تعمل رافعات عملاقة وحفارات في الجانب المصري من الحدود مع قطاع غزة وكانها في سباق مع الوقت لاقامة جدار فولاذي يزيد من خشية الفلسطينيين المحاصرين داخل القطاع من تدمير مئات الانفاق التي تشكل متنفسا لهم.

رفح: من الجهة الفلسطينية للحدود، يتابع فلسطينيون في رفح عشرات العمال المصريين يعملون تحت حراسة جنود ترافقهم عدة مدرعات وناقلات جند على تثبيت جسور فولاذية يتم لحمها في نقاط مختلفة من الحدود الممتدة على حوالي 12 كيلومترا. ويتم دق الجسور التي يزيد طولها عن عشرين مترا وعرضها اقل من متر في الارض لاقامة جدار فولاذي على بعد حوالى خمسين مترا من جدار اسمنتي ارتفاعه اكثر من مترين واسلاك شائكة تشكل علامة حدودية بين الجانبين. وتنقل شاحنات جسور الحديد ذات الثقوب من داخل مصر الى الحدود والهدف منها اختراق وسد الانفاق المنتشرة على طول الشريط الحدودي والمستخدمة لتهريب المواد الغذائية والوقود والادوات الكهربائية والصحية واحيانا الاسمنت، وكلها غير متوفرة في القطاع الذي شددت اسرائيل الحصار عليه بعد سيطرة حماس على مؤسساته منتصف 2007.

وفي الجهة الفلسطينية يرقب رجال امن في حكومة حماس سير العمل من خلف الحدود دون اي تدخل. ويقول ضابط امن يقف بجانب موقعه quot;نرى الحفارات تحفر وتضع جسورا وقضبانا فولاذية بعمق الارض لمنع الانفاق. لا نعرف هل سيستمرون على طول كل الحدود .. هذا بحاجة لوقت كبير واموال طائلةquot;. لكنه يستدرك قائلا quot;هذا شان مصري ولا نتدخل به..ننفذ تعليمات قيادتنا لحماية الحدودquot;. واطلق مسلح فلسطيني مجهول الاسبوع الماضي النار واصاب الية حفر دون رد من الجنود المصريين الذين يقومون بالحراسة، كما افاد شهود عيان.

ويعبر ابو العبد (35 عاما) وهو صاحب نفق عن توجسه من الجدار الفولاذي وقلقه على مصير نفقه الذي يقول انه يعيل عائلتين. ويقول ابو العبد quot;للاسف هذا الجدار سيدمر الانفاق ويخنق غزة بدعم من اسرائيل وامريكا لتضييق الحصارquot;. ويقول انه شاهد العمال يضعون quot;مواسير طويلة فيها ثقوب تدق بالارض وتؤدي المياه التي تتسرب من ثقوبها الى انهيارات في الانفاق ثم يضعون جسورا حديدية لاقامة الجدار الحديديquot;. ويقول quot;والله لا نريد الانفاق لكنها الحل والمخرج الوحيد لاستمرار الحياة في غزةquot;. ويتساءل شرف ابو شمالة وهو صاحب محل للملابس يتسلم بضاعته عبر الانفاق quot;هل هدف الجدار اغلاق الانفاق؟ اذا حصل هذا لن يبقى متنفس لغزةquot;، لكنه يستدرك quot;لا اعتقد ان مصر التي استشهد منها مئات من اجل فلسطين تريد خنقناquot;.

ويعتقد هاني ابو بكرة وهو صاحب محل لبيع الادوات الكهربائية المهربة ان الجدار quot;سيؤثر علينا كتجار وبعد اشهر لن تجد بضاعة، لهذا نطالب مصر بالضغط على اسرائيل لفتح المعابر وعودة الحياة لغزةquot;. ولا يؤيد محمود (27 عاما) وهو صاحب محل لبيع الحلويات ورقائق البطاطس المهربة من مصر فكرة الانفاق، لكن الشاب الذي يرتدي كوفية يقول انه quot;لو لم توجد الانفاق لاضطر الاسرائيليون والعالم لايجاد حل لنا بفتح المعابرquot;. ويشدد على ان الجدار الفولاذي quot;سيزيد معاناة الناسquot;.

وتقيم الحكومة المقالة جدارا رمليا بطول مترين تقريبا على بعد سبعين مترا من الحدود مع مصر لمنع عبور المركبات المدنية وفقا لضابط في الامن الوطني في الحكومة المقالة طلب عدم ذكر اسمه. ويضيف الضابط الذي كان يتابع طائرة استطلاع اسرائيلية وهي تختفي وراء الغيوم quot;باستثناء افراد الشرطة والامن المعنيين، نمنع الشاحنات والسيارات بكل انواعها من الاقتراب من الحدود لحماية حدودنا ومنع اي شيئ مخالف للقانونquot;.

وبجانب الجدار الاسمنتي وطوله اكثر من مترين يمكن ملاحظة حفرة صغيرة بعمق متر محاطة ببعض اكياس من الرمل يستخدمها عناصر الحراسة الامنية في الجهة الفلسطينية للاحتماء اثناء القصف الاسرائيلي المتكرر للانفاق. وعبرت حركة حماس عن رفضها اقامة الجدار الفولاذي في الجانب المصري.

وقال فتحي حماد وزير الداخلية في الحكومة المقالة والقيادي في حماس quot;ان كانوا يبنون جدارا فولاذيا اعتقادا منهم ان ارادتنا ستنكسر، نقول لهم اننا صامدون وماضون في طريقنا ولن نلين ونستكينquot;. واوضح ان quot;المقاومة الفلسطينية استطاعت القفز عن الحصار وتصنع اسلحتها بنفسها وتتفوق على الاحتلال الاسرائيلي ولن يقف الجدار عائقا امام المقاومة والحكومة والشعبquot;.

وتتهم اسرائيل حماس بتهريب اسلحة عبر الانفاق لتقوية وضعها العسكري في غزة. ومع ارتفاع صوت المؤذن معلنا موعد صلاة الظهر في المنطقة الغربية الواقعة بين مسجدين داخل الحدود المصرية، يتوقف بعض العمال المصريين عن العمل. هنا تعمل الاليات يوميا منذ الصباح الباكر وحتى قبيل غروب الشمس. وتوقف العديد من الانفاق في هذه المنطقة الرملية عن العمل باستثناء انفاق قليلة لتهريب الوقود. ويقول ابو سمير ان quot;هذه المنطقة الرملية رخوة تنهار الانفاق فيها مع اي اهتزاز في الارض بسرعة ويمكن ان تؤدي الى قتل كل من بداخلهاquot;.

وكانت انتهت للتو شاحنة صهريج من نقل السولار (المازوت) من خزان ارضي بجانب مدخل النفق المغطى بخيمة صغيرة. ويقول ابو عنتر وهو ايضا صاحب نفق للوقود وقد انهار جزئيا بسبب الجدار quot;انهار النفق في هذه المنطقة الرملية، الا يكفي الحصار والاغلاقquot; ويستدرك قائلا quot;مصر لن تخنق غزة، نرجو ان يكون الجدار مسالة اعلامية لان اقامته على كل الحدود مهمة مستحيلةquot;. ويؤكد عثمان وهو صاحب نفق للبضائع quot;لو حولوا الحدود لبحر من المياه لن يمنعوا الانفاق. اغلاق الانفاق يعني موت غزةquot;.