صباح الخفاجي من بغداد:احتل فدائيو صدام المدارس ومداخل الشوارع وقرروا اتخاذنا المدنيين كوقود ودروع بشرية لاستنزاف القوات العسكرية الأمريكية والقوى المتحالفة معها.. وقبل 20 يوما من بدء الحرب جلب أخي الكبير دشا صغيرا quot; ستلايتquot; متخذا من ظلام الليل الدامس ستارًا حتى لا ينكشف أمره فيودع بالسجن أو ربما يقتل بتهمة الخيانة.. وكان صدام حسين قد حظر فيما حظر علينا نحن العراقيين اقتناء الستلايت إمعانا منه في تضييق سجننا وقطع أوصالنا عن العالم الخارجي. أصدر أخي تعليمات صارمة تقضي بتغطية الدش وإخفائه حتى عن الأطفال. كانت القنوات الفضائية تتسابق فيما بينها لنقل أخبار حرب العراق. لكن أخي كان صارما quot;بحضرquot; مشاهدة الستلايت بساعات الليل المتقدمة حتى لا ينكشف أمرنا.. وهكذا كان- نجحنا في إخفاء الستلايت حتى عن أقاربنا وطبعا الجيران..

كانت عيوننا وأرواحنا معلقة بشاشات التلفزيون ونحن نعد اللحظات والساعات والأيام بانتظار الخلاص ومن لم يكن..؟ وحانت الساعة.. دخل الأميركان بغداد بسهولة تامة وبدون مقاومة تذكر.. فقد انهزم فدائيو صدام وجيشه الشعبي وكان الجيش الرسمي قد سبق الاثنين...

وما كاد العراقيون يستمتعون بنشوة الخلاص وطعم الحرية حتى أعلن الأميركان إدخال العراق تحت الاحتلال..فتحولت الولايات المتحدة رسميا من محررة إلى محتلة وابتدأت فصول برنامج الواقع المرير..

كان الحلم بالحرية والرخاء،الحياة الرغيدة الآمنة، الأحلام الكبيرة والطموحات..جدد أنفس العراقيين وشحذ الهمم فقررنا ان نعيش الحياة بعد أن كنا على هامشها..أردنا الحصول على كل ما حرمنا منه وأعطبنا عنه صدام حسين.. الحرية والطموحات،حقنا في العيش الكريم، حقنا في الإنسانية والعمل والحياة الطبيعية..فشاغلونا بحرب كادت أن تصبح أهلية،تهجير وقتل على الهوية فغرقنا بالهويات سنية وشيعية..
ست سنوات على التحرير- الاحتلال؟ ترى ما الذي حصل؟ وما الذي أنجز من الأحلام؟ وماذا جنيناه؟ وكيف هو طعم الحياة في عراق اليوم؟

بعد 6 سنوات من حرب العراق كان لابد لنا من الوقوف مع الناس وأرائهم. حول ذكرى التاسع من نيسان وما هو التغيير الذي أحدثه هذا التاريخ في حياتهم:

تصف الإعلامية فيحاء الخفاجي نائبة رئيسة تحرير مجلة ندى الصباح التاسع من نيسان بالقول: كان يوما عظيما لم اصدق إني ساري بعيني سقوط الطاغية الذي اعدم والدي وأخي في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 والذي حرمني وعائلتي من الحصول على لهما قبر أزوره كما يفعل الأحياء إكراما لأمواتهم.دفنهم في مقابره الجماعية وزرع جرحا إضافيا لن يندمل ما حييت..

كان الفرح يملؤني بسقوط الطاغية فحملت حزني وانطلقت تسبقني رغبتي العارمة وعنفوان الشباب للمساهمة بصنع حياة جديدة في عراق جديد نبنيه بمحبة وإخلاص وكفاءة.
عملت كمحررة مستقلة في جريدة يومية وفي راديو نبث الأمل بعراق ديمقراطي جميل وجديد..لكن الفرح سرعان ما تبدد برؤية الفوضى تجتاح كل شيء ومهلا حتى تتزعزع ثقتي وأنا أرى ارتقاء النكرات المناصب ويحصلون على فرص عمل ممتازة حرمنا منها نحن أبناء شهداء ضحايا النظام السابق.وتبدد حلمي بالحصول على عراق يتساوى فيه الجميع. اكتشفت شيئا فشيئا ان قادة الأحزاب القادمون من الخارج لا يقيمون اعتبارا للشعب ولا يصغون لهمومهم واحتياجاتهم بل صاروا يعاملونهم بنفس قسوة وتعالي وعجرفة أزلام صدام.ثم تفشى الفساد ضاربا بقوة على كل جوانب الحياة.طردوا الكفاءات الوطنية وتم استبدالها بأخرى وفق قانون العائلية والمحسوبية.

- تسألينني عن الانجازات التي حدثت بعد التاسع من نيسان سأجيبك إن ما من انجازات جوهرية تحققت للمواطن العراقي.أما على المستوى الشخصي وكإعلامية مستقلة فاني أرى أن المؤسسات الإعلامية في عراق اليوم لا تعمل بمستوى مهني وإنما تعمل كما عمل إعلام صدام حسين.إعلام دعائي موجه يخدم الحكومة أو الجهة الحزبية الممولة. لهذا لا أجد إن بمقدورنا كإعلاميين مستقلين التنفس بهذا الجو الخادع..هددوني بالقتل إن استمريت بمحاولة كشف ومحاربة الفساد..توسلت أمي بي لاترك العمل الصحفي لان قتل الصحفي في العراقي أصبح أسهل من الماء..رضخت لرغبتها لكني اصدر ومن بيتي مجلة مع بعض الزملاء ndash;المجلة تعاني من نقص شديد في التمويل لكننا نقاتل بضراوة من اجل إبقائها حية لنثبت إن في العراق أناسا يعملون بضمير وإبداع ووطنية خالصة.

لا نملك غير رحمة الله


أما أبو نور quot;سائق سيارة أجرةquot; فيقول: ست سنوات منذ قدوم الأمريكان لبلدنا وquot;ماكو قبض.لا يعقل أن تعجز أمريكا عن توفير الكهرباء للشعب العراقي لكنهم احتلال ولا يعاملوننا بكرامة.أظنهم لا يريدون راحتنا.. لكن المشكلة الحقيقة ان الجميع في البرلمان والحكومة يفرهدونquot; خيرات العراق إما نحن فلا نملك غير رحمة الله. لم تكن حياتنا مريحة لا في النظام السابق ولا ألان بعد مرور 6 سنوات على إسقاطه.


الستلايت أهم الانجازات

وتبدي الدكتورة عطاف تفاؤلا واضحا إذ تقول : كل شئ في الحياة يحتاج وقتا لكي يبنى ورغم تجربتنا المرة مع الأحزاب وعدم اهتمامها بتوفير احتياجات الشعب لكن تحسن الوضع الأمني أدى إلى ارتياح الناس الذين ملوا القتل والتفجيرات والاختطافات..نحن العراقيين نتكيف مع الظروف ونبحث عن الفرح ونعيش الحياة يوما بيوم..وأظن أن quot;الستلايتquot; أهم الانجازات التي تحققت للعراقيين..لأننا أصبحنا على اتصال بالعالم نرى ونسمع ونتابع وسنصل إلى القمة بإذن الله.المهم اننا تخلصنا من نظام صدام وستبقى فرحة التاسع من نيسان إلى الأبد في قلوبنا وأملا كبيرا في أن تكون حياة أحفادنا أفضل من حياتنا..

جماعة الاحزاب حصلوا على كل شيء


تتحدث الحاجة ام فاضل بحرقة وألم شديدين: اعدم البعثيون ابني عام 1991 وتأملت خيرا بسقوط البعث وصدام..قالوا إن عوائل شهداء ضحايا نظام صدام سيحصلون على امتيازات راتب شهري وقطعة ارض وعقاري للبناء..وهانا أراجع مؤسسة الشهداء منذ 4 سنوات دون ان احصل على أي شيء. فيما حصل جماعتهم جماعة حزب الدعوة والمجلس الأعلى حصلوا كل شيء بيوت رواتب سيارات رحلات للحج والعمرة مجانية.. وإنا وأمثالي لم نحصل على شيء..لا حقوق لنا وكأننا لسنا بعراقيين..وكان مصابي سيهون لولا أنهم قتلوا العام الماضي ابني الوحيد المتبقي لا لشي فقط لكونه شيعي.. وألان أنا مريضة بالقلب والجلطة وأتمنى الموت اليوم قبل الغد لأني لم أذق طعم الراحة في حياتي..ولا أظن أن خيرا سيصيب العراق أبدا.


ارتفعت المقدرة الشرائية جدا

يقول هدير الذي يمتلك محلا لبيع المواد الغذائية في بغداد :يقول المثل العراقي ابغض واحكي واكره واحكي.صحيح أن الأوضاع ليست مستقرة في العراق لكن القيمة الشرائية للفرد العراقي ارتفعت جدا.لم أكن أبيع في النظام السابق إلا الاحتياجات الأساسية جدا كالرز والسكر والشاي..لكن اليوم وخلال ست سنوات أصبحنا نبيع كل شيء. لست وحدي اسألوا أفران الخبز والمطاعم وغيرها.هناك طلب يومي هائل على كل المواد الغذائية والحلويات العصائر المشروبات الغازية وألواح الشوكولا وكل ما يخطر في البال..ليست هناك نسبة عن السابق..العراقيون بالجنة ألان لولا الوضع الأمني.

الأحزاب تتولى حماية المفسدين


إلا إن الشرطي ظافر من كربلاء يظهر امتعاضا من طريقة إدارة الأمور في نقطة التفتيش العسكرية حيث يعمل: رائحة الرشاوى والفساد تزكم النفوس ولو إني اجد مكانا للعمل غير عملي هذا لاستقلت منذ زمن بعيد..يحاربني الضابط لأني اعمل بما يرضي الله..كنت اعمل بالقلم وهذا مكان حساس لأني أراقب غياب المنتسبين وأدون إجازاتهم ورواتبهم..كان الضابط يتقاضى رواتب لخمسين اسما وهميا أي ما يتجاوز 40 مليون شهريا..اكتشفت ذلك فعرض إعطائي جزءا من المبلغ رفضت لأني لا اطعم عيالي حراما..جن جنون الضابط نقلني من مكاني ولم يكتف بذلك بل شوه سمعتي في المديرية وألب الضابط ضدي علما إن احد الأحزاب النافذة في كربلاء تقوم بحمايته لانتمائه إليها؟ ألان اخدم في نقطة التفتيش هذه ليلا ونهارا بدون الحصول على إجازات الا أربع مرات شهريا في حين ينزل زملائي بين يوم وآخر..! أليس هذا هو الظلم بعينه،ترى لو كنت اشتركت معه في الاختلاس لما تردي حالي.لا ثقة عندي لا بالحكومة ولا الأحزاب..لم يتغير شي في العراق لان اللاحقون يسيرون على خطى السابقون..!!