عانت المنتخبات العربية المشاركة في نهائيات كاس أمم أفريقيا في الدورات الأخيرة قلة انضباط عدد من لاعبيها ، الذين يفضلون المصلحة الفردية على مصلحة المنتخب الجماعية ويقدمون على تصرفات طائشة قد تتسبب بهدم كل ما تم بناؤه ، وذلك من خلال التمرد على القرارات الفنية للمدربين.
الجزائر : وتتعلق أمور التمرد للاعبين أساسابرفض الجلوس على مقاعد البدلاء أو رفض التبديل أثناء مجريات المباراة ، و هي الظاهرة التي تفاقمت و تتكرر مع أحد المنتخبات العربية في كل دورة تقريبا خاصة مع المدرب المحلي .
فالبطولة الحالية المقامة في الغابون وغينيا الاستوائية شهدت عصيان اللاعب المخضرم للمنتخب التونسي عادل الشاذلي الذي رفض البقاء في الدكة و طالب مدربه سامي الطرابلسي بالمشاركة في التشكيل الأساسي الذي واجه منتخب النيجر في المباراة الثانية. فما كان على الاتحاد التونسي إلا اتخاذ قرار بإبعاده عن المنتخب و إعادته إلى تونس حفاظا على روح المجموعة.
التونسي عادل الشاذلي ليس الأخير في حلقات تمرد اللاعبين |
و لم تكن حالة الشاذلي هي الحالة العربية الأولى ، فالدورة الماضية التي احتضنتها انغولا قبل عامين، عرفت حالة مشابهة بطلها كان متوسط ميدان المنتخب الجزائري خالد لموشية الذي رفض البقاء احتياطيا في المواجهة الأولى ضد مالاوي بعدما علم أن مدرب الخضر آنذاك رابح سعدان لن يشركه في الثانية ضد مالي ثارت ثائرته و انفجر في وجه الشيخ الذي أوعز للاتحاد بترحيله من انغولا و برر لموشية موقفه بان الشيخ لم يحترمه و فضل عنه لاعبين اقل جاهزية و هو الذي شارك في جلّ المباريات التصفوية .
و لم تكن حالة لموشية هي الحالة الجزائرية الأولى في هذه البطولة، بل إن بعثة الخضر كانت دوما تشهد حالات تمرد مماثلة ، ففي العام 2000 في غانا و نيجيريا شق عدد من اللاعبين على غرار منير زغدود و عرفات مزوار و فيصل باجي عصا الطاعة في وجه المدرب ناصر سنجاق و طالبوه بإشراكهم في التشكيل الأساسي بعدما سئموا من الجلوس على مقاعد الاحتياط .
ثم تكرر السيناريو نفسه في أمم أفريقيا 2004 في تونس مع لاعب وسط نادي اجاكسيو وقتها عبد الناصر وضاح مع المدرب سعدان وتقرر إبعاده نهائيا من المنتخب الجزائري ، و حتى مع بعض الاحتياطيين الذين طالبوا باللعب لكنهم أصيبوا بخيبة كبيرة بعدما انهزموا أمام اضعف منافس وقتها في المجموعة وكادوا على أثرها أن يقصوا من البطولة .
و عاش المنتخب المغربي في نهائيات بوركينافاسو عام 1998 حالة من الخلافات بين لاعبيه خاصة القائد نور الدين النيبت و الثلاثي الحضريوي و البهجة و صابر انعكس على باقي أفراد المجموعة سلبا بعدما احدث تكتلات .
و تبقى ابرز حادثة في هذا الشأن هي تلك التي كان بطلها اللاعب احمد حسام ميدو مع المنتخب المصري في نهائيات أمم أفريقيا العام 2006 في مصر عندما رفض و بشدة الانصياع لقرار مدربه آنذاك حسن شحاتة تبديله بزميله عمرو زكي في مباراة الدور النصف النهائي ضد السنغال ، حيث دخل ميدو في مشادات كلامية مع المعلم متهما إياه بمعاملته معاملة غير محترمة من خلال تبديله في كل مباراة ، و رغم أن البديل زكي و مباشرة بعد دخوله سجل هدف الانتصار لمصر إلا أن ميدو لم يقتنع بقرار المعلم ، قبل أن يعتذر له عما بدر منه و جلس على مضض في مقاعد البدلاء لغاية نهاية الدورة.
و تبقى هذه مجرد أمثلة محدودة عن ظاهرة تمرد اللاعب العربي في هذا الاستحقاق القاري الهام ، فما خفي كان أعظم بكثير ، لان هناك حالات كثيرة و ربما اخطر بقيت حبيسة أروقة البعثة الرسمية ، و لم تتسرب تفاصيلها لوسائل الإعلام.
و تؤكدحالات التمرد هذه حقائق كثيرة لا ترتبط باللاعبين المعنيين بها فقط بل أيضا بالمشرفين على المنتخبات العربية من مدربين و قادة و رؤساء الاتحادات و البعثات وأساليبهم في معالجة مثل هذه المشاكل.
فظاهرة التمرد تعكس المستوى الأخلاقي والتربوي قبل الفني الذي يتمتع به اللاعب الذي يفتقر إلى الانضباط، فهو يخضع للمزاجية التي تجعله يقول في قرارة نفسه أنا و بعدي الطوفان ، فهو لا تهمه سوى مصلحته الشخصية من المشاركة في هذه البطولة ، و غير مبال إطلاقا بمنفعة منتخب بلاده ولا يدرك ان تصرفه قد يؤدي إلى إقصاء منتخبه المرشح للتتويج مبكرا ، كما أن التمرد يطرح النقاش حول مدى اندماج اللاعب في المجموعة وقدرته على التمييز بين دور كل فرد من موقعه. فاللاعب بإمكانه أن يفيد فريقه حتى وهو على دكة الاحتياط، لكن اللاعب العربي يرى ان عدم وجوده داخل المستطيل الأخضر لا يفيد في شيء و الأفضل له المغادرة، و بالتالي فهو لا يؤمن لا بالاعطاب ولا بالإيقاف ولا بتفاوت الجاهزية أو خطة المدرب، و يفضل دوما تغليب الذاتية لأنه غير قادر أصلا على الانصهار داخل الفريق.
وكان يمكن التغاضي عن هذا الموضوع لو انه اقتصر على فئة معينة من اللاعبين، لكن الظاهرة شملت كل الفئات اليافعين والمخضرمين ، المحترفين والمحليين ، المصنفين في خانة النجوم والمغمورين ، لذلك يذهب الكثير إلى التشكيك في وطنية هؤلاء المتمردين ، الذين تجدهم يقللون من أهمية الانجاز الذي تحقق في غيابهم بل ربما يتمنون الهزيمة لبلادهم ، خاصة أولئك الذين لا يكتفون برفض قرارات المدرب بل يعمدون إلى إثارة القلاقل وسط زملائهم من خلال تحريضهم، و من خلال الإدلاء بتصريحات نارية للإعلام تفاقم المشكلة و تجعل من الصعب معالجتها.
كما أن تكرار حالة التمرد من قبل اللاعب نفسه، يؤكد أنه غير قابل للنضج ولا يستفيد من الخبرة التي يفترض أن يكتسبها مع تقدمه في السن.كما أن تكرار هذا العصيان يطرح علامات استفهام كثيرة حول التعامل معه عند حدوثه من قبل المخولين بذلك، ونقصد هنا المدرب والقائد ورئيس البعثة ثم الاتحاد ، فالاتحادات العربية مثل أنظمتها السياسية لا تجيد سوى الترحيل القصري وتتعامل مع اللاعب المتمرد مثل السياسي المعارض.أما معالجة الموقف بحكمة و دون الإضرار بمصلحة أي طرف، فهو مستوى لم تصله و قد لا تصله أبدا ، وتكرار حالات التمرد يؤكد ان الردع غائب لان الحالات تختلف، وإذا كان بعضها يتطلب ليونة فالبعض الآخر يستلزم الضرب بيد من حديد. فالاتحادات العربية في الغالب تقوم بإيقاف المتمرد فترة قصيرة ثم لا تتأخر في العفو عنه بحجة و بأخرى ، فميدو عاد ليلعب مع المنتخب المصري تحت قيادة المدرب نفسه، والأمر نفسه حدث مع خالد لموشية وقد يحدث مع الشاذلي ، خاصة أن الإستراتيجية التي تتبعها جل الاتحادات العربية و القائمة على تغيير مدرب المنتخب عقب كل بطولة تساعد على تناسي مثل هذه الظواهر السيئة، بل يمكن القول إن بعض الاتحادات تشجع مثل هذه التصرفات بتساهلها المفرط و تسترها على أصحابها كما فعل الاتحاد الجزائري مع لموشية، حيث برر مغادرته للبعثة بمرض أحد أفراد عائلته لتفادي التأثير على مسيرته الكروية ، في وقت يفترض أن يتم فضح المتمرد وردعه حتى يكون عبرة لبقية اللاعبين.
و لا يمكن أن نغفل عن حقيقة أخرى من الحقائق المؤلمة، وتتعلق بالمدرب و طريقة تسييره المجموعة أثناء البطولة و طريقة اختياره للتشكيل الأساسي.إذ يفترض أن يعتمد على معايير فنية واضحة تجعل من السهل على أي لاعب معرفة مكانته في البطولة ، لكن الجميع يدرك جيدا ان المعيار الفني ليس هو الفاصل في الاختيارات التكتيكية، فهناك المجاملة و هناك إجحاف وهناك تدخل جهات أخرى في تحديد التشكيلة، فضلا عن انتهاج بعض المدربين سياسة الكيل بمكيالين تجاه اللاعبين ، أمور يعلمها جيدا اللاعب الذي يشعر بالغبن وعندما تحترق أعصابه يلجأ إلى تفجير كبته بالطريقة الأسهل في ظل غياب لغة التواصل مع طاقمه الفني الذي يركز فقط على من يلعب و يتناسى البقية، في وقت يفترض في مثل هذه التجمعات الرسمية على أي مدرب استدعاء لاعبين يحققون مع بعضهم البعض و معه هو الحد الأدنى من التلاحم والتناسق. فالمدرب التونسي الطرابلسي كان بإمكانه تفادي حادثة الشاذلي بعدم إدراجه أصلا في لائحة ال23 لاعبا بعدما تمرد عليه في مباراة ودية باسبانيا فلماذا يستدعيه ولا يشركه بعد الذي بدر منه أم انه نوع من العقاب في حق اللاعب؟.
و كان بإمكان أي مدرب لمنتخب عربي الاستفادة مثلا من تجربة الخبير الفني ايمي جاكي الذي ابعد الثلاثيالمتألق بابان و جينيولا وكانتونا من صفوف المنتخب الفرنسي في كأس العالم 1998 ليس لتواضع مستواهم و لكنه كان يخشى تمردهم و لم ينصع وقتها لرغبات الصحافة المحلية. وتزداد حدة الإشكال عندما يغيب قائد حقيقي للمجموعة قادر على احتواء غضب زملائه قبل انفجارهم تحت تأثير الضغوط المتعددة المصادر.
و تترجم تكرار حالات التمرد إهمال الأطقم الفنية العربية للإعداد النفسي للاعبين لتجهيزهم ولجعلهم قادرين على مواجهة أي ضغط من أي نوع كان خدمة للاعب و للفريق ككل.فالمختص في الإعداد النفسي أصبح تواجده ضروريا في كرة القدم الحديثة لتحضير اللاعب لخوض المباراة في أي ظرف و إخراجه من حالة الإحباط و تفادي فقدانه للأعصاب، معطيات لا تزال المنتخبات و حتى الأندية العربية تعتبرها ثانوية رغم انعكاساتها السلبية الكثيرة على نتائجها في مختلف الاستحقاقات الرسمية.
و لا يمكن إغفال دور الإعلام ، حيث تجد بعض الصحف و دون استحياء السباقة إلى فضح حالات التمرد و تضخيمها طولا و عرضا ثم لا تلبث أن تطالب بالعفو عن مرتكبيها بحجة المصلحة الوطنية العليا التي داس عليها.
التعليقات