فلسطيني يمشي قرب نفق تهريب مدمر في غارة جوية اسرائيلية بالقرب من الحدود بين مصر وجنوب قطاع غزة 24 نوفمبر 2009.

أثارت التقارير التي تحدّثت عن قيام مصر ببناء جدار على طول حدودها مع قطاع غزة عدة تكهنات حول هدف القاهرة منه. ويبدو الهدف الأوّل من الجدار وقف التهريب عبر الأنفاق الممتدة تحت الحدود، وفي المقابل هناك رأي آخر يرى ان بناء الجدار هو إستجابة لضغوط أميركية وإسرائيلية على مصر. ولم تؤكد القاهرة بشكل رسمي هذا المشروع. يذكر أن الولايات المتحدة قد هدّدت في الماضي بحجب 200 مليون دولار من المساعدات العسكريّة لمصر بسبب quot;القلق بشأن تهريب الأسلحة عبر الأنفاقquot;.

محمد حميدة من القاهرة: غذت التقارير التي أفادت قيام مصر ببناء جدار صلب تحت الأرض على طول حدودها مع قطاع غزة، الذي تديره حماس، تكهنات محلية وغربية حول الأسباب التي تدفع القاهرة لإنجاز هذا المشروع، وخاصة مع زعم الصحف البريطانية بأن الجدار يجري بناؤه بمساعدة من سلاح الهندسة التابع للجيش الأميركي.

وعلى الرغم من أنّ الهدف الواضح من بناء هذا الجدار هو محاولة وقف تجارة التهريب المزدهرة التي تنفذ عبر شبكة كبيرة من الإنفاق تحت الحدود، والتي يتم استخدامها لنقل كل شيء من مواد غذائية وبنزين وأسلحة لسكان غزة، إلا ان المحللين لهم رأي آخر حول أهداف القاهرة من وراء هذا الجدار.

ويرى محللون مصريون وأجانب أن الجدار جاء استجابة الى ضغوط أميركية وإسرائيلية على مصر لوقف عمليات التهريب، مشيرين في الوقت نفسهان القاهرة، والتي لم تؤكد بشكل رسمي حتى الآن هذا المشروع، تهدف من وراء ذلك الى تأكيد شرعية دورها في المنطقة كلاعب اساسي في مفاوضات السلام في وقت بدأت أميركا تدرك تراجع هذا الدور، وتوصيل رسالة الى حماس بان quot;هناك عواقب لعدم تعاونها مع مصرquot; خلال محادثات المصالحة الفلسطينية التي فشلت في إطار الوساطة المصرية.

هل الجدار جاء إستجابة لضغوط؟

وكان عدد من السكان على جانبي معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة قد ذكروا أنهم شاهدوا حفارات عملاقة وعمال بناء على طول الجانب المصري من الحدود، مما أثار موجة من التقارير المتناقضة في الأسبوع الماضي. ونشر موقعquot; بي بي سيquot; خريطة للمشروع، وذكر أن الجدار سيمتد لمسافة ستة الى سبعة أميال بعمق 60 قدمًا تحت الأرض، في حين قال آخرون ان عمق الجدار يصل إلى 100 قدم. ونقل الموقع عن مصادر لم يسمِّها إن الجدار مصنوع من الصلب المحصن ضد القنابل ومن المستحيل قطعه او تذويبه او اختراقه.

وأعرب بعض المحللين أن الجدار جاء استجابة لضغوط من الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتين تعتبران حركة حماس منظمة إرهابية، لوقف التهريب على طول الحدود. وكانت الولايات المتحدة قد هددت في الماضي بحجب 200 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر بسبب quot;القلق بشأن تهريب الأسلحة عبر الأنفاقquot;، مما أثار غضب القاهرة، وتم التوصل لحل وسط في مطلع عام 2008 بتخصص الكونغرس 23 مليون دولار من تلك المساعدات لوقف التهريب، ومشاركة سلاح المهندسين الاميركى في تدريب القوات المصرية على التكنولوجيا المتقدمة التي يمكن من خلالها اكتشاف وتدمير الأنفاق.

ومن جانبه يرى عادل اسكندر أستاذ الإعلام والاتصال في جامعة جورج تاون بواشنطن ان مصر تريدترسيخ دورها كحليف للولايات المتحدة ولاعب أساسيّ في مفاوضات السلام، مضيفًا في رأيه لصحيفة quot;كريستيان ساينس مونيتور quot; الأميركية ان مصر تريد ان تظهر أيضًا لجيرانها أنها لن تكون خاضعة لأهواء حركة حماس، التي تعتبر فرعًا لجماعة الإخوان المسلمين في مصر. وquot;يمكن ان يكون الجدار حيلة سياسية مع الرغبة في الحفاظ أو تأكيد شرعية مصر في المنطقة في وقت بدأ الأمريكيون يقرون بتراجع دور مصرquot;، كما يقول اسكندر.

رسالة الى حماس

ويعتبر جمال سلطان المحلل السياسي في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية فى القاهرة ان بناء مصر لهذا الجدار يمثل تجوّلاً كبيرًا من سياسة القول التي كانت تنتهجها مصر في ممارسة ضغوط على حماس في الماضي، الى سياسة قائمة على الفعل، واصفًا هذا الجدار بأنه طريقة quot; لإرسال رسالة إلى حركة حماس بأنها لا يمكن أن تتمتع بالنوع نفسه من السياسة المصرية quot;اللينةquot; بعد رفضها التعاون مع مصر في المصالحة مع حركة فتح quot; قائلاً ان quot;مصر تريد أن تظهر لحماس وجود عواقب لعدم تعاونهاquot;.

ويرى سلطان ان مصرquot; تسير على حبل مشدود بين التزاماتها تجاه العرب وبشكل مباشر نحو القضية الفلسطينية والعمل في الوقت نفسه على التزامها بتعزيز الأمن الدوليquot;، بيد انه يعتقد ان هذا الدور المتوازن قد يؤدي الى نتائج عكسية، وخاصة في ظل انتقاد العالم العربي لمصر بقوة لإغلاقها معبر رفح خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة العام الماضي.

ويتفق محللون آخرون على أن quot;الجدار موجه في المقام الأول ضد حماس بعد فشل مفاوضات المصالحة التي توسّطت فيها مصر في التوصل إلى حلquot;, وفقًا لرأي نديم شهادى زميل برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعهد quot;شاثام هاوس quot; بلندن. واعتبر شهادى بناء الجدار بأنه quot;إجراء جذريquot; من جانب القاهرة ضد حماس وإشارة متشائمة على تخلى القاهرة عن دورها في محادثات المصالحة بين حماس وفتح بعد الفشل في التوصل إلى اتفاق. لكن هناك من يعتبره مجرد مناورة سياسية لتعزيز موقف مصر كوسيط بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة، مناورة قد تكون quot;حاسمة لاستئناف المفاوضاتquot;.