إتضح ان الجينات تلعب دورًا كبيرًا في التأثير على البدانة والشيخوخة.

أشرف أبوجلالة من القاهرة: بعد نجاح مجموعة من الباحثين الدوليين قبل عشرة أعوام في إكمال المسودة الأولى للجينوم البشري، ومن ثم توضيح الدور المعقد للجينات في صحة الإنسان، أظهرت ثلاث دراسات بحثية حديثة كيف يمكن لأحد الجينات المرتبطة بالبدانة أن تكون ذات صلة أيضًا بخطر التدهور العقلي، وكيف يمكن لجين آخر أن يؤثر في الذاكرة والتفكير لدى كبار السن، والقيام كذلك بتحديد الجزء الموجود في الجينوم البشري الذي يتأثر بحمية البحر الأبيض المتوسط الصحية، أو بشكل أكثر تحديدًا بزيت الزيتون البكر.

وبعد لفتها الانتباه في هذا السياق إلى ذلك التصريح الشهير الذي أدلى به الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، عقب نشر مسودة الجينوم البشري، والذي قال فيه :quot; نتعلم اليوم اللغة التي خلق بها الله الحياةquot;، تؤكد صحيفة quot;الاندبندنتquot; البريطانية أن العلماء احتاجوا لثلاثة أعوام أخرى، كي يتمكنوا أخيرًا من استكمال quot;كتاب الحياةquot; بأكمله، ذلك الذي أطلق عليه في وقت لاحق الجينوم البشري. واتضح بعد ذلك بفترة قصيرة أنه وباعتباره أداة بحثية فاعلة، فإنه سيقوم بإطلاق أفكار لا حصر لها في عمل الجسم البشري، وكذلك علاقاتنا بالعالم الحي الأوسع في النطاق.
ثم تشير الصحيفة إلى أن الجينوم يحتوي على الوصفة الرقمية الكاملة لخلق كائن حي. ويتألف من ثلاثة مليارات حرف فردي من الأبجدية الجينية، تُرَتب في تسلسل فريد بالنسبة إلى كل فرد، يكون مشتملا ً على ما يقرب من 23 ألف جين بشري تحدد إنتاج بروتينات، وخلايا، وأنسجة الجسم. وفي الوقت الذي يتجادل فيه المعنيون بالعلوم البيولوجية على مدار عقود حول فكرة quot; الطبيعة مقابل التغذيةquot;، تتساءل الصحيفة في هذا الجانب بقولها quot;هل البيئة والتربية هما من يمتلكان التأثير الأهم الذي يحدد صحة الفرد وبنيته النفسية، أم أن ذلك الأمر يكمن في الجينات التي يقوم الأفراد بتوارثها ؟ quot;.

وقد تبين أن كلا الأمرين مهمان، لكن اتضح بشكل أكثر إثارة للاهتمام، أن تأثير البيئة على الجينات هو الذي يلعب دورًا حاسمًا على ما يبدو في الطريقة التي ينمو من خلالها الأشخاص. وقد أظهر الجينوم البشري كيف يمكن لمجموعة متباينة من الجينات الفردية أن تجتمع معًا، جنبًا إلى جنب مع تأثيرات بيئية، للتأثير على سلامة الفرد البدنية والعقلية. وإذا ما تم النظر إلى تأثير النظام الغذائي على الحالة الصحية، يتضح أن هناك أدلة قوية تشير إلى أن حمية البحر المتوسط تقلل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب، والسكتات الدماغية، وكذلك الزهايمر. بيد أن دراسة بحثية حديثة قام بإجرائها باحث يدعى فرانشيسكو بيريز خيمينيز، من جامعة قرطبة في اسبانيا، أظهرت كيف يمكن لزيت الزيتون البكر أن يؤثر في واقع الأمر في بعض الجينات التي تلعب دورًا في حدوث العمليات الالتهابية للجهاز المناعي.

ومن خلال الدراسة التي أجراها البروفيسور بيريز خيمينيز على 20 مريضًا يعانون من متلازمة التمثيل الغذائي، التي ترتبط بأمراض القلب وداء البول السكري من النوع الثاني، وأطعمهم على مدار ستة أسابيع بنوعين من وجبات الإفطار، ( أحدهما بزيت الزيتون البكر الغني في المواد التي يُطلق عليها فينول، والأخرى بزيت الزيتون منخفض الفينول ). ومع بدء تكشف التجربة، اختبر العلماء النشاط الخاص بجينات المتطوعين، ووجدوا أن هناك ثمة علاقة واضحة بين زيت الزيتون البكر وكبت الجينات الالتهابية.

وتنقل الصحيفة في تلك الجزئية عن بيريز خيمينيز، قوله :quot; ما توصلنا إليه من نتائج يشير إلى أن الحمية يمكنها تبديل نشاط الجهاز المناعي إلى شكل التهابي أقل ضررًا، مثلما شاهدنا في متلازمة التمثيل الغذائي. وتقوم تلك النتائج بتعزيز العلاقة القائمة بين الالتهابات، والبدانة، والحمية، وتُقدِّم أدلة على أبسط مستويات الآثار الصحية التي تُستَمَد من استهلاك زيت الزيتون البكر لدى البشرquot;. وهنا، تعاود الصحيفة لتقول إن الصحة البدنية ليست الوحيدة التي تستفيد من فهم الجينوم البشري. حيث تساعد مجموعة من الدراسات التي يتم إجراؤها على الجينات المسؤولة عن نمو الدماغ ووظائفه على إحداث ثورة في فهمنا للمعرفة البشرية والصحة النفسية.

فيما أجرت باحثة تدعى ألكسندرا فيوكو، من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو في الولايات المتحدة، دراسة بحثية أخرى على 3000 شخص تتراوح أعمارهم ما بين 70 و 79 عامًا، ويخضعون بانتظام لاختبارات متعلقة بالأداء العقلي، خصوصًا الذاكرة والتركيز. بينما لفتت الصحيفة إلى أن أحماضهم النووية قد جرى اختبارها، لرؤية أي المتغيرين الجينيين لجين يُطلق عليه COMT، يحمله المتطوعون. وقد أظهرت تلك الدراسة أن كبار السن الذين يمتلكون نسخة تعرف بـ Val من جين COMT، يكونون محميين بصورة أفضل على ما يبدو من خطر تراجع القدرات العقلية مع تقدمهم في السن، مقارنة بالأشخاص الذين يحملون النسخة Met من الجين نفسه.

وفي هذا الإطار، تنقل الصحيفة عن فيوكو، قولها :quot; تلك هي أول دراسة تقوم بتحديد علاقة وقائية بين هذا المتغير الجيني والوظيفة الإدراكية. وقد جاء هذا الاستنتاج مثيرًا للاهتمام، حيث اتضح أن النسخة Val من الجين COMT لدى صغار السن، تحظى بتأثير ضار. لكن في دراستنا التي أجريت على كبار السن، كان العكس صحيحا ً. وربما يُقَدِّم العثور على صلات بين هذا الجين، ومتغيريه، والوظيفة الإدراكية، يد العون إلى العلماء ليتمكنوا من إيجاد طرق علاجية جديدة تمنع التراجع الإدراكيquot;.

في حين قامت الدراسة الثالثة، التي ألقت الصحيفة الضوء عليها، بفحص مائتي فرد مسن سليم، تم مسح أدمغتهم ضوئيًا كجزء من بحث متعلق بمرض الزهايمر. وإضافة ً إلى قيامهم بقياس أدمغتهم، قام الباحثون كذلك بتحليل حامضهم النووي، وبخاصة ذلك الجين المعروف بأنه يلعب دورا ً في الإصابة بالسِمنة، ويُعرَف اختصارا ً بجين quot;FTOquot;. وقد خلص الباحثون من وراء تلك الدراسة إلى وجود علاقة واضحة بين صغر حجم الدماغ، أو الضمور، وبين نسخة معينة من جين quot;FTOquot;. ومن المعروف بالفعل أن السمنة تعد من العوامل التي قد تؤدي إلى خطر الإصابة بتراجع القدرات العقلية لدى كبار السن، وكان ترتبط في السابق أيضاً باختلافات يمكن الكشف عنها في حجم الدماغ لدى الأشخاص الذين يمتلكون أوزاناً زائدة.

ورغم عدم تمكن الباحثين، بقيادة بول طومبسون من جامعة كاليفورنيا بلوس أنغليس، من تحديد الآلية التي تُسَبِب ضمور الدماغ، أو الطريقة التي قد يؤثر من خلالها جين quot;FTOquot; في تلك العملية، إلا أنهم يعتقدون أن هناك أدلة كافية تشير إلى أن المتغير الخاص بجين quot;FTOquot; يساهم في تدهور الدماغ بعيدا ً عن التأثير البسيط لوزن جسم الفرد. ومن جانبه، أوضح البروفيسور مارك مكارثي، من جامعة أكسفورد، بقوله :quot; ورغم أننا لم نتفهم بصورة تامة حتى الآن الدور الذي يلعبه جين quot;FTOquot; في احتمالات الإصابة بالسمنة، تعتبر استنتاجاتنا مصدراً كبيرا ً للإثارة. وبتحديد هذا الارتباط الجيني، ينبغي أن تكون هناك إمكانية لتحسين درجة فهمنا للأسباب التي تقف وراء زيادة وزن بعض الناس، مع كل الآثار المرتبطة مثل تزايد خطر الإصابة بالسكري وأمراض القلبquot;. وفي الختام، تقول نورا فولكو، مدير المعهد الوطني للإدمان على الأدوية في واشنطن، إن الدراسة تشير إلى تمكن العلماء للمرة الأولى من تحديد الجينات التي يكون لها دور في القدرة على الإقلاع عن التدخين.