أيمن بن التهامي من الدار البيضاء: عاد ملف الحوار بين الدولة والمعتقلين السلفيين ليتحرك من جديد في المغرب، إذ كشف حسن الخطاب، الذي تعتبره السلطات الأمنية زعيم خلية quot;أنصار المهديquot; في حوار أجرته معه quot;إيلافquot; عبر وسيط تكفّل بنقل الأسئلة إليه، أن المندوب العام للسجون، والوكيل العام قاما بزيارته، الأسبوع الماضي في زنزانته، مشيرا إلى أنهما طرحا عليه أسئلة من قبيل ما هو الدور الذي ستقومون به بعد الخروج من السجن؟ وما يمكن تقديمه للحد من خطورة الإرهاب بشكل عام؟ وهل وقعت تغييرات عقدية ومنهجية؟ وما هو تصوركم للساحة؟

وأعرب حسن الخطاب (المحكوم بـ 30 سنة سجناً) عن استعداده للإعتراف بخطئه، إذا اعترفت الدولة بخطئها، معتذراً من الشعب المغربي. وكان الخطاب طرح مبادرة تحت عنوان quot;المناصحة والمصالحةquot;، تهدف إلى فتح حوار بين الدولة المغربية ومعتقلي quot;السلفية الجهاديةquot;، على ضوء quot;تقلبات السياسة العالمية، وإنهاء الصراع الذي اندلع بين الطرفين في سياق الحرب الدولية ضد الإرهابquot;، على حد تعبيره.

وأفادت مصادر مطلعة لـ quot;إيلافquot;، أن زيارة المسؤولَين شملت أيضا 11 معتقلا إسلاميا، وجرى خلالها تناول جميع الحيثياث الخاصة بالاعتقال والإفراج، والحلول الممكنة لهذا الملف.
وكان مسؤولون عقدوا، في السنة الماضية، مجموعة من اللقاءات مع شيوخ السلفية داخل السجون، لكن العملية توقفت فجأة، بعد أن تسرب الخبر إلى وسائل الإعلام المكتوبة.

هل تجددت اللقاءات في زنزانتك بخصوص ملف الحوار مع الدولة؟

التقيت في زنزانتي المندوب العام للسجون، والوكيل العام. وكان الحوار عبارة عن زيارة، جرى خلالها تناول بعض القضايا الكبرى، كطرح أسئلة من قبيل ما هو الدور الذي ستقومون به بعد الخروج من السجن؟ وما يمكن تقديمه للحد من خطورة الإرهاب بشكل عام؟ وهل وقعت تغييرات عقدية ومنهجية؟ وما هو تصوركم للساحة؟

لم يجر طرح ذلك بشكل مباشر، لكن كانت عبارة عن نوع من الإرهاصات وليدة للحوارات، بمعنى تمهيد الحوار للمستقبل. وأعتقد أن زيارة الأسبوع الماضي، عبارة عن مجموعة من الحلقات، إذ كانت لقاءات في السابق، لكن الجديد في هذه الزيارة الأخيرة هو أنك تشعر أن هناك نوعا من الجدية في التعاطي مع الملف. اللقاء دام ساعة تقريبا، تناولنا خلاله شق ما بعد الخروج من السجن، وغيرها من النقاط، لكن ذلك لم يكن بشكل مفصل. هذه تقريبا الخلاصة لما دار في الزيارة، وأعتقد أنه كان جس نبض، أو حوار تمهيدي، وربما يمكن أن يكون هناك شيء ما مستقبلا.

هل تعتقدون أن تكون هناك خطوة جدية مستقبلا؟


أعتقد ذلك، لأن الظرفية السياسية والإقليمية، بحكم ما وقع في موريتانيا، والضغط الموجود، إلى جانب مجموعة من المعطيات تؤشر إلى أن الدولة، بشكل أو بآخر، يمكن أن تتعاطى مع هذا الملف بطريقة إيجابية.

ما رأيك في ما جاء في تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة حول الحوار؟

لم أسمعه أو أقرأه، لكن قيل لي إنه أكد أن الدولة مستعدة للدخول في حوار مع المعتقلين السلفيين بشرط الاعتذار للدولة. فأعتقد أن هناك نوعا من الإرهاصات، إذ يلاحظ أن لديهم فكرة للتعاطي مع الملف. ونحن بدورنا شرحنا لهم كيف يمكن التعاطي معه، فهذا فكر يجب أن يناقش، ولا يجب معالجته بمقاربة أمنية إذ لن يكون حوارا نافعا أو جادا.

يجب إشراك باحثين في علم الاجتماع، ومنظمات حقوقية، والمجتمعات المدنية وغيرهم للوصول إلى نتيجة. الأمر الآن يهم المغاربة بأسرهم. نحن من جهتنا مستعدون للحوار على كل حال ونحن نحمل مشروعاً إصلاحياً، وأفكاراً، ودلالات. فالفكر السلفي الآن موجود.

سربت وثيقة حول المراجعات الفكرية للشيخ عبد الوهاب رفيقي، ما موقفك مما جاء فيها؟

انا لا أعرف ماذا تحمله البنود، وإن كنت أنا في التوجه العام مع الشيوخ. أنا أعتقد أن هناك نوعاً من الخطوط العريضة التي نتفق عليها. تبقى الرؤية السياسية في بعض القضايا التي يمكن أن يكون لنا فيها مواقف مختلفة.

فقبل سنتين تقريبا، كنت أسمع طلبة الشيخ يقولون إن لديهم توجها سياسيا. وأنا أعارض الفكرة، لأن أول مطلب كان تكوين حزب، والاندماج في العمل السياسي، إلا أننا نشترط في العمل السياسي مقتضيات عدة ربما تتناقض الآن مع مفهوم الدولة. عموما، أنا أشجع أي مراجعة تهدف للإصلاح وتكون نوعاً من التوافق بين الدولة والحركة الإسلامية.

quot;أنا أحترم خصوصيات المشايخ، وأتفق مع مبدأ نتفق في ما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيهquot;، مادام أن الأصل في المسائل المنهجية والفرعية، فنحن الحمد لله إخوة نحترم توجه الشيخ الكتاني، والفيزازي، وأوبو حفص. وإن كان الأمر يتطلب رؤية موحدة، لكن مع كل الأسف إذا لم نستطع أن نتوحد في الخارج لا يمكن أن نتوحد داخل السجن. واقترحت لكل المسؤولين الذين يزورونني، إعطاء فرصة للشيوخ لكي يجلسوا مع بعضهم البعض لتحديد رؤية مستقبلية.

ربما حتى الدولة تريد أن تخندق التيار السلفي الجهادي في خندق الإصلاح الديني، وهذا أعتبره خطأ وقلت هذا الكلام وأتحمل المسؤولية. القاعدة الآن أصبح تنظيماً كونياً وإيديولوجية عالمية، فإن كنا نريد تخليص البلاد من تداعيات العنف، أو التطرف، أو الانزلاق، فأعتقد أنه لا بد من جلسة مع الشيوخ. فلغاية الآن لا نعرف هل تريد منا الدولة أن نتراجع عن الدين، أوإقامة طريقة جديدة للتدين، أو غير ذلك.

أنا مع أي مراجعة من قبيل الشيوخ أبو حفص، أو الكتاني، أو الفيزازي. فنحن الحمد لله إخوة، وإن كنت لا أعرف بنود المراجعة، لكنني أعرف توجه أبو حفص، احتككت به عندما كنا معا في سجن واحد، لديه رؤية ثاقبة وأشجع فيه روح الجرأة. على أساس أن يخرج بهذه المبادرة، التي يمكن أن توجه لها العديد من الانتقادات، وغيرها. وأنا أعتقد أن هذه جرأة منه، ولا يمكنني إلا أن أصفق له، مع العلم أنني لا أعرف البنود. وكنت أطالب أن يحذو جميع الشيوخ حذو أبو حفص. وأرى أنه كلما مر الزمن كلما يمكن أن يكون التطرف أخطر مما كان عليه، لكن الأخطر من ذلك أن يخلق نوع من الاحتقان، أي أن الناس تحمل في قلبها حقداً تجاه الدولة.

كيف تسعون إلى حوار جاد مع الدولة، في ظل الانقسامات والخلافات الشاسعة بين المعتقلين، ألا ترون أن المشكلة فيكم؟

هل أنتم مستعدون للاعتراف بأخطائكم؟

أنا أؤمن بمثل يقول الرأي الصواب يحتمل الخطأ. فأنا أول شخص، ليس من باب الأنا الذاتية أو العقدية، مررت بمجموعة من المراحل العقدية، منها الهجرة والتكفير والسلفية التقليدية، وكنت أنتقد. وأنا مستعد إذا أخطأت في أمر أن أقول إني أخطأت ليس لدي إشكال. فأنا الآن عندما كتبت كتاباً في تأصيل الجهاد قلت أخطأت في هذه المسألة وهذه المسألة. فالمشايخ يدركون أن هناك مجموعة من الأخطاء. وبعد أحداث 16 أيار (مايو) مباشرة كنا نقر أن هناك مجموعة من الأخطاء ارتكبت.

لم يكن يجب أن نتعامل مع القضية بذلك الشكل الحماسي، لكن نتحمل المسؤولية وفي الوقت نفسه على الدولة أيضا أن تتحمل المسؤولية. هناك ملفات وأمور عدة، كانت الدولة وراءها عبر دفع الدعاة والمشايخ لكي يقولوا ذلك الكلام، على أساس كانت سياسة مستقبلية مبيتة. إذا أخطأنا في كذا نعترف. وأطالب إذا كان هناك من حوار فيجب أن يكون أمام الملأ عبر القنوات الرسمية.

أئمة كبار أخطأوا في أمور واعترفوا بخطئهم. إذا ظلمنا هؤلاء الناس سنعترف بذلك. فالله سبحانه يغفر ويعذب. وهذا الكلام ليس كلامي وحدي، بل لمجموعة من الإخوان، الذين هم مستعدون، بعد أن مرت سبع سنوات من الاعتقال، لمرحلة المراجعة، والفكر، والنظر عن بعد، والتقييم. فأعتقد أن الظرفية، لن أقول مناسبة، بل فات الأوان عليها بعد أن تجد معتقلين يخوضون 50 يوماً من الإضراب عن الطعام، يعني أنهم يئسوا. سنعترف بخطئنا إذا كان الجانب الآخر مستعدا للاعتراف بخطئه. إذا أخطأنا في أمر سنقول للشعب المغربي أننا أخطأنا فيه وسنعتذر له.


أعتقد أن هذا الوضع خلقته الدولة، لأن كان لديها تخوف من الخطر الذي يمكن أن يشكله بقاء الشيوخ مجتمعين مع باقي المعتقلين الإسلاميين. فهذه كانت رؤية إيجابية بالنسبة إليهم. فالشيخ الكتاني الآن محاصر، وأبو حفص والفيزازي كذلك. فهم من يجب أن يتحملوا المسؤولية، عندما عزلونا عن باقي الإخوة. ففي السابق كانت حتى المسائل الأمنية داخل المؤسسة السجنية مضبوطة، أما الآن فالفوضى. وهناك عدد من المعتقلين الآن أميون، يقلدون فقط وما إلى ذلك.

كنت طالبت بأن يعود المشايخ إلى وسط الشباب، لأن الدولة حتى لو أحضرت عالما كبيرا فلن يستمعوا له، أما إذا أحضروا الفيزازي أو غيره من الشيوخ، وشرحوا لهم وجهات نظرهم والتغيرات، والمسالك المنهجية والعقائدية، والرؤية المستقبلية التي يجب أن تكون في التعاطي مع الملف والسياسة الشرعية بالمفهوم العام، ونظهر ما أخطأ فيه الجهاديون، فسيكون لهم تأثير عليهم.

فنحن نعبد الله وليس تنظيم القاعدة أو غيره. الدولة هي التي خلقت تلك الهوة الموجودة حاليا، ويجب أن تصلحها. نحن نطلب إعطاءنا فرصة لمدة 3 أو 4 أشهر، نتكلم مع الشباب، ومن لديه عائق نزيله له. نتناظر، ونكتب ونؤصل أمورنا. نحن لن نكذب على أحد. يقولون إن السجن قهرنا، نحن راضون بقدر الله وقدره، لكن إذا أعطيت لنا فرصة للإصلاح والتهيؤ للأجواء التي يتم فيها الحوار فنحن مستعدون. أما في هذه الظرفية حتى إذا أرادوا الكلام فلن يجدوا مع من يتكلمون. لهذا أطلب بأن تعطى فرصة للمشايخ حتى يعودوا إلى وسط الشباب، ويأطروهم، وأظن أن المسائل ستكون إيجابية.

حتى أنه، خلال الزيارة، ناقشنا الاحتقان داخل المؤسسات السجنية في صفوف المعتقلين الإسلاميين، بسبب الأوضاع التي يعيشونها، والإضراب الأخير للشيخ الكتاني، وغيرها. كل هذه الأمور عرجنا عليها، وأصبحت فارضة نفسها وتدفع إلى التعاطي مع الملف بشكل إيجابي.

إلا أن التقارير الأمنية الخاصة بهم تشير إلى أن المؤسسة السجنية ربما يمكن أن تعرف نوعاً من الانفلات، خصوصا في صفوف الإسلاميين، لكونهم لا يستفيدون من مسطرة العفو، وحملة الاعتقالات مستمرة. فإذا كان الحوار أمنياً فلا يمكن أن يصل إلى نتيجة.