عرف الدوري التونسي في نسخته الأخيرة نهاية هيتشكوكية شغلت كل المتابعين للشأن الرياضي في تونس حيث لم يكن من السهل على الاتحاد التونسي للعبة الوصول بالدوري إلى برّ الأمان في ظل الانتقادات الكبيرة والتهم التي رافقت سير الدوري حتى الدقائق الأخيرة من عمر السباق المحلّي والذي انحصر فيه رهان التتويج بين النادي الإفريقي والنجم الساحلي قبل أن يفلح الإفريقي التونسي في الظفر باللقب الذي غاب عن خزائنه منذ أكثر من 8 سنوات...
&
نهاية الدوري لم تكن طبيعية لعدة اعتبارات قد تكون في غالبيتها بعيدة كل البعد عن الجوانب الرياضية بما أن الحديث في الشارع الرياضي لم يتعلّق أساسا بحوار الأقدام بل بلعبة الكواليس وما قيل عن تحويل وجهة للقب أسار الكثير من الحبر حيث اتهمت جماهير النجم الساحلي الاتحاد التونسي لكرة القدم بالتواطئ مع فريق العاصمة النادي الإفريقي من أجل تسهيل حصوله على اللقب... تهم زادت حدتها وتصاعدت وتيرتها مع بلوغنا الأمتار الأخيرة من عمر السباق حيث بات التراشق بالتهم بين إدارة النجم الساحلي وأعضاء الاتحاد بشكل علني ممّا دفع فريق النجم الى مطالبة الاتحاد بالاستقالة بعد وصفه لهذا الهيكل بمنظومة الفساد وهو النهج الذي سار عليه فريق العاصمة الثاني الترجي التونسي الذي دخل هو الآخر في صراع مع الاتحاد التونسي خاصة بعد خسارته لدربي العاصمة ضدّ النادي الإفريقي وفتح النار على التحكيم الذي لاقى نصيب من الأسد من الانتقادات وسط حديث عن فساد و رشاوى ومؤامرات...
&
إسدال الستار عن الدوري لم تمنع عديد الأصوات من مواصلة المطالبة باستقالة الاتحاد التونسي للعبة وعقد جلسة انتخابية استثنائية في أقرب الآجال لكن الاتحاد برئاسة الدكتور وديع الجريء الرجل الأقوى في المشهد الكروي في تونس في السنوات الأربع الأخيرة كان له رأي مغاير، حيث أًصدر الاتحاد بيانًا أكّد فيه تمسكه بالشرعية والبقاء&على رأس الهيكل الرياضي الأول في تونس إلى حين انتهاء مدته النيابية.
&
"إيلاف" حاولت رصد انطباعات مختلف الأطراف المتداخلة في هذه الحرب الباردة وأعدّت لكم التقرير التالي.
&
منظومة فساد
&
أكّد حسين جنيّح المدير التنفيذي للنجم الرياضي الساحلي أنّ فريقه تعرّض الى مظلمة رياضية كبيرة تعدّ سابقة خطيرة في تاريخ كرة القدم التونسية حيث اعتبر ان فريقه سرق وان لقب الدوري تمّ تحويل وجهته عمدا خدمة لمصالح شخصية ضيقة، مضيفاً ان رئيس الاتحاد التونسي وديع الجريء عمل كلّ ما في وسعه لحرمان النجم من التتويج بلقب مستحق بشهادة كل المتابعين والفنيين، ويرى جنيح "ابن" الرئيس السابق لفريق جوهرة الساحل عثمان جنيّح أن نفوذ رئيس الإفريقي سليم الرياحي ماديا وسياسيا لعبت دورا كبيرا في تحديد هويّة البطل مشدّدا على أن اتحاد اللعبة بات بيدقا طيّعا تحرّكه بعض الأيادي في إطار تواصل منظومة الفساد التي تعشّش في المشهد الرياضي منذ سنوات خلت وجدّد المدير التنفيذي للنجم دعوته لاستقالة الاتحاد بعد أن انكشف تواطؤه في "سرقة" اللقب في الموسم الفارط موضحا أنّ إدارة النجم لا تعترف مطلقا بهذا الهيكل الرياضي الذي لا يشرّف كرة القدم التونسية التي تراجعت سنوات ضوئية إلى الخلف منذ وصول مكتب وديع الجريء إلى صدارة الأحداث.
&
عناوين الفشل
&
موقف النجم الرياضي الساحلي لم يختلف كثيرا عن موقف شيخ الأندية التونسية ونعني الترجي التونسي الذي خرج من سباق المنافسة على اللقب 3 جولات قبل انتهاء السباق بعد هزيمته ضدّ البطل في دربي العاصمة...هزيمة فتحت العنان لحرب جديدة بين مسؤولي الترجي وعلى رأسهم اللاعب السابق ورئيس القطب الرياضي لكرة القدم بالفريق زياد التلمساني وبين ممثلي الاتحاد. التلمساني اعتبر أن رئيس الاتحاد التونسي لكرة القدم وديع الجريء هو المتسبب الأوّل في خراب الكرة التونسية وفي توتّر المناخ الرياضي العام مضيفا أنّ الاتحاد عنوان فشل بالبنت العريض ولا يصلح أن يكون في دولة قامت فيها ثورة للقطع مع رموز الفساد. وأوضح رئيس القطب الرياضي بالترجي أنّ الاتحاد يخدم أجندة معينّة بعيدة كل البعد عن المواثيق الرياضية مجددا دعوته لإسقاط هذا الهيكل الذي عرف فيه المنتخب التونسي والأندية التونسية على حدّ السواء فشلاً ذريعًا على كل الواجهات.
&
وفي ختام حديثه أوضح التلمساني أن الظرف الراهن يقتضي فسح المجال للاعبين القدامي والذين لهم تاريخ حافل في الميادين للمسك بزمام الأمور وسدّ الطريق أمام الدخلاء والمتمعّشين الذين لا علاقة لهم بالكرة.
&
صراع على الكراسي
&
بطل الدوري التونسي النادي الإفريقي لم يسلم هو الآخر من سهام النقد ورغم أنّ الأمر اقتصر على مجرّد التلميح من خلال بعض الايحاءات إلاّ أن الحديث عن "صفقة مشبوهة" بطلها الاتحاد وضع النادي الإفريقي في مربّع الشكّ بما أنه ظاهريا المستفيد الأوّل من شبهة الفساد المزعوم خاصة وأنّ البعض يتحدّث عن توطئ علني من الحكام لتسهيل مهمة فريق الشعب كما يطلق عليه في تونس للوصول إلى اللقب.
&
عماد الرياحي عضو مجلس إدارة الإفريقي التونسي أكّد أن التهم التي تلاحق فريق مردودة على أصحابها وأن فريقه يستحق عن جدارة لقب البطل لأنه يملك كل مقومات الأبطال بفضل الزاد المادي والبشري الذي يملكه الفريق مضيفا أن الحرب الباردة بين الإتحاد التونسي للعبة وبعض الفرق الأخرى لا علاقة برهان اللقب بل هو مجرّد صراع على الكراسي وتمهيد لحملة انتخابية مرتقبة انطلقت قبل أوانها وعنوانها الوصول إلى رئاسة الاتّحاد والأمر لا يشغل فريقه ولا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد وكل ما يروج مجرّد مساحيق مغلوطة لتبرير الفشل.
&
تمسّك بالشرعية
&
على الطرف المقابل يقف الاتحاد التونسي ثابتا رغم الهزّات وتتالي الإخفاقات وسنده في ذلك غطاء الشرعية حيث يرى رئيس الاتحاد التونسي وديع الجريء أنّ الحملة التي تلاحق هيكله منذ سنتين تقودها بعضة الأطراف الطامحة للوصول إلى رئاسة الاتحاد وكل ما يروج حول تهم فاسد ومزاعم تواطئ لا أساس لها من الصحة بدليل أنّ ثلاثة فرق مختلفة توجت بلقب الدوري في السنوات الثلاثة التي ميّزت مدته النيابية معتبرا أنّ تونس هي الدولة الوحيد تقريبا التي استمر فيه النشاط الرياضي مقارنة ببقية الدول الأخرى التي عاشت ثورات "ما سميّ بالربيع العربي" حيث توقّف الدوري في كل من مصر وليبيا وسوريا في حين تواصل النشاط في تونس بشكل عادي وهذا في حدّ ذاته إنجاز.
&
واعتبر رئيس الاتحاد الدعوة للاستقالة امتدادا لحملات التشويه التي تلاحق الاتحاد التونسي لكرة القدم بعد أن فشل منتقدوه في الإطاحة به من وراء الكواليس مشدّدا على أن الاتحاد يواصل مهامه إلى حين انتهاء مدته النيابية وقد يقدم على خوض الانتخابات القادمة من جديد في صورة اقتناعه بجدوى بقاءه على رأس الاتحاد.
&
جدير بالذكر أنّ الاتحاد التونسي لكرة القدم وصل إلى سدّة التسيير الرياضي في مارس 2012 وتنتهي مدته النيابية في مارس 2016 وقد طالب 27 ناديًا من جملة 270 نادياً ينشط في مختلف الأقسام بعقد جلسة انتخابية استعجالية وهو ما رفضه الاتحاد بما أنّ نسبة المعارضين لم تتعدَّ 10 في المائة والحال أن القانون المنظّم للعبة ينصّ على أنّ سحب الثقة من الاتحاد يفترض وجوبا مطالبة ثلثي النوادي المنضوية تحت لواء الاتحاد بسحب الثقة منه، وهذا ما لم يحصل لذلك سيبقى الحال كما هو عليه حرب باردة لا يعرف متى ستنتهي بين جبهة رفض تعمل في السرّ والعلن وبين اتحاد يتمسّك جهرًا بعباءة الشرعيّة .
&