انعطفت العلاقة بين السياسي والمثقف في العراق على اجواء مشحونة بالاضطراب، ترجمها على ارض الواقع تجاهل الساسة للدور الثقافي للحركة النهضوية في بلاد الرافدين، وباتت القاعدة العريضة من المثقفين تشعر بالانعزال، وانشغل المثقفون الرافضون لمشاريع التهجين السياسي، بالبحث عن مكافأة مادية من صحيفة وأخرى لتغطية نفقاتهم المعيشية، مما اودى بالثقافة العراقية الى السقوط في بئر عميق من التهميش، بعد أن ذهبت المطالبة برعاية الدولة للثقافة والمثقفين سُدى.


بغداد: في هذا السياق يرى الشاعر العراقي محمد علي الخفاجي، ان المثقف العراقي يواجه العددي من المشاكل ذات الصلة بالواقع السياسي في بلاد الرافدين، ويمكن تجسيد معاناته في محاولته البحث عن دار تسوق له مؤلفاته، بينما يطمح فريق آخر من المؤلفين الى وجود جهة يصدر من خلالها كتابا واحدا، نظراً لانعدام قدرته على تحمل الاعباء المالية، التي من الممكن ان تجعله يطبع كتابه، وبالتالي فإنه من اللازم ان تتبنى الدولة الابداع والمبدعين، سيما انهم النواة الحقيقية لخدمة الوطن، وعليها ان لا تجعل من المبدع ذلك الحجر الذي طالما نساه البنائون، وتعرف ان السياسة جزء من الثقافة وليس العكس، ولذلك فهي مدينة للمثقف. فالسياسة هي فن حل الممكن وحل الصعوبات، فكيف لسياسية ان تحل صعوبات دون ان يكون السياسي مثقفاً؟

مكافأة من صحيفة

واوضح الخفاجي :quot;الان المثقف والمبدع العراقي في الظل، يهرع وراء مكافئة في هذه الصحيفة او تلك، لكي ينفق على نفسه او على اسرته، او يسافر من اجل حضور مناقشة رسالة، او طبع كتاب، او شراء مجلة ادبيةquot;.

ويتابع الخفاجي :quot;عدنا بدعم في سنة 2006، وحتى الان صرفت كلاما اموال الدعم ويوم على يوم ينحتونها، ويقللون من مبلغها الاساسي. الحقيقة لو لم يحسب ذلك تحريضاً لكنت انا شخصيا ربما ارفض هذه المعونة، التي تقدم لي لانني لااريد ان اسعّر نفسي وفق ما يراه السياسي، وانما وفق ما انا عليه، وحينما اقول ذلك لا اقصد نفسي بشكل شخصي، وانما انا كأديب ومبدع ضمن مبدعي العراقquot;.

من جانب اخر يرى الشاعر فارس حرام رئيس اتحاد ادباء النجف، ان علاقة السياسية بالمثقف الان هي امتداد للعلاقة المتوترة، التي كانت بينهما قبل عام 2003، فكان السياسي قبل عام 2003 يقصي المثقف او يدجنه او يطوعه في مشروعه، اما اليوم اذا لم يستطيع السياسي ان يقصي المثقف فعلى الاقل لديه مشاريع كثيرة لتدجين هذا المثقف وتطويعه في مشاريعه، ورأينا العديد من المثقفين ينهارون امام مشاريع السياسيين، ويصبحون جزءاً من ادواتهم في عراق ما بعد 2003.

ويتابع حرام :quot;بوصفي مثقفاً مستقلاً، ادعو المثقفين ان يتنبهوا الى ان يقيموا علاقة متوازنة ومتكافئة وفيها تفاعل، ولا اقول فيها تناحر ولكن في الوقت نفسه على الاقل تحفظ هذه العلاقة موقع المثقف، لبناء هذا البلد مرة اخرىquot;.

دور وزارة الثقافة

اما الروائي والناقد حسين الكاصد، فيعتقد ان السياسي ينظر الى المثقف والثقافة على انهما جزء من ديكور معطل الدور، قائلا :quot;مازال المثقف يتسكع بين الارصفة ومازال السياسي ينظر من برجه العاجي الى الثقافة كديكور، او انه مجرد حديقة خلفية للمنزل، او لا يعدو اثاثاً لوجه العراق المشرق، ولم يهتم الساسة او حتى ينتبهو لهذا الوجه، وتبقى وزارة معطلة الدور، الذي نعاني منه، فمنذ النظام المقبور ووزارة الثقافة خاضعة للمحاصصة، حيث ان وزير الثقافة لم ينتخبه الادباء، وطالما نادينا في بداية انهيار الدكتاتورية لانتخاب وزير الثقافة من قبل الادباء والمثقفين، فإلى الان لم يأخذوا راي مثقف واحد في وزير الثقافة، لان المثقفين بالنسبة للدولة، مجرد ديكور واثاث لدولةquot;.

اما الشاعر قاسم ضيدان، فيرى ان هناك مسافة شاسعة بين المثقف والسياسي الذي يخشى المثقف، لانه لايتلاشى ولايندثر كالسياسي قائلا :quot; اجد مسافة شاسعة وليس هناك التقاء بين السياسي والمثقف، لان السياسي يحجم الثقافة، ولم يرع اي نشاط ثقافي سوى كان على مستوى المهرجانات او غير، لان هناك هوة بيننا، ولان السياسي يخشى المثقف وكأن هناك ثأر بينهما، باعتباران المثقف يكشف اخطائه، ولانهم يعرفون اننا نبني العراق من خلال التنسيق بثقافتنا. وحتى لو كان السياسي مثقفاً، فإننا نلاحظ انجرافه مع السياسة، بدليل ان اتحاد الادباء بقى على وضعه منذ العهد البائد، فإلى الان لم نلمس اي زيارة من السياسيين لاتحاد الادباء، سواء كان من قبل رئاسة الوزراء او رئيس الجمهورية او غيرهم من السياسيينquot;.

ويوضح الضيدان :quot;لم نسجل اي اهتمام لان، هناك حاجز بين المثقف العراقي والسياسي العراقي، علما بأن المثقف هو عماد البلد وهو الباقي ابدا، لان السياسي ممكن ان يذهب في لحظة، في حين يظل المثقف باقياً، فالمتنبي، والجواهري، والسياب ما زالوا باقين حتى الانquot;.

وفي النهاية تحدثت الشاعرة فاطمة العراقية عن العزلة التي يعيشها المثقف العراقي قائلة :quot;لا ارى اي ارتباط، لا من قريب او من بعيد بين المثقف العراقي والسياسي، لان السياسي يعيش خلف الحواجز الكونكريتية، ولانه معزول عن المثقف وعن معاناة المثقف، الذي دائما يشعر بالتهميش، ولا احد يسأل عنه، سواء كانوا فنانين، او ادباء، او شعراء، في حين ان المثقف هو الوجه الحضاري والثقافي للبلدquot;.