عندما يتحدث المشجعون والمحللون على حد سواء عن موقعة غد السبت بين برشلونة الاسباني ومانشستر يونايتد الانكليزي في نهائي دوري ابطال اوروبا لكرة القدم وعن المواجهة بين العقلين المدبرين جوسيب غوارديولا والسير اليكس فيرغوسون، فمعظهم يتناسى واقع التحدي الذي ارتقى له المدرب الكاتالوني quot;اليافعquot; عام 2009 في مواجهة خبرة عمر على مقاعد الاحتياط.

نجح غوارديولا قبل عامين بفرض رؤيته التكتيكية في مواجهة رجل خاض مباراته الاولى في المسابقة كمدرب عندما كان quot;بيبيquot; في السابعة من عمره فقط وخرج برشلونة فائزا من النهائي عن جدارة واستحقاق 2-صفر في موسمه الاول مع لاعب وسطه السابق.

والاحصائية الملفتة تماما للنظر هي ان فيرغوسون يكبر غوارديولا في العمر التدريبي ب34 عاما لان المدرب الاسكتلندي بدأ مشواره على مقاعد التدريب عام 1974 اي بعد ثلاثة اعوام فقط على ولادة مدرب النادي الكاتالوني، الا ان الارقام لم تعن الكثير للاخير عندما تواجه الطرفان في نهائي 2009 وهو يأمل ان يجدد تفوقه التكتيكي على السير الاسكتلندي ليصبح على المسافة ذاتها منه بعدد الالقاب في المسابقة الاوروبية الام.

quot;الكثيرون فازوا بالالقاب لكن ان يتواجد هنا (في القمة) لهذه الفترة من الزمن فهذا يظهر بانه احد اكبر افضل المدربين في تاريخ كرة القدمquot;، هذا ما قاله غوارديولا عن فيرغوسون عشية الموقعة التي سيحتضنها ملعب quot;ويمبليquot; في لندن، مضيفا quot;فشخص متواجد هنا منذ 25 عاما (مع مانشستر)، وكان على القمة معظم الوقت، فهذا الامر يؤكد دون ادنى شك انه يعرف تماما هذه القصة (كيفية التعامل مع النهائي)quot;.

ويشدد غوارديولا دائما بانه لن يكون شيئا من دون لاعبيه، لكن المدرب البالغ من العمر 40 عاما يستحق فعلا ان يكون العنوان الابرز للنادي الكاتالوني في مشواره الى المجد خلال المواسم الثلاثة الاخيرة لان هذا الرجل ترك وبشكل لا ريب فيه لمسته على الفريق والارقام تتحدث عن نفسها: ثلاثة القاب في الدوري المحلي خلال ثلاثة مواسم كمدرب للفريق، اضافة الى القاب مسابقة دوري ابطال اوروبا والكأس المحلية وكأس العالم للاندية والكأس السوبر الاوروبية وكأس السوبر المحلية (مرتان).

ونجح بيبي في قيادة برشلونة الى لقب الدوري للمرة الثالثة على التوالي والحادية والعشرين في تاريخه، ليسير على خطى مدربه السابق ومكتشفه كلاعب الهولندي يوهان كرويف، المدرب الوحيد الذي قاد النادي الكاتالوني الى الفوز بلقب الدوري في ثلاث مناسبات على التوالي حين احرزه اربع مرات متتالية من 1991 حتى 1994 عندما كان غوارديولا لاعبا في الفريق.

دخل غوارديولا تاريخ القارة العجوز منذ موسمه الثاني كمدرب عندما رفع عام 2009 كأس دوري ابطال اوروبا للمرة الثانية في مسيرته بعد ان توج بلقب هذه المسابقة عام 1992 كلاعب، ليصبح سادس من يفوز باللقب كلاعب وكمدرب، كما اصبح ثالث لاعب يحقق هذا الانجاز مع نفس الفريق بعد الاسباني ميغيل مونوز (فاز كلاعب مع ريال مدريد عامي 1956 و1957 وكمدرب 1960 و1966)، والايطالي كارلو انشيلوتي (فاز مع ميلان كلاعب عامي 1989 و1990 وكمدرب عامي 2003 و2007).

من المؤكد ان علاقة غوارديولا الشاب بلاعبيه هو ما يميزه عن معظم المدربين الاخرين لان بامكانهم التواصل معهم على المستوى ذاته كونه علق حذائه الكروي قبل خمسة اعوام فقط، وهذا ما تحدث عنه مهاجم الفريق دافيد فيا قائلا: quot;انه مدرب قريب منا جدا، فلا يقتصر حديثه معنا على امور كرة القدم فحسب، بل يمكن ان يتحدث معنا ايضا في امور شخصية يمكن ان تؤثر في حياتنا اليومية. وذلك يساعد لاعب كرة القدم كثيرا على التركيز داخل الملعبquot;.

مشوار غوارديولا مع النادي الكاتالوني كان طويلا جدا بدأ عام 1983 الا ان التحول كان عام 1988 عندما استلم كرويف مهام الاشراف على الفريق ثم قام بزيارة غير معلنة لملعب quot;مينيquot; القريب من quot;كامب نوquot; حيث كان الفريق الرديف يلعب.

وخلال استراحة الشوطين دخل كرويف الى غرف الملابس وسأل مدرب الشباب كارليس ريكساش عن اسم الفتى الذي يلعب على الجهة اليمنى من خط الوسط، فأجابه الاخير: quot;غوارديولا - انه فتى جيدquot;، ثم طلب منه الهولندي ان ينقل هذا الفتى الى منتصف الملعب خلال الشوط الثاني عوضا عن الطرف الايمن، في مركز لاعب الارتكاز، اي المركز الذي كان غريبا على الكرة الاسبانية في تلك الفترة.

استجاب ريكساش لطلب كرويف ومن هنا كانت البداية نحو النجاح اذ تأقلم بيبي سريعا مع مركزه الجديد ما دفع الاسطورة الهولندي الى ترفيعه للفريق الاول حيث خاض مباراته عام 1990 ضد قادش مستفيدا من ايقاف غييرمو امور، لكنه لم يكن بحاجة الى ايقاف او اصابة اي لاعب في الموسم التالي لانه نجح في فرض نفسه اساسيا في عمر العشرين في طريقه لان يصبح من افضل لاعب الوسط في العالم وقد توج مشواره الكروي الرائع بستة القاب في الدوري المحلي، ولقبين في مسابقة الكأس المحلية واربعة في كأس السوبر المحلية، اضافة الى تتويجه بدوري ابطال اوروبا عام 1992 (اللقب الاول لبرشلونة في المسابقة) وكأس الكؤوس الاوروبية (1997) وكأس السوبر الاوروبية (1992 و1997) خلال 11 موسما مع الفريق الاول.

يقرر بيبي بعدها الانتقال الى ايطاليا ليلعب الى جانب روبرتو باجيو في بريشيا، ثم روما وبريشيا مجددا، حتى حل به الرحال في الاهلي القطري (2003 حتى 2005) ثم دورادوس المكسيكي الذي كان نهاية مشواره كلاعب.

عاد بيبي بعدها الى برشلونة ليشرف على الفريق الرديف ويقوده الى دوري الدرجة الثالثة، قبل ان يختاره الرئيس جوان لابورتا ليكون مدرب الفريق الاول خلفا للهولندي فرانك رايكارد اعتبارا من موسم 2008-2009.

وكان خيار لابورتا في مكانه لان غوارديولا نجح ورغم افتقاده الى الخبرة التدريبية المطلوبة في خلق تجانس مميز في صفوف الفريق، مستندا الى فلسفة هجومية سلسة تتناسب مع مواهب اللاعبين الذين قرر الاعتماد عليهم بعدما تخلص من الكاميروني صامويل ايتو والبرازيلي رونالدينيو والبرتغالي ديكو والايطالي جانلوكا زامبروتا.

لا يمكن تجاهل ما فعله غوارديولا مع الفريق الكاتالوني خصوصا عام 2009 عندما توج بسداسية تاريخية مع اسلوب لعب جعله مضرب مثل في الاداء الهجومي السلس والنتائج على حد سواء، وليس هناك افضل من لاعبيه للتحدث عنه وبينهم جيرار بيكيه الذي قال: quot;إنه مدرب يجعلك تفهم كرة القدم. فهو لا يعطيك الأوامر فحسب، بل يشرح لك سبب كل أمر منها، وذلك يجعلك لاعبا أفضل لأنك تعرف الأسباب الكامنة وراء التعليمات. إن هذا يجعل لكل شيء معنىquot;.

وتابع quot;يعجبني كثيرا أنه، حتى عندما لا يفوز الفريق أو عندما يتعرض للانتقادات، لا يتخلى عن أفكاره. إنه مدرب لا يعبأ كثيرا بما قد يثور من ضجيج حوله، وهو واثق جدا من نفسهquot;.

لكن اذا كان هناك من يعرف غوارديولا جيدا فان القائد كارليس بويول الذي قال بدوره: quot;لقد جاء (غوارديولا) في وقت عصيب. فبعد حقبة رائعة سابقة مررنا بسنتين في غاية الصعوبة، ثم بث هو الحياة في الفريق مرة اخرى. إنه يعرف فلسفة النادي تمام المعرفة، وكان مع اكاديمية الشباب، ولعب في برشلونة لسنوات طويلة، ثم ذهب الى الخارج حيث اكتسب مزيدا من المعرفة. وكل هذا ينعكس على ارض الميدانquot;.