كشفت مجلة شبيغل اونلاين في تقرير لها انها حصلت على وثائق جديدة بشأن اختبارات سرية إيرانية تضع موضع تساؤل إدعاءات طهران بأن برنامجها النووي يقتصر على الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
إعداد عبد الاله مجيد: تحدثت quot;شبيغل اونلاينquot; في تقرير لها عن الخطة التي قدمتها القوى الغربية في تشرين الأول/اكتوبر الماضي ونالت تأييد روسيا والصين والتي كانت ترمي الى نقل كمية كبيرة من يورانيوم إيران منخفض التخصيب خارج البلد دفعة واحدة ولمدة سنة، وتتلقى بالمقابل شحنات من الوقود النووي.
وكانت تلك صفقة ذات منافع للأطراف كافة. إذ سيحصل الإيرانيون على مادة كافية لما يدَّعون انه برنامجهم النووي المدني وكذلك لاجراء تجارب علمية، ويمكن ان يطمئن العالم ان طهران لن يبقى لديها ما يكفي من المواد الانشطارية لبرنامجها الداخلي السري في تخصيب اليورانيوم ـ ولانتاج قنبلة نووية ، كما يفترض الغرب.
وافق القادة الإيرانيون في البداية quot;مبدئياquot; على الإقتراح. ولكنهم على امتداد اسابيع بعد ذلك احبطوا تفاؤل المجتمع الدولي بتلميحات مبهمة الى تقديم quot;رد نهائيquot;، وعندما جاء الرد أخيرا كان في شكل quot;مقترح مضادquot;. واصرت طهران في هذا المقترح على ان عملية التبادل لا يمكن ان تجري دفعة واحدة بل على مراحل، وألا يُرسل اليورانيوم الى الخارج. بدلا من ذلك أرادت طهران ان تجري عملية التبادل في إيران.
ورأى التقرير أن القيادة الإيرانية تكون بذلك ردت على الغرب مرة أخرى بوعود كاذبة حول استعدادها للتوصل الى حل توافقي وسط. وكانت حكومة طهران رفضت مقترح تبادل المواد النووية رسميا يوم الثلاثاء الماضي. وما زاد الطين بلة ان الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد ، بعدما اكتشف الغرب منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم قرب قم، اعلن بلغة تحدٍ انه لن يستسلم ابدا، وانه في الحقيقة سيبني 10 منشآت تخصيب أخرى.
ولكن مسؤولين في واشنطن وعواصم اوروبية ليسوا قلقين من هذه التبجحات اللاواقعية بقدر قلقهم من تقارير استخباراتية تستند الى مصادر داخل إيران ومعلومات من مسؤولين هاربين كبار. وقال خبراء اميركيون ان من المرجح ان تدفع المعلومات الجديدة حكومة الولايات المتحدة الى اعادة تقييم المخاطر القادمة من إيران، ورفع مستوى الانذار من اصفر الى احمر. كما ينتاب القلق الشديد متشككين كانوا في السابق يعاملون التقارير التي تقرع نواقيس الخطر على انها دعاية اسرائيلية، عن حق في بعض الأحيان. ومن بين هؤلاء خبراء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تسعى الى منع انتشار الأسلحة النووية.
بعد تحقيقات داخلية مكثفة توصل مسؤولو الوكالة الدولية الى ما يحويه حاسوب تم الحصول عليه من إيران قبل سنوات من مادة خطرة للغاية. ووقع الحاسوب المحمول بأيدي الاميركيين عن طريق أجهزة المخابرات الالمانية (بي ان دي) ثم نُقل الى مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا. إضافة إلى التقارير التي قدمها علي رضا عسكري ، نائب وزير الدفاع الإيراني السابق الذي تمكن من الفرار الى الولايات المتحدة حيث أُعطي هوية جديدة، كانت لا تقل أهمية بمعلوماتها عن محتويات الحاسوب. كما يُعتقد ان العالم النووي شاهرام اميري الذي quot;اختفىquot; خلال ادائه مناسك الحج في مكة في حزيران/يونيو 2009 ، حمل معه معلومات قيمة بصفة خاصة. واتهمت السلطات الإيرانية السعودية والولايات المتحدة بخطف الخبير لكن الأرجح انه قرر الفرار.
وأضاف التقرير أن الحكومة الإيرانية تعرضت الى ضغوط بسبب التهم الجديدة. وتتركز هذه التهم على وجه التحديد عن هوية المسؤول عن برنامج إيران النووي ـ ودلالة ذلك لطبيعة البرنامج. وفي هذا الإطار كانت الحكومة الإيرانية دأبت على ابلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية ان الهيئة الوحيدة ذات العلاقة بتخصيب اليورانيوم هي مجلس الطاقة القومي وان عمل المجلس يقتصر حصرا على الاستعمال السلمي للتكنولوجيا النووية.
ولكن هذا ليس إلا نصف الحقيقة في احسن الأحوال إذا ثبتت صحة الدعاوى التي يحويها ملف استخباراتي تدرسه حاليا الدوائر الدبلوماسية في واشنطن وفيينا وتل ابيب وبرلين، وحصلت شبيغل على اقسام منه. إذ تفيد الوثيقة المصنفة بأن هناك فرعا عسكريا سريا لبرنامج الابحاث النووية الإيراني، وان هذا الفرع مسؤول امام وزارة الدفاع وله هيئات سرية. ورأى المسؤولون الذين اطلعوا على الملف ان حكومة طهران جادة في بناء قنبلة، وان خططها متقدمة في هذا المجال. وهناك اسمان يظهران المرة تلو الأخرى في الوثائق، لا سيما بالارتباط مع البرنامج التسلحي السري، هما كامران دانيشجو ومحسن فخري زادة.
ان دانيشجو ـ 52 عاما ـ وزير العلوم والابحاث والتكنولوجيا الإيراني الجديد، مسؤول عن هيئة الطاقة النووية الإيرانية، ويعتبر حليفا قويا من حلفاء احمدي نجاد. وقال زعماء معارضون انه متشدد يتحمل قسطا من المسؤولية عن تزوير الانتخابات الرئاسية في حزيران/يونيو. ولا تتضمن سيرة حياة دانيشجو إلا اشارات هامشية الى خبرته المحتملة في المجال النووي. ويكتب صاحب اللحية الرمادية في وصف نفسه انه درس الهندسة في مدينة مانتشيستر البريطانية ثم امضى سنوات عدة يعمل في مركز تكنولوجيا الطيران في طهران. ويعتقد خبراء غربيون ان هذا المركز تطور الى مؤسسة تابعة لوزارة الدفاع تسمى قسم التطبيقات الموسعة للتكنولوجيا المتطورة ـ القلب السري لبرنامج إيران التسلحي النووي. ويرأس هذه المؤسسة محسن فخري زادة ـ 48 عاما ـ وهو ضابط في الحرس الثوري وبروفيسور في جامعة الامام الحسين في طهران.
وأعربت اجهزة مخابراتية غربية عن اعتقادها ان هيئة الطاقة النووية وهذا القسم اتفقا على صيغة لتقسيم العمل في القضية المركزية للابحاث التسلحية النووية رغم تنافسهما في مضامير اخرى، فتتولى الهيئة الاشراف على تخصيب اليورانيوم في حين ينخرط قسم التطبيقات الموسعة للتكنولوجيا المتطورة في بناء رأس نووي يُستخدم في صواريخ شهاب الإيرانية. ورأى خبراء ان علماء إيران يمكن ان يصنعوا هذا العام نسخة بدائية من القنبلة بحجم شاحنة وسيتعين ضغطها الى حجم يدخل في رأس نووي يشكل التهديد الاستراتيجي المحتمل الذي يثير قلق اسرائيل والغرب ـ وانهم يستطيعون الوصول الى هذه المرحلة في وقت ما بين 2012 و2014.
يُعتقد ان الإيرانيين اجروا تجارب غير نووية على آليات تفجير قنبلة نووية قبل اكثر من ست سنوات. ويتمثل التحدي التكنولوجي في هذا المضمار بإشعال متفجرات تقليدية تحيط النواة النووية لإحداث التفاعل المتسلسل المطلوب. ويُعتقد ان سلسلة الاختبارات أُجريت على رأس حربي داخل غلاف من الالمنيوم. بكلمات اخرى، ان كل شيء كان حقيقيا إلا النواة النووية. وأشارت التقارير الى ان مهندسي طهران استخدموا اليافا خفيفة ولوح دائرة كهربائية للقياس بدلا من المادة الانشطارية. وأتاح هذا لهم ان يحسبوا بقدر من الدقة قوة الموجات وتصوير الومضات التي تحفز تفجير قنبلة نووية. وكانت النتائج مشجعة على ما يبدو حتى ان الحكومة الإيرانية وصفت التكنولوجيا بأنها quot;ممكنة التطبيقquot;.
حصلت شبيغل على الهيكل التنظيمي لقسم التطبيقات الموسعة للتكنولوجيا المتطورة وقائمة بأسماء علماء يعملون فيه. وتوجد هذه الوثائق ايضا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا ولكن الرئيس الإيراني يزعم انها مزورة وتُستخدم للنيل من بلده.
وعندما تتولى فرنسا الرئاسة الدورية لمجلس الأمن الدولي في شباط/فبراير يمكن ان تدفع واشنطن الى مواجهة مع إيران. وفي حين ان موسكو لا تستبعد اتخاذ اجراءات عقابية اضافية فان الأرجح ان تصطدم هذه الاجراءات بعقبة الصين التي تفاوضت مع إيران بشأن عقود قيمتها مليارات في مجال الطاقة. ولكن الصين يمكن ان توافق على فرض عقوبات quot;ذكيةquot; بينها قيود على سفر كبار مسؤولي الحرس الثوري والعلماء النووين. وأُدرج اسم فخري زادة بالفعل على لائحة المسؤولين المشمولين بمثل هذه القيود، ومن الجائز تماما ادراج دانيشجو ايضا في المستقبل.
ولكن الغرب سيكون معزولا، على ما يُفترض، حين يتعلق الأمر بفرض عقوبات مؤذية حقا على إيران ـ وتضر بعلاقاته التجارية المربحة نفسها مع طهران. وسيكون أمضى الأسلحة التجارية حظر تصدير المحروقات الى إيران التي تستورد نحو نصف احتياجاتها من البنزين. ومن شأن العقوبات ان تسفر عن زيادة حادة في اسعار البنزين مؤدية الى تململ اجتماعي. ويختلف الخبراء على ما إذا كان هذا التحرك سيكون موجها ضد نظام الحكم المكروه شعبيا أو يمكن ان يستثمره القادة الإيرانيون مرة اخرى لتحريض الشعب الإيراني ضد quot;الغرب الشريرquot;.
هذا يُبقي الخيار العسكري،إلا أنه عدا التداعيات السياسية واحتمال شن هجمات مضادة فان قصف منشآت إيران النووية سيكون بالغ الصعوبة. ذلك ان الخبراء النوويين دفنوا أنفسهم ومنشآتهم تحت الأرض بالمعنى الحرفي للكلمة، وذلك في مواقع سيكون من المحال عمليا الوصول اليها بأسلحة تقليدية. وفي حين ان الشك يساور حتى الخبراء الاسرائيليين بشأن حجم الأضرار التي يمكن ان يلحقها قصف المنشآت بالبرنامج النووي الإيراني فان القائد العسكري الاميركي الرصين عادة الجنرال ديفيد بترايوس بدا شرسا بصراحة عندما سُئل عن امكانية توجيه ضربة عسكرية الى منشآت إيران النووية. إذ قال قبل اسبوعين في واشنطن: quot;ان قصفها ممكن بالتأكيدquot;.
التعليقات