز المخابرات، حتى أن بعضهم فرّ من البلاد، كما فعل نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي.

ويختم بيرلي تحليله قائلًا: إن خطة المالكي الوحيدة لمواجهة (داعش) هي حشد العراقيين الشيعة، وهو الحل الذي سيكون بمثابة استخدام صفيحة من البنزين لإخماد النار، وبالتالي فإنه يتعيّن على الغرب التأكد من انتهاء دور المالكي، وهو ما قد يعطي بعض الطمأنينة إلى العراقيين السنة لمحاربة التطرف في بلادهم جنبًا إلى جنب مع الشيعة".
&