خيّمت أجواء من التوتر على قصر الاليزيه في ظل أنباء تحدثت عن ضلوع الرئيس الفرنسي في قضية العمولات التي تقاضى فيها مسؤولون فرنسيون عمولات غير مشروعة في صفقة أسلحة فرنسية، حصلت عليهاباكستان من باريس عام 1994، وطالت هذه القضية طرفا لبنانيا، اعتقد مراقبون اشتراكه في القضية.


باريس: قال الإعلامي والمحلل السياسي مصطفى طوسة إن تصريحات وزير الدفاع السابق شارل ميون بشأن قضية كراتشي quot;شهادة بأبعاد سياسية تحتم على الحكومة الحالية الإجابة على حيثياتها أو على الاقل إماطة اللثام عن هوية المستفيد الحقيقي من العمولاتquot;، مشيرا إلى أن quot;الشكوك تحوم حول حملة الرئاسيات التي قادها إدوار بلادور سنة 95، وشغل فيها الرئيس ساركوزي مهمة الناطق الرسمي، والذي كان في الوقت نفسه وزيرا للموازنة في حكومة بلادورquot;.

انفجار سيارة مفخخة في كراتشي عام 2002

وكانت الصحافة الفرنسية أثارت الأربعاء الماضي تصريحات وزير الدفاع السابق امام الدوائر القضائية، معتبرة إياها قنبلة حقيقية في وجه الحكومة الحالية، إذ قال الوزير للقاضي المكلف بالتحقيق في هذه القضية: quot;إن لدي قناعة خاصة بأن مسؤولين فرنسيين تقاضوا عمولاتquot; مقابل صفقة quot;أغوسطاquot;، التي باعت باريس بموجبها في ايلول/ سبتمبر عام1994 ثلاث غواصات لباكستان، وقدر ثمن الصفقة في حينه بـ 826مليون يورو، أما نسبة العمولات، التي كان من المقرر حصول وسطاء الصفقة عليها فبلغت 10.25 بالمائة من قيمة الصفقة.

المحظور واللامحظور

و بمجرد وصول جاك شيراك إلى الإليزيه سنة 1995،أصدر تعليمات الى وزير دفاعه، للحيلولة دون صرف اي عمولات للوسطاء في صفقات التسلح، بعد ان كانت الدولة تخصص نسبة من صفقات التسلح التي يتم بيعها، لاشخاص توسطوا في صفقات من هذا النوع، وكان هؤلاء الوسطاء يقومون بتسديد جزء من عمولاتهم لمسؤولين في الدولة التي رست عليها الصفقة، وسادت الشبهات في هذا الصدد حول شخص لبناني تردد أن بلادور فرضه كوسيط حتى آخر أنفاس الصفقة، الامر الذي نفاه اللبناني جملة وتفصيلا.

وكان هذا النوع من التعامل مع الوسطاء قانونيا حتى عام 2000، إذ وقعت فرنسا على اتفاقية منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، حيث أصبح المتورطون فيها يتابعون وفق تهمة كيفت بالصيغة التالية quot;تقديم الرشى لأعوان عموميين أجانبquot;، فيما كانت هناك ديمومة في حصول مسؤوليين فرنسيين على مقابل للعمولات التي قدمت للوسطاء بشكل غير قانوني.

قضية كراتشي

تعود ابعاد قضية كراتشي الى عام 2002، عندما استهدفت سيارة مفخخة حافلة كانت تقل عمالا في غالبيتهم من الفرنسيين، وكان هؤلاء العمال يشتغلون في صناعة السفن الحربية، واسفر الحادث عن وفاة أربعة عشر شخصا، أحد عشر منهم فرنسيون. واشارت أصابع الاتهام بعد هذا الاعتداء الإرهابي مباشرة إلى تنظيم القاعدة، حتى حزيران/يونيو 2009، إذ أعلن القاضي المكلف بالتحقيق في هذه القضية أن التحقيق الفرنسي توجه للتحري حول خلافات باكستانية فرنسية قد تنطوي على علاقة باعتداء كراتشي.

و منذ ذلك التاريخ توجهت الأنظار إلى مسألة وقف صرف العمولات للوسطاء في صفقة quot;غوسطاquot;، ورد الفعل الانتقامي الذي قد يكون ناجما عن ذلك، ودفع ثمنه أبرياء فرنسيون، وغيرهم عام 2002، بعد أن تم توظيف جماعة إسلامية محظورة لهذه الغاية، وسبق للقضاء الباكستاني أن أدان شخصين متورطين في القضية بالمؤبد.

الإستماع إلى ساركوزي

مع انفجار التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع السابق شارل ميون للقضاء، طالبت عائلات ضحايا اعتداء كراتشي بالإستماع إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، إلا أنه بحسب إفادة مصطفى طوسة لإيلاف: quot;يمكن أن يمتنع عن ذلك نظرا للحصانة الرئاسية التي يتمتع بهاquot;، مضيفا أن الشق السياسي في القضية يفرض على سيد الإليزي quot;عدم تجاهلها، لأن المعارضة ستستغلها حتى آخر قطرة حبر فيها، وبالتالي فهو مجبر على إيجاد مخرج لها قبل الدخول في معركة الرئاسة المقبلةquot;.

و إن كان استماع القضاء إلى كل من شيراك ودوفيلبان سيدفع بالتحقيق إلى الأمام، كما تطالب أسر الضحايا ومحاميها، قال طوسة: quot;بطبيعة الحال شهادة كل من جاك شيراك ودومنيك دوفيلبان من شأنها أن تسلط ضوءا خاصا على هذه القضيةquot;، مضيفا: quot;ولكن إذا كان من السهولة بمكان معرفة ما سيقوله دوفيلبان، الذي دخل مؤخرا في مسلسل معركة حياة أو موت مع الرئيس ساركوزي، فمن الصعب معرفة الموقف الذي سيتبناه الرئيس جاك شيراك المعروف عنه أنه نجا بأعجوبة من معركته القضائية في الفضيحة السياسية التي تعود إلى فترة ترؤسه بلدية باريسquot;.

عقبة المجلس الدستوري

وواجه القاضي المكلف بالتحري في هذه القضية رفضاً من رئيس المجلس الدستوري للإطلاع على مداولات quot;الحكماءquot; حول تمويل الحملة الانتخابية لإدوار بلادور لرئاسة 1995، بحجة خضوع هذه الوثائق لسرية الدفاع ولا يمكن الإطلاع عليها من طرف القضاء، إلا بعد 25 عاماً، وللحكومة وحدها الحق في ذلك بعد طلب بهذا الصدد.

من جانبه دافع وزير العدل الجديد ميشيل لوميرسيي عن هذا المبدأ، موضحا أن رئيس المجلس الدستوري لم يطبق إلا القانون، فيما استهجن الوزير الأول السابق الاشتراكي ميشيل روكار وضع وثائق تتعلق بهذه القضية تحت السرية، كما أدان زعيم حزب الوسط quot;الموديمquot; فرانسوا بيرو quot;هذه القضاياquot;، معتبرا quot;أنها تفسد الحياة الفرنسية منذ سنواتquot;.