كان فوز قطر بتنظيممونديال 2022، من أهم الأحداث الرياضية خلال العام 2010 ،حتى أنه اعتبر أهم حدث نظراً لأن دولة صغيرة كقطر استطاعت الفوز بهذا أمام كبرى الدول إضافة لكونها المرة الأولى التي تنظم فيها البطولة العالمية في منطقة الشرق الأوسط، وفي بلد عربي وإسلامي.


الدوحة : حققت دولة قطر خلال عام 2010 أمنية عزيزة على قلوب شعبها وقادتها، بفوزها بشرف تنظيم كأس العالم عام 2022. هذا الحلم الذي سعت قطر لتحقيقه بالعمل الدؤوب والجهد الجبار، تجسد يوم 2 ديسمبر الماضي في زيوريخ بسويسرا عندما رفع رئيس الإتحاد العالمي لكرة القدم quot;فيفاquot; مغلف الدولة الفائزة بشرف تنظيم البطولة العالمية ليكون اسم قطر هو ما يخفيه المغلف، فعمت الفرحة قطر والعالم العربي بأسره.

أمير قطر وعقيلته يحملان كأس العالم وسط متابعة بلاتر

ملعب لوسيل الخيالي

ولعل صورة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وحرمه الشيخة موزا بنت ناصر وأولادهما لحظة إعلان النتيجة، تختصر صورة الملايين الذين انتفضوا وبكوا واحتضنوا بعضهم البعض، لأن حدثاً بهذه الضخامة أمر لا يتكرر كل يوم، خاصة في عالمنا العربي، وقد أتاحت قطر لجيرانها العرب فرصة الإستمتاع بهذا النصر.

وإذا كان العرب يتمنون تحقيق هذه الأمنية على أرض الواقع، ليعيشوا تفاصيله الدقيقة كلها، إلا أن كثيرين يراهنون على أجيال جديدة ستعيش التجرية وتتفاعل معها أكثر. ويقدمون المثال على أن نجوم وأبطال كرة القدم الحاليين لن يكونوا في عداد الفرق التي ستشارك في مونديال يجري بعد 12 سنة، إلا إذا كانوا في عداد المدربين أو الجماهير إذ أن أصغرهم وهو البطل الإنكليزي روني سيكون قد تجاوز الخامسة والثلاثين من عمره.

جهود ممتدة

بعد استضافتها الألعاب الآسيويّة عام 2006، أثبتت قطر أنها قادرة على تنظيم أحداث رياضية ضخمة. وسعت قطر لترسيخ وجودها على خارطة العالم الرياضية، بتقديم ملف استضافة كأس العالم لكرة القدم عام 2022. واستخلصت في هذه الخطوة خلاصة تجارب عديدة منها تنظيمها مجموعة من الأحداث الرياضية ككأس العالم للشباب عام 1995، ومجموعة من البطولات العالمية في الرياضات المختلفة ككرة المضرب والدراجات النارية إضافة لبطولة العالم لألعاب القوى داخل القاعات.

ويتوقع أن تشهد الأيام والأشهر المقبلة في قطر تجربة مهمة باستضافة الدوحة كأس آسيا لكرة القدم ودورة الألعاب العربية عام 2011.

كما أن فوز قطر بتنظيم المونديال، أثار حماستها لتحقيق مزيد من الإنجازات الرياضية، فتقدمت بطلب رسمي لإستضافة كأس العالم للرجال لكرة اليد عام 2015، ويحظى هذا الطلب بدعم الدولة الكامل كونه يأتي في إطار خطة quot;رؤية قطر الوطنية 2030quot;، التي تولي فيها الحكومة أهمية خاصة للرياضة.

ومع منح قطر شرف الاستضافة سلطت الأضواء على هذا البلد الصغير جغرافيا الذي أصبح خلال السنوات الماضية علامة بارزة على في المنطقة خاصة في المجالين الرياضي والثقافي. إضافة لكون قطر ثالث منتج للغاز الطبيعي في العالم ومن الدول المنتجة للنفط.

مميزات الملف القطري

أتى تصويت اللجنة التنفيذية التابعة للإتحاد الدولي لكرة القدم فيفا لصالح قطر لتستضيف مونديال 2022، بعد تقديمها ملفاً ضخماً يوثق ما ستقوم به قطر لتكون على قدر هذا الحدث العالمي الضخم.

وقد تألف الملف القطري من 750 صفحة، ومن سبعة مجلدات زاد عدد صفحاتها على 2000 صفحة فاق وزنها على عشرين كيلوغراماً وإحتوت على جميع الشروط والمعايير التي يتطلبها الإتحاد الدولي لكرة القدم في الدولة المضيفة. كما أنه استعرض مختلف المنشآت الرياضية والبنية التحتية والضمانات الحكومية والضمانات الفندقية والخدمات الصحية، إضافة لقضايا السكن والنقل والأمن والبيئة والبنية التحتية للملاعب مدعمة بجميع العقود والإتفاقيات والضمانات الحكومية اللازمة.

وقدمت قطر في ملفها حلولاً عملية لكل العقبات التي افترض أنها قد تكون عائقاً أمام استضافة قطر للمونديال. وأبرز هذه الحلول استخدام التقنيات المستدامة وأنظمة التبريد في الملاعب ومناطق التدريب ومناطق المتفرجين، بحيث سيكون بإمكان اللاعبين والإداريين والجماهير التمتع ببيئة باردة ومكيفة في الهواء الطلق لا تتجاوز درجة حرارتها 27 درجة مئوية.

كما استعرض الملف الملاعب التي جاءت كلها صديقة للبيئة بفضل إستخدام التكنولوجيا المتطورة التي جعلت نسبة الإنبعاث الكربوني صفر، إضافة لكون هذه الملاعب قريبة من بعضها البعض مما يسهل تنقل الجماهير التي ستحضر كأس العالم بين الملاعب لمتابعة مختلف المباريات. كما لحظ الملف تخلي قطر عن 170 ألف مقعد من مختلف الملاعب التي تستضيف المباريات بعد انتهاء البطولة ومنحها للبلدان النامية.

ووفق الملف القطري فإن اللجنة المنظمة رصدت ميزانية قدرها 3 مليارات دولار لتطوير وإنشاء الملاعب الإثني عشرة التي ستدور فيها مباريات المونديال وفق متطلبات الإتحاد الدولي لكرة القدم، وهي ستوفر حوالي 2.869.000 مليون تذكرة لمباريات المونديال. كما خصصت 64 ملعباً للتدريب و64 فندقاً لإقامة البعثات بقدرة 84 ألف غرفة فندقية. هذا إلى جانب رصد ملبغ 645.5 مليون دولار لتنظيم البطولة ككل.

السباق الى المونديال

تنافست قطر في تنظيم كأس العالم 2022 مع كل من أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة الأمريكية. وخاض الملف القطري منافسة قوية مع الملف الأميركي في الجولة الأخيرة من عملية التصويت. ونجحت قطر في التفوق على الولايات المتحدة التي كانت مرشحة بقوة لإستضافة المونديال للمرة الثانية.

وكانت الولايات المتحدة تعقد آمالا على ملفها القوي في مختلف المجالات من الملاعب والنقل والاقامة، وعلى نجاحاتها في مونديال 1994 الذي حقق حضور نحو 70 ألف متفرج في المباراة الواحدة وهو رقم قياسي.

وقد واجهت عملية التصويت التي جرت في زيوريخ في الثاني من ديسمبر الماضي الإنتقادات والإتهامات التي كيلت لأعضاء في الفيفا. وواجه رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر هذه الإتهامات ودافع عن الدول الفائزة بالإستضافة سواء قطر أو روسيا التي فازت بحق تنظيم المونديال عام 2018، على إعتبار أن ذلك يضيف منطقتين في العالم إلى الدول التي تستضيف المونديال.

وفور إعلان النتيجة وجه بلاتر التهنئة للوفد القطري الذي كان تلقى دعماً كبيراً بحضور أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وحرمه الشيخة موزا بنت ناصر ورئيس الوزراء وزير الخارجية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني.

وقد عبر أمير قطر بعد الفوز عن سعادته لمنح بلده شرف استضافة المونديال، وقال quot;إن قطر دولة صغيرة لكنها تستطيع رفع التحدياتquot;. وقال في تصريحات موجهة لأعضاء اللجنة التنفيذية: quot;أشكركم على الثقة والفرصة التي منحتوها لقطر لتنظيم كأس العالم، ونعدكم بأنكم ستكونون فخورون بالبطولةquot;.

وقال الشيخ محمد بن حمد آل ثاني رئيس لجنة الملف القطري لبلاتر وأعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا بعد إعلان الفوز quot;لن نخذلكم ولن يخذلكم الشرق الاوسط.quot;

قطر تخطو واثقة نحو المونديال

تعتبر دولة قطر أحد أكبر خمسة أنظمة اقتصادية متزايدة النمو في العالم، ونتيجة لذلك تقوم الدوحة ببناء مرافق أساسية قيمتها أكثر من مئة مليار دولار أميركي ينتهي العمل بها عام 2012. كما تخطط الدوحة لتكون المركز الأكاديمي والمركز الرياضي في المنطقة وكذلك المركز السياحي الرئيسي لمنطقة الشرق الأوسط، ولتحقيق هذه الرؤية تقوم بزيادة مرافقها السكنية والفندقية بطريقة ملحوظة.

وكشفت مجلة quot;ميدquot; البريطانية المتخصصة بالشؤون الإقتصادية في الشرق الأوسط، في تقرير لها عن إطلاق قطر العنان لفورة إنشائية استثنائية بتكلفة إجمالية تصل إلى 60 مليار دولار أميركي، إثر الفوز باستضافة بطولة كأس العالم 2022.

وكشفت المجلة عن خطة بكلفة إجمالية تصل إلى 4 مليارات دولار أميركي لتشييد 9 ملاعب كرة قدم جديدة متطورة وصديقة للبيئة، وتوسيع 3 ملاعب موجودة من قبل. كما تتضمن الخطة بناء ملعب quot;مدينة لوسيلquot; بطاقة استيعابية تصل إلى 86 ألف متفرج وهو الذي سيستضيف المباراة الافتتاحية والنهائية من البطولة.

وستقوم قطر ببناء أكثر من 80 ألف غرفة فندقية جديدة، منها 10 آلاف- 15 ألف غرفة ستكون جاهزة بنهاية عام 2020، وذلك تلبية لشروط الفيفا التي تنص على أن يتمتع البلد المضيف بقدرة فندقية تبلغ 60 ألف غرفة فندقية. وقد أعربت الدوحة عن عزمها تشييد 80- 90 ألف غرفة بقدوم 2022.

كما كشفت المجلة عن برنامج قطري بتكلفة إجمالية تصل إلى 20 مليار دولار أميركي لتحسين وتوسيع شبكة الطرق في البلاد، ويتضمن تخصيص 687 مليون دولار أميركي لإنشاء quot;طريق لوسيل السريعquot; وquot;طريق الدوحة السريعquot; وquot;طريق دخان السريعquot; وquot;معبر خليج الدوحةquot;.

كما أن من المشاريع التي كشفت عنها المجلة تخصيص 25 مليار دولار أميركي لتغطية مشروع شبكة مترو الدوحة عالي السرعة التي تصل في جزء منها الشبكة الخليجية المقترحة التي تربط قطر بالبحرين، إضافة إلى خط حديدي للشحن يربط بين دول مجلس التعاون الخليجي على نحو أوسع. كما رصد مبلغ 4 مليارات دولار أميركي لإنشاء quot;جسر الصداقةquot; بين قطر والبحرين بطول 45 كيلومتر الذي سينطلق العمل فيه في يونيو القادم. ويشكل هذا الجسر عاملاً مهماً لاستضافة بطولة كأس العالم كما ورد في تقرير التقييم الصادر عن الفيفا، الذي أعطى مخطط الاستضافة زخماً جديداً للأمام.

قطر علامة بارزة

استطاعت قطر بتحقيقها هذا الفوز أن تضع العالم العربي علامة قوية على خارطة كرة القدم العالمية، فأعلن سعود بن عبد الرحمن الأمين العام للجنة الأولمبية القطرية أن قطر quot;وضعت كرة القدم في الشرق الأوسط على خارطة العالمquot;. وهذا ما دفع القيادات الرياضية العربية إلى الإشادة بالإنجاز القطري على اعتبار أنه نصر للعرب.

وهذا ما دفع أحمد الفهد رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي للقول quot;نحن في الخليج مطلوب منا الشيء الكثير لدعم قطر في مهمتها العالمية، ودول الخليج معنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى بدعم الاستضافة القطريةquot;.

ومع أن تصريحات رواد الرياضة العرب ورؤوساء الإتحادات الرياضية في أنحاء العالم العربي أتت لتؤكد على أهمية إستضافة قطر لمونديال 2022، إلا أنها حملتهم مسؤوليات إضافية تتمثل بواجبهم دفع كرة القدم العربية أشواطاً إلى الأمام، ليصبح للفرق العربية وجوداً قوياً في كأس العالم خلال الدورات المقبلة.

التحديات

كتب محمد آل الشيخ في صحيفة الجزيرة بعد إعلان الفوز القطري:quot; تغيرت نظرتي إلى هذه الدولة التي استطاعت بإعجاز أن تلتقط الترشيح لكأس العالم لكرة القدم، ومعها المكانة العالمية المرموقة، من فم الأسد رغماً عنه، من أميركا وليس من نيبالquot;.

لكن هذا الإنجاز يواجه العديد من التحديثات التي ينبغي على قطر تذليلها قبل العام 2022. ولعل من أبرزها السعي لإستقطاب الدول العربية خاصة لملء مدرجات الملاعب الضخمة بعشاق كرة القدم. إضافة للتحدي المتمثل باستقبال الأعداد الهائلة من المشجعين والجماهير في بلد تركيبته الجغرافية قد تقيد حريتهم، مع أن قطر تعهدت على لسان ناصر الخاطر عضو لجنة الملف القطري السماح للآلاف من جماهير كأس العالم لكرة القدم باحتساء الكحول وفق ضوابط وأماكن يتم تخصيصها لهذا الغرض، ومن أهمها أماكن التجمع الجماهيريfan zone .

وتعد العادات والتقاليد الإجتماعية والمحظورات الدينية أول التحديات التي ستسعى قطر لإيجاد الحلول لها، عبر إيجاد حلول وسط لا تعيق من إنجازها وما يرافقه من متطلبات.

كما تواجه قطر تحدياً آخراً تمثل في تعهدها استضافة اسرائيل في المونديال في حال تمكن المنتخب الإسرائيلي من تجاوز تصفيات التأهل عن القارة الأوروبية.

وهناك أيضاً التحديات الأمنية في بلد صغير آمن مسالم، حيث يفترض تدعيم جهاز الشرطة القليل العدد، إما بالاستعانة بشركات أمنية دولية أو زيادة عدد أفراد قوى الأمن بما يتناسب مع حجم الزائرين.

ويعد التحدي الأبرز أيضاً تنظيم البطولة في فصل الصيف في بلد خليجي حار، يمكن أن تصل درجات الحرارة فيه إلى 50 درجة مئوية في حزيران/ تموز. ومع أن قطر لم تطالب بتغيير موعد المونديال كونها تعهدت بإنشاء مكيفات الهواء في الملاعب، لكن هذا ما اعتبره المفتشون الفنيون التابعون لفيفا في صنف quot;مخاطر عاليةquot;. معتبرين أن quot;خطط إقامة المنافسة خلال اثنين من أشهر السنة الأكثر سخونة في هذه المنطقة (حزيران وتموز)، لا بد من اعتبارها من المخاطر الصحية المحتملة على اللاعبين والمسؤولين وأسرة كرة القدم والمتفرجين، وهذا يطلب اتخاذ الاحتياطاتquot;.

لكن بعض القادة الرياضيين البارزين حاولوا السعي لتجنب المخاطرة العالية من خلال طرح تعديل تقويم كرة القدم العالمية ليكون المونديال في كانون الثاني يناير بدل حزيران يونيو. وقد اقترح هذا الأمر عضو اللجنة التنفيذية لفيفا واللاعب الألماني الدولي السابق فرانز بيكنباور ووافقه فيها رئيس الاتحاد الدولي الفرنسي ميشيل بلاتيني. كما قال الأمين العام لفيفا جيروم فالكه: quot;لمَ لا؟quot;. عندما سُئل عما إذا كان يمكن نقل وقت انطلاق مثل هذا الحدث.

وهذا ما أيده بلاتر بالقول quot;أنا بالتأكيد أؤيد إقامة البطولة في فصل الشتاء في الشرق الأوسط، خصوصاً عندما يكون المناخ مناسباً. أنا أفكر باللاعبين أيضاً، وليس المشجعين فقط، بل أيضاً حتى الجهات المسؤولةquot;.

ويعد العائق الوحيد لتغيير موعد المونديال هو تقويم المباريات الدولية الذي سيخضع لمفاوضات صعبة بين الاتحادات الكونفيدرالية والأندية وإتحادات الدوري المحلي في كل أنحاء العالم. ويقول الفيفا إنه يميل إلى العمل بتغيير المواعيد سلفاً قبل موسمين أو ثلاثة، في حين أن مباريات التأهيلات لنهائيات كأس العالم تبدأ قبل ثلاث سنوات ونصف سنة من انطلاق النهائيات.

وهذا يجعل القرار صعباً، لكن مونديال قطر 2022، ما زال بعيداً، وبالتالي يمكن حل العديد من هذه القضايا العالقة قبل حزم الحقائب للذهاب الى المونديال.