يكشف تقرير سري للإدارة الأميركيّة أن منظمة القاعدة تقوم بتهريب السلاح والمخدّرات عبر رحلات جويّة عابرة للقارات بين أميركا الجنوبية وإفريقيا، وحسب هذا التقرير الذي نشرته وكالة رويترز بإسهاب، فإن هذه العمليات التي تشكل تهديدًا للأمن العالمي تتم بالتعاون مع شبكة مخدرات دوليّة وتنفّذ بانتظام.
واشنطن: يقول التقرير إن سربًا متناميًا من طائرات تعمل خارج نظام الطيران الرسمي الدولي يعبر المحيط الأطلسي ذهابًا وإيّابًا بشكل منتظم. وقال إنه يوجد على احد طرفي الرحلات الجوية المناطق المنتجة للكوكايين في الانديز التي تسيطر عليها القوات المسلحة الثورية اليسارية في كولومبيا، بينما يوجد على الطرف الآخر بعض من اقل دول غرب إفريقيا استقرارًا.
وتم تجاهل التقرير الذي حصلت رويترز على نسخة منه وتصاعدت المشكلة منذ ذلك الوقت حتى بلغت ما وصفه مسؤولو امن في عدة دول بأنه تهديد امني شامل، ويقول معدو هذا التقرير إنه quot;اخطر تطور إجراميquot; في استخدام الطائرات المدنية منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/ 2000.
وتهبط الطائرات التي تستخدم في التهريب والتي زودت بخزانات وقود إضافية لهذا الغرض، في مناطق إنتاج الكوكايين في جبال الانديز بأميركا الجنوبية حيث تتزود بأطنان من الكوكايين ووقود الطائرات، ثم تجتاز أجواء المحيط الأطلنطي لتهبط في مطارات غير رسمية (قديمة ومهجورة) في عدة دول بغربي إفريقيا منها ماوريتانيا ومالي وسيرا ليون وغينيا بيساو علما بأنها تستخدم وثائق طيران مزورة.
ويتوقع مسؤولون أنه من خلال هذه الآلية تنجح المخدرات بالوصول إلى أوروبا، ويتبين من فحص وثائق ومقابلات مع مسؤولين في الولايات المتحدة وثلاث دول غرب إفريقيا أن ما لا يقل عن 10 طائرات اكتشفت وهي تستخدم هذا الطريق الجوي منذ عام 2006. ولكن التقديرات ترجح أن يكون عدد الطائرات التي لم تكتشف أكبر بكثير.
وحسب الوكالة، فإن التقرير يعود تاريخ إنشائه إلى مطلع عام 2008 حيث أرسلت جهة في وزارة الأمن الداخلي الأميركية بتقرير إلى الجهات المختصة سردت فيه بإسهاب ما وصفته بأكبر تطور من ناحية المغزى منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 في مجال استغلال طائرات مدنية لأغراض جنائية.
وكان الممثل الإقليمي لغرب ووسط أفريقيا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الكسندر شميت حذر في دكار هذا الأسبوع من أن شبكة طيران (القاعدة) قد اتسعت في الأشهر ال 12 الماضية، وبحسبه فإنه من المرجح شمولها الآن على طائرات طراز بوينغ 727. ويقول شميت: quot;عندما يكون لديك هذه القدرة العالية لنقل المخدرات إلى غرب أفريقيا، هذا يعني أن لديك القدرة على نقل السلع الأخرى بشكل جيد، لذلك هو بالتأكيد تهديدا للأمن في أي مكان في العالمquot;.
لكن القلق المتزايد لدى المسؤولين في الولايات المتحدة ينبع في حقيقة الأمر من استغلال هذا الأسطول في تزويد المنظمات الإرهابية بالأسلحة، فطائرة بوينغ 727 يمكن أن يضع على متنها نحو 10 ألف طن من البضائع.
وقال المسؤول الأميركي الذي كتب التقرير لوزارة الأمن الداخلي إن صلة القاعدة لم تكن واضحة في ذلك الوقت. والمسؤول هو خبير طيران في مكافحة المخدرات وطلب عدم الكشف عن شخصيته لانه غير مخول بالإدلاء بتصريحات. وقال انه شعر بالإحباط لعدم الاهتمام بالأمر منذ كتب تقريره.
وقال quot;لديك صلة إرهابية مؤكدة على هذا الجانب من المحيط الأطلسي. وعلى الجانب الإفريقي لديك صلة القاعدة وعندما لا يصبح ذلك واحدًا من أهم أولويات الحكومة فإن الأمر يثير القلق بشكل بالغ ويبعث بعض الشيء على الحيرةquot;.
ومنذ هجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001 تمت زيادة إجراءات الأمن لركاب الطائرات في الولايات المتحدة ومعظم إنحاء العالم وفرضت احدث إجراءات أمنية في الآونة الأخيرة بعد محاولة تفجير طائرة ركاب متجهة إلى ديترويت في 25 ديسمبر كانون الأول الماضي.
وقال المسؤول quot;رد الاشرار بشبكة طيرانهم الخاصة التي تطير حاملة شحنات كل يوم وتنقل سلعا مهربة...والحكومة تبدو غافلة.quot; وأضاف أن النتيجة هي أن منظمات متشددة تشمل جماعات مثل القوات المسلحة الثورية اليسارية في كولومبيا والقاعدة أصبح لديها quot;القدرة على نقل الناس والمواد والسلع المهربة إلى اي مكان في إنحاء العالم مع التوقف مرتين للتزود بالوقود.quot;
وكان لتجارة المخدرات المربحة اثر ضار بالفعل في دول غرب إفريقيا. وقالت سلطات محلية لرويترز أن المهربين أفضل تسليحا منها وإنها غير قادرة على وقفهم. ويقول خبراء كثيرون إن تهريب المخدرات يجلب عوائد ضخمة لجماعات تقول إنها تابعة لتنظيم القاعدة. ويضيفون أن هذه العوائد لا تملأ خزائنها فحسب بل تزيد من أعضائها أيضا لان أموال المخدرات تتحول إلى أداة تجنيد فعالة في بعض المناطق الأكثر فقرا في العالم.
ووبخ الرئيس الأميركي باراك اوباما مسؤولي مخابراته لعدم تجميعهم المعلومات quot;لوصل هذه النقاطquot; لمنع تنفيذ التهديدات. لكن هذه النقاط المبعثرة عبر قارتين مثل نقاط مضيئة على شاشة الرادار لا تزال غير متصلة إلى حد كبير كما أن الأسراب نفسها لا تزال تطير في الجو.
وتتبع تجارة الكوكايين دوما المال ويسعى المهربون إلى الطرق التي يقل فيها وجود الشرطة إلى أقصى حد. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة فان دولا ضعيفة في إنحاء غرب إفريقيا تعاني من الفساد والفقر أصبحت نقاط انطلاق لنقل ما يتراوح بين 30 طنًا و100 طن من الكوكايين سنويا ينتهي بها المطاف في أوروبا.
وتقول إدارة مكافحة المخدرات الأميركية إن كل الطائرات التي ضبطت في غرب إفريقيا كانت قد أقلعت من فنزويلا. وموقع هذه الدولة على بحر الكاريبي والمحيط الأطلسي يجعلها مكانا نموذجيا لإقلاع طائرات المخدرات المتجهة إلي إفريقيا.
ويشار إلى انه لا تتوافر في هذه المرحلة معلومات عن قيام (القاعدة) باستخدام شبكة الطيران السرية لنقل أسلحة وإرهابيين إضافة إلى الكوكايين المهرب غير أن التقرير يحذر في خلاصة القول من إمكان تهريب وسائل قتالية وأشخاص مثلما يتم تهريب الكوكايين دون أي عائق آو إزعاج عبر المحيط الأطلنطي.
التعليقات