تحاول إسرائيل أن تفرض في النقب واقعًا جديدًا يتنكر لحقوق العرب على أراضيهم، ويفتح الباب على مصراعيه أمام مبادرات استيطانية على شكل مستوطنات صغيرة، ومشاريع زراعية وسياحية. هذا ما اكده حنا سويد عضو الكنيست على خلفية اقرار لجنة الاقتصاد البرلمانية قانونًا جديدًا حول الاراضي في النقب.

القدس: أكد عضو الكنيست حنا سويد، رئيس كتلة الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، أن القانون الذي أقرته لجنة الاقتصاد البرلمانية، لتحديد معايير ومقاييس إقامة المزارع الفردية في النقب وإعطاء أصحاب هذه الامتيازات تسهيلات في مجال السياحة أيضًا، هو خطوة أخرى في مسلسل تهويد النقب وتضييق الخناق على العرب الفلسطينيين في النقب وحصرهم في غيتوات غير معترف بها من قبل مؤسسات الدولة، تحيط بها quot;مزارع فرديةquot; تمتد على مساحة آلاف الدونمات للمزرعة الواحدة.

وقال سويد في حديث خاص مع إيلاف، إن القانون الجديد يهدف للوهلة الأولى إلى شرعنة وتبيض المزارع الفردية القائمة حاليًا على أراضي النقب خلافًا حتى للقوانين الرسمية للتنظيم والبناء، بغية توسيع نطاق الامتيازات الممنوحة لهؤلاء quot;المزارعينquot; وتمكينهم من إقامة مبان سكنية ومنشآت سياحية، مما يعني تغيير الهدف الأول من إقامة هذه المزارع، وتشريع عملية الاستيطان اليهودي في النقب على حساب المواطنين العرب.

وأوضح سويد أن القانون الذي مر بالقراءة الأولى، الأسبوع الماضي quot; يحاول بالأساس أن يفرض واقعًا جديدًا في النقب بحيث أنه يتنكر لحقوق العرب البدو في النقب على أراضيهم وقراهم، في المقابل يفتح الباب على مصراعيه أمام مبادرات استيطانية على شكل مستوطنات صغيرة، ومشاريع زراعية وسياحية للأفراد أو لعائلة واحدة تحمل في طياتها من حيث مساحة الأرض التي تقدمها دائرة أراضي إسرائيل لهؤلاء المستوطنين ومن ناحية القانون فهي تتيح الفرصة أمام هذه quot;المزارع الفرديةquot; لتتسع أكثر فأكثر، ونحن نعرف أن الهدف في النهاية هو خنق القرى العربية واستبدالها عمليًّا بمستوطنات يهودية جديدة.

وكشف عضو الكنيست سويد أن الحديث هنا ليس فقط عن ألفي دونما quot;للمزرعة الواحدةquot; هناك مزارع مساحتها آلاف الدونمات، وخاصة أن أصحاب هذه quot;المزارعquot; يبسطون نفوذهم أيضًا على أراض، إضافة إلى الأراضي التي منحتهم إياها الدولة، إذ يقوم هؤلاء بالسيطرة على آلاف إضافية من الدونمات ، هي بالأصل عربية. وقال quot; نحن نتحدث عن مساحات شاسعة، وهناك نقطة أخرى تتمثل بأن المكان والموقع الذي يحدد لإقامة هذه المزارع لا يحدد بشكل عفوي وإنما يتم عادة اختيار مواقعها بالقرب من البلدات العربية والتجمعات البدوية في النقب لضمان الحد من تطور هذه البلدات ونموها، والحيلولة دون استعمال المواطنين العرب لأراضيهم سواء للزراعة أو حتى لرعي الماشيةquot;.

إبراهيم القيلي: صراع مرير على نحو مليون دونما من أصل 12 مليون دونما في النقب

إبراهيم القيلي

من جهته، قال رئيس المجلس الإقليمي للقرى العربية غير المعترف بها، إبراهيم القيلي لإيلاف: إن عرب النقب ملكوا حتى العام 1948 12 مليون دونما لم يبق منها الآن بعد تهجير نحو 80% من أهالي النقب، ومصادرة هذه الأراضي سوى ثلاثة مليون دونما، قامت السلطات أيضا بمصادرة قسم كبير منها، ونحن نصارع اليوم للاحتفاظ بنحو 750 ألف دونم بقيت تحت سيطرتنا.

وأكد القيلي إن القانون الجديد في حال سنه وإقراره بالقراءات الثلاثة فإنه سيشكل ضربة قوية للمواطنين العرب في النقب خصوصًا سكان القرى غير المعترف بها، وهي نحو 44 قرية وتجمع سكني للعرب البدو في النقب، ترفض السلطات الإسرائيلية الاعتراف بها على الرغم من وجودها حتى قبل قيام إسرائيل، وتحاول السلطات الإسرائيلية، من خلال عدم الاعتراف بها ومنع ربطها بشبكة المياه أو بالكهرباء، وحرمان أهاليها من خدمات الصحة والتعليم، الضغط على السكان العرب للقبول بمخطط حكومي لتجميع أهالي هذه القرى في عدد صغير من القرى والبلدات حتى يتسنى للدولة الاستيلاء على أراضيها.

ولفت القيلي في حديثه لإيلاف إلى أن الحكومة الإسرائيلية في الوقت الذي تسعى فيه quot;لتجميع العرب في النقب في بلدات صغيرة ومحدودة، فإنها تطلق العنان وتمهد الطريق لزرع النقب بعشرات المستوطنات على هيئة quot;المزارع الفرديةquot; بحجة أن هذه المزارع تقوم على أراضي الدولة، وأنها تسهم في وقف quot;زحف البدو وغزوهم لأراضي الدولة.

أشهرها مزرعة الجميز لشارون

مزرعةشارون

في أواسط السبعينات بدأت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة جديدة لاستيطان النقب وجلب مزيد من الإسرائيليين، وذلك في ظل إحجام الإسرائيليين عن العيش في النقب لظروف صعبة، فبدأت الحكومة بإعطاء تصاريح وامتيازات لإقامة مزارع فردية، على مساحات واسعة من الأراضي لوضع يدها على أرض النقب ومحاصرة سكانه العرب البدو. وفي ظل تراجع حركة الاستيطان الزراعي التي أطلقتها الحركة العمالية على هيئة كيبوتسات وبلدات تعاونية quot;موشافيمquot; اتجهت إسرائيل نحو توزيع الأراضي على مواطنين يهود تحت مسمى مزارع فردية، حظي أصحابها بقروض وهبات مالية كبيرة، ناهيك عن حصولهم على مساحات واسعة من الأراضي.

ومن أشهر المزارع الفردية التي أقيمت بهذه الطريقة كانت مزرعة الجميز، التي آلت إلى رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق، أرييل شارون، وتمتد مساحتها على 4000 دونما. وكان شارون يفاخر دوما بأنه يواصل طريق حركة العمال التاريخية، وقد رفعت صوره وهو يحمل الماعز على كتفيه، أو وهو يلاطف أبقاره وماشيته، خلال حملته الانتخابية لرئاسة الحكومة في العام 2000 وتمكن يومها من التغلب على منافسه إيهود براك.

التنظيم والبناء أداة الحكومة لنهب الأرض والتمييز ضد أهالي النقب

وإلى جانب إشهار شعار منع البدو من السيطرة على أراضي quot;الدولةquot; لجأت إسرائيل إلى تشريعات في القانون والتعقيدات الإدارية في قوانين التنظيم والبناء لإحكام سيطرتها على الأرض وحرمان أهالي النقب من حقهم بالمسكن، فقد اعتمدت الحكومة على قانون التنظيم والبناء من العام 1965 لتعلن عن مراكز تجمع عرب النقب بأنها مناطق زراعية وخضراء مما حول منازلهم وبيوتهم إلى غير قانونية ليبدأ مسلسل هدم البيوت في النقب منذ ذلك الحين. ويقول إبراهيم القيلي إنه يكاد لا يمر أسبوع في النقب دون هدم منازل عربية خاصة في القرى غير المعترف بها.

وفي هذا السياق تقول المحامية بانا الشغري بدارنة في مقالة لها على موقع جمعية حقوق المواطن في إسرائيل quot;إن حكومات دولة إسرائيل تحرم عشرات الآلاف من المواطنين العرب في النقب من ممارسة هذه الحقوق بحرية ومساواة، وتشترط المساواة في الحقوق بالتخلي عن الأرض وعن أسلوب الحياة القروي والبدوي. مستخدمة آليات مختلفة ومنها قوانين التخطيط. وهكذا استخدمت إسرائيل التخطيط اللوائي كآلية إضافية تهدف إلى تخليد التمييز ضد الأقلية العربية في إسرائيل في توزيع موارد الأرض وعلى الأصح التمييز في توزيع استخدامات الأراضي (للمسكن والزراعة والصناعة وغيرها). والأخطر من ذلك أن التخطيط - وبالأحرى الحرمان من التخطيط - يستخدم كآليّة تهدف إلى اقتلاع وتهجير السكان، عرب النقب، من قراهم وأراضيهم وتركيزهم في اقل مساحة ممكنة من أرض النقب، ليتم إسكان وتوطين مواطنين يهود على هذه الأرض بهدف quot;تطويرquot; أي تهويد النقبquot;.

وبحسب المحامية بانا الشغري بدارنة فإن أوجه التمييز والتحديات التي يواجهها عرب النقب : quot;كثيرة وأولها عدم إدراج عشرات القرى غير المعترف بها على أي خارطة مستقبلية. ففي الوقت الذي تخطط أذرع الحكومة المختلفة لتهويد النقب بواسطة مضاعفة عدد السكان اليهود في النقب في مخطط النقب 2015، وفي الوقت الذي تقرر فيه الحكومة والمؤسسات التخطيطية المصادقة وإقامة مزارع فردية ليهود وإقامة ودعم مستوطنات جديدة للمستوطنين الذين تم إخلائهم من قطاع غزة المحتل، فأن نفس المؤسسة التخطيطية تبخل علينا وتمنع إدراج قرانا على الخارطة والاعتراف بها على أراضيها. إن إدراج القرى على الخارطة يحتم تخطيطًا يعترف بالأرض كأرض مأهولة بسكانها ويمكن أهلها التمتع بحقوق حرمتهم إياها المؤسسات الحكوميةquot;.

وزارة تطوير النقب تعلن عن امتيازات جديدة للمستوطنين في النقب

في غضون ذلك نشرت الصحف الإسرائيلية، الثلاثاء، أن وزارة تطوير الجليل والنقب، ستطلق قريبًا خطة جديدة تهدف إلى تشجيع quot;الشرائح القوية والغنيةquot; في المجتمع الإسرائيلي، وخاصة كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي للانتقال للعيش في النقب، مع منح من ينتقل منهم تسهيلات وامتيازات ضريبية. وبحسب يديعوت أحرونوت فإن الهدف هو quot;تطعيمquot; مدن النقب وبلداته بشرائح اجتماعية قوية وغنية تحسن من صورة النقب ومن الانطباع السائد في إسرائيل أن سكان البلدات الإسرائيلية في النقب جلهم من سكان بلدات التطوير التي أقيمت في الخمسينات لاستيعاب المهاجرين اليهود من البلدان العربية وجميعهم ينتمون إلى شرائح اجتماعية واقتصادية ضعيفة، وبالتالي فإن انتقال شرائح سكانية من طبقات اجتماعية مغايرة سيحسن من صورة النقب وسيفتح آفاقًا جديدة لتطويره.