ايلاف في سوق الخردوات في البصرة
تظاهرة ضد الفقر.. مشروع مجزرة دموية

صفاء الغانم من البصرة:ليس بالسوق المغري ، حتى يرتاده هذا الكم الهائل من المتبضعين و المتفرجين والعاطلين عن العمل ، لكنه قد يكون المتنفس الوحيد الصالح للتسكع ايام العطلة الروتينية الجمعة. على امتداد مساحة لا تتجاوز الـ 500 متر وهو ما خصصه الباعة لسوقهم ، فيما يمتد الشارع الرئيسي والحيوي الذي تقطع السبل اليه اكثر من كيلو متر تقريباً، يفترش الساعون للرزق حوض الشارع والارصفة في تظاهرة، اقل ما توصف بانها احتجاج على الفقر المدقع الذي يدفع بمئات من هولاء الى بيع أغراض لاتساوي افلاس معدودة، من خردوات و بقايا العاب و اجهزة اليكترونية مهشمة و اواني مطابخ لاتصلح للاستعمال، واعداد مليونية من قطع الغيار والمواد الاحتياطية ، من براغٍ و بولبرنكات و اسلاك و اشياء اخرى لا يدل منظرها انها تصلح لشيء. وفي زحمة كل هذا يتربع الاثاث العتيق على الارصفة عله يتفاخر يدخول بيت ما بعد الاصلاح ، فيما تفترش الارض حاجيات كانت في بيوت ما حتى استغنى عنها اصحابها بعد ان اصبحت لا تصلح لشيء بتاتاً ، تتداخل عشوائي يرسم مشهد سوق الجمعة في البصرة القديمة.


يقسم هذا السوق حسب الحاجيات المباعة وبطريقة تشي بمحاولة تخفيف الزخم الحاصل فيه ، فباعة الدراجات الهوائية او ما يعرف ( بالبايسكلات ) يتربعون على كتف الشارع الايمن ، فيما كتف الشارع الايسر فذاك من نصيب باعة الالبسة المستعملة و الكتب و الاجهزة الكهربائية التي ما زالت على قيد الحياة ، فيما حوض الشارع لايمكن لنا ان نصنفه لكثرة وغرابة الحاجيات التي تنام على راحتها على الاسفلت.
مابين تقاطع مشفى البصرة العام او ما يعرف بتقاطع الصمود وبين التقاطع الذي يشمخ على رأسه جامع البصرة الكبير ، يقع هذا السوق الاسبوعي في منطقة تعرف بالبصرة القديمة.
هؤلاء الساعون للرزق الحلال ، والذين ليس في جعبتهم سوى هم القوت اليومي، ربما يضيع حلمهم الصغير هذا، او في انفجار سيارة مفخخة او عبوة ناسفة او انتحاري يرغب الى الله بالجنة.
ففي ربيع عام 2006 انفجرت سيارة مفخخة قرب السوق بمحاذاة مركز للشرطة الا انه لم يودي بحياة الا القليل، فلو كان قد وقع في ذروة النشاط اليومي للسوق لغص المشفى القريب بمئات الجثث.

بداية صيف عام 2006 اشتبهت الشرطة اذا ما كان الانفجار الذي وقع بهذا السوق عصراً في ذروة نشاط سوق الهواتف النقالة المستعملة والذي يستقطب المئات من الشباب.ناتجاً عن عبوة ناسفة او سقوط عدد من الهاونات على السوق. وقبلها انفجار في منطقة الحيانية الشعبية مساءاً.

تتزايد المخاوف هذه الايام، في ان تنقل الجماعات المسلحة نشاطها من بغداد الى البصرة مع البدء بتضييق الخناق عليها بخطة فرض القانون ، والقيام بعمليات انتحارية ضد الابرياء، كما حدث في كركوك بأحد اسواقها الشعبية. ومما يزيد من هذه المخاوف لدي رواد سوق الجمعة ، غياب أي خطة امنية لحماية هذا السوق، او تفتيش الداخلين اليه ، عوضا عن ان االممر الايمن من حوض الشارع يشهد يوم الجمعة اختناقاً مرورياً حاداً، بسبب غلق الممر الايسر. وهذا يعني من السهولة ان تنسل سيارة مفخخة مع السيارة العابرة، وتحيل المشهد الآمن الى مجزرة لا يعرف كم عائلة تنتظر لقمة العيش فستقبل جنازة عائلها.

يقول احد الباعة مازحاً: اذا لم نمت جراء انفجار ارهابي فأننا حتماً سنموت جراء تطاير البراغي والخردوات.

حاولت السلطات في البصرة ، منع الباعة من تحويل الشارع الى مهرجان للتسوق وقطع الطريق، الا ان كل محاولاتها ذهبت ادراج الرياح ، بسبب عدم تهيئتها مكان اخر للباعة، لذا عاد المشهد مرة اخرى اشد فوضى ، لكن مع بدء العام 2008 ابتدعت السلطات فكرة ربما ستمنع ذلك، في انها وضعت حواجز كونكريتية على الجزرة الوسطية النحيفة.

مركز الشرطة جزء من مشهد سوق الجمعة في البصرة، الا انه لم يحرك ساكناً لتوفير حماية للسوق ، واكتفى بقطع الممر المؤدي اليه ومن جهته بسيارة نجدة ، كمحاولة لصد أي عمل ارهابي، الا ان هذه المركبة لن تصد أي اعتداء، والسبب انها تقف في وسط الشارع المسدود اصلا بألاف المتبضعين ون الجهة المعاكسة.
فالتساؤل والتخوف الكبير الذي يطرح نفسه بقوة : هل يستعد نفسياً وعملياً اهالي البصرة الغنية بالنفط لاستقبال مجزرة سوق الخردوات، على شاكلة جريمتي سوق الصدرية و الشورجة ببغداد و غيرهما، اذا ما اشرنا ايضاً الى ان سوق المغايز في العشار وشارع الكويت، هدفان سهلان في أي اعتداء، كما حدث في شارع الجزائر وسط البصرة في رمضان الماضي2006!!