أجرى البروفسور جان فرنسوا سزنك قراءة حلل فيها موقف السعودية من الملف النووي الإيراني ومن الخطوات المزمع اتخاذها من قبل الولايات المتحدة، بعد سلسلة اللقاءات والمواقف التي جمعت الطرفين. فرأى أن أي هجوم عسكري أميركي ضد إيران خطأ حقيقي.

عواصم: اجتمع وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس بالقادة السعوديين أول من أمس لمناقشة برنامج إيران النووي والخطوات الواجب اتخاذها بشأنه. وتشاور غيتس مع الملك عبد الله وولي العهد الأمير سلطان وقادة سعوديين آخرين.

وحسبما جاء في صحيفة quot;the Saudi Gazettequot; السعودية فإن غيتس أخبر القادة السعوديين بأن جهود الولايات المتحدة لحل الإشكال مع إيران بطرق ديبلوماسية لم تحقق أي نتيجة وطلب مساعدة الملك في دعم العقوبات الاقتصادية ضد طهران. وقال متحدث باسم غيتس بعد انتهاء المشاورات مع القادة السعوديين: quot;نحن بالتأكيد نأمل أن يستخدم السعوديون كل تأثير لديهم وهو كبير جدًا في المنطقة والعالم لمساعدتنا في الجهود التي نبذلها في الأمم المتحدة لفرض عقوبات دولية مؤثرة ضد إيرانquot;.

وفي الشهر الماضي تحدث الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في مؤتمر صحافي بالرياض ضمه إلى هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية حيث قال: quot;العقوبات الدولية هي حل بعيد المدى، نحن ننظر إلى الأمر ضمن المدى القصير، نحن بحاجة إلى قرارات فورية بدلا من قرارات تدريجية لهذه القضيةquot;، وأضاف أن الرياض ترى أن quot;مجلس الأمن الدولي والدول الدائمة العضوية لها مسؤوليات خاصة في هذه القضيةquot;.

وجاء تعزيز الدفاعات الاميركية المضادة للصواريخ والاستعدادات العسكرية الأخرى في الخليج جنبًا إلى جنب مع ملاحظات رئيس القيادة الوسطى ديفيد بترايوس حول تحول جرى في quot;مسار الضغطquot; بما يخص التعامل مع إيران. ويذكّر ذلك بامكانيات القيام بهجوم استباقي على مواقع إيرانية لها علاقة بالبرنامج النووي الإيراني. غير أن القادة السعوديين عبّروا عن معارضتهم لأي حل عسكري للطموحات النووية الإيرانية. وهنا يطرح السؤال التالي: ما الذي تريد السعودية من واشنطن أن تفعله تجاه إيران؟

يقول البروفسور جان فرانسوا سزنك من جامعة جورج تاون إن quot;التشكّي من برنامج إيران المزعوم للأسلحة النووية وتحذير الولايات المتحدة، من القيام بأي هجوم ضد إيران في وقت واحد، مثير للحيرةquot;. يتفق سزنك مع وجهة النظر السعودية المعارضة للهجوم العسكري وهو يصيغ انطلاقا منها العواقب المترتبة على ذلك بالنسبة للولايات المتحدة. ونشرت مقالة سزنك quot; لماذا لا تساند السعودية القيام بهجوم ضد إيرانquot; والتي نشرت على مدونة quot;السباق من أجل إيرانquot;. وجاء فيها ما يلي:

quot; يعبر السعوديون عن رأيين متخالفين بما يخص إيران. الاول يرى أن على أميركا ألا تقوم ضمن أي ظروف أو أن تسمح لإسرائيل بضرب إيران. والثاني يقول إنهم متأكدون من قيام إيران بصنع أسلحة نووية. ويبدو أن السعوديين قلقون حول قيام الولايات المتحدة بعمل إسرائيلي أكثر من قلقهم من تمكن الإيرانيين من الحصول على أسلحة نووية. ولعل السعوديين لم يعبروا عن وجهة نظرهم بما فيه الكفاية لتغيير وجهات نظر كابيتول هيل (مبنى الكونغرس الأميركي) لكن السلطة التنفيذية الاميركية تعرف أكثر عن المخاوف السعودية من التدخل العسكري الأميركي في إيران.

يستطرد البروفسور سزنك قائلا: quot;لن يكون العمل العسكري خطأ واحدا بل سيقود إلى سلسلة أخطاء وهذا ما سيؤول إلى فقدان أميركا لنفوذها في العالم. أما العواقب الاقتصادية فستكون هائلة. فالقوة العسكرية ما عادت اليوم الأساس الحقيقي للقوة القومية في العالم المعاصر. فبعد اي مواجهة عسكرية مع إيران ستجد القوى الاقتصادية الجديدة، الصين والهند والسعودية ذات مصلحة مشتركة لتحجيم أميركا كي لا تقوم بإلحاق أذى لمصالحها. وفي التصرف وفق مصالحها المشتركة ستُدفع الولايات المتحدة إلى خارج آسيا والشرق الأوسط.

quot;فعلى الصعيد الاقتصادي سيؤدي أي هجوم أميركي على إيران إلى ارتفاع هائل لأسعار النفط سواء إذا تم إغلاق مضيق هرمز أم لم يغلق. إذ لو توقفت الصادرات الإيرانية فقط من النفط فإن ذلك سيدفع سعر البرميل الواحد منه إلى 150 دولارًا نتيجة إقصاء 3 ملايين برميل في اليوم من السوق وستصل أسعار التأمين إلى مستويات تشابه ما وصلته خلال الثمانينات.

وإذا تم إغلاق المضائق فإن سعر برميل النفط سيصل إلى 200 دولار بسبب توقف 16 مليون برميل في اليوم عن التصديرمن منطقة الخليج. ووفق هذا السيناريو سيكون بإمكان السعودية تصدير 5 ملايين برميل في اليوم عن طريق البحر الأحمر وهذا ما يجعل السوق يعاني من نقص يصل إلى 11 مليون برميل في اليوم. وخلال 18 شهرًا قد يكون ممكنًا بالنسبة لها أن تنصب خط أنابيب إلى خليج عمان ويلتف حول مضيق هرمز متجاوزا إياه، في الوقت الذي سيكون العراق قادرًا على إصلاح خطه الاستراتيجي شمال- جنوب المصدّر للنفط عبر البحر المتوسط. غير أنه حتى مع هذه الإجراءات ستظل الأسواق العالمية في حالة نقص لـ 6 ملايين برميل في اليوم والتأثير سيكون على اقتصادات آسيا التي تعتمد بشدة على النفط الخام من منطقة الخليج.

كذلك quot;يعارض السعوديون العمل الاميركي العسكري ضد إيران لقناعتهم بأن ذلك قابل لأن يطلق قدرا هائلا من الفوضى في المنطقة. فردا على الهجوم ستقوم إيران من دون أي شك بالترويج لعدم الاستقرار العنيف ودعمه بين السكان الشيعة في العراق والكويت والبحرين واليمن ولبنان بل حتى في السعودية نفسها. كذلك ستكون القاعدة البحرية الأميركية في البحرين هدفا سهلا للصواريخ الإيرانية. كذلك ستقع انتفاضات جماهيرية واسعة في بلد تتخندق فيه العائلة المالكة البحرينية أمام عناصر غاضبة من الأغلبية الشيعية.

وبالتأكيد سيقوي أي هجوم أميركي على إيران من ذراع المتطرفين السنة حتى إذا تطلب الأمر وقوع تحالف وقتي بين الجماعات الشبيهة بتنظيم القاعدة مع إيران. إضافة إلى ذلك فإن الهجوم سيؤول إلى هروب الرأسمال الخاص الذي يمر بمرحلة نمو حاليًا في المنطقة. وسيأتي الازدهار الاقتصادي في الجانب العربي من الخليج إلى نهايته وسيؤول ذلك إلى ارتفاع البطالة الواسعة مع إفلاسات واسعة تقود في نهاية المطاف إلى نهاية العالم كما هو معروف اليوم.

وعلى ضوء هذه الاعتبارات يمكن للمرء أن يفترض قيام السعودية باتخاذ اجراءات انتقامية ضد الولايات المتحدة لضرب إيران ndash; إجراءات قابلة لأن تكون ذات تأثير على الموقع الاستراتيجي والاقتصادي الأميركي. فالسعوديون يشعرون بالغضب لقيام أميركا بغزو العراق ودعم السياسة الإسرائيلية في الأرض المحتلة وعدم قدرتها على دفع إسرائيل للقبول بحل سلمي مع الفلسطينيين على ضوء خطة السلام التي طرحها الملك عبد الله. وأي هجوم على إيران سيكون شبيها بالقشة التي قصمت ظهر البعير، ليثبت أن التحالف القوي بين الولايات المتحدة والسعودية قابل للانتهاء بسرعة شديدة.

بالتأكيد سيعاني الشرق الأقصى وخصوصا الصين واليابان مباشرة من ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولارًا للبرميل الواحد، لكن الولايات المتحدة التي تعد اكبر مستورد للنفط في العالم ستجد زيادة لأسعار 12 مليون برميل تستوردها يوميا بمقدار 350 مليار دولار في السنة وهذا ما سيدفع أميركا إلى كساد اقتصادي عميق. في الوقت نفسه سيزداد دخل السعودية بمقدار 180 مليار دولار في السنة.

أما بالنسبة إلى الصين والهند فإنهما نتيجة ما سيترتب عليه الوضع سيصبحان شريكين اقتصاديين وطرفين وسيطين لدول الخليج، مهمِّشتين بذلك الولايات المتحدة ومقلصتين النفوذ الاميركي في هذه المنطقة الحساسة. كذلك يمكن للسعوديين أن ينتقموا من خلال اسواق المال الدولية فالسعودية تقبض ما يقرب من 500 مليار دولارمن أوراق مالية تعود للحكومة الأميركية على المدى القصير. والسعوديون لا يستثمرون في البورصات أو من خلال السندات المالية الخاصة بالشركات في الولايات المتحدة أو في أي مكان آخر من العالم.

لذلك فإنهم إن أرادوا إظهار عدم موافقتهم على ممارسات الولايات المتحدة فإنهم يستطيعون أن يقرروا بيع كل السندات المالية في الأصول الأميركية. لكن هذا غير متوقع أن يحدث بشكل مفاجئ لأن ذلك سيؤذي قيمة سنداتهم المالية نفسها. مع ذلك فإنهم يستطيعون أن يبدأوا بشراء الاوراق المالية الاميركية ثم البدء بتقليص سنداتهم المالية في الولايات المتحدة مثلما بدأت الصين تفعله الآن. ويستطيع السعوديون ان يبدأوا بتقليص اعتمادهم على الدولار عن طريق البدء بتسعير نفطهم بواسطة سلة عملات. وهذا سيكون له تأثير كبير على الاقتصاد الأميركي إذ لن تتمكن الولايات المتحدة من دفع قيمة ما تستورده من نفط عن طريق طبع النقود فقط.

قد لا تكون السعودية صاغت بشكل واضح سياستها تجاه الولايات المتحدة. وهي في الحقيقة تقوم بالشكوى من برنامج إيران المزعوم لبناء الاسلحة النووية ومن تحذير الولايات المتحدة من مغبة الهجوم على إيران، في الوقت نفسه. وهذا ما يجعل الولايات المتحدة في حالة حيرة شديدة.

مع ذلك فإن سياسة السعودية الحقيقية تجاه إيران قد تكون فعالة بفضل عدم وضوحها. فلعل السعوديين يراهنون على الفشل والفساد الاقتصاديين لإيران اللذين سيقودان إلى إضعاف نظام المرشد الأعلى آية الله علي خامينئي ألى النقطة التي تجعله غير فعال.

فالسعوديون يراقبون النخبة الإيرانية وهي تهرّب الملايين إلى دبي كل سنة، وهم يتابعون عدم قدرة إيران الكاملة لإنجاز أي من استثماراتها في مجال الطاقة سواء بما يخص حقول الغاز أو مصافي النفط أو المصانع البتروكيميائية الطموحة. وهم يشاهدون قدرا هائلا من تضييع الثروة في تغطية الكثير من السلع الشعبية. كذلك هم يراقبون فقدان إيران إمكانيات الوصول إلى التكنولوجيا الغربية التي تعد أساسية للتطور بحجم كبير لمصادر إيران الخاصة بالطاقة والتي تم التضحية بها على مذبح التطوير المحلي للتكنولوجيا النووية.

بصيغة أخرى، قد لا يكون السعوديون مقتنعين بأن إيران هي أسوأ أعدائهم وهي لن تكون قادرة على بناء سلاح رادع نووي من دون جعل نفسها من دون أهمية على المستوى العالمي أي أن تصبح كوريا الشرق الاوسط الشمالية.

لذلك فإنه وفق هذه الرؤية تصبح مواجهة إيران عسكريا وسيلة لتقوية النظام السياسي فيها، أما العقوبات الدولية فإنها قادرة على جعل الحكومة الإيرانية أكثر شعبية . لذلك فإن سياسة السعوديين هي عدم القيام بأي شيء وجعل الجمهورية الإسلامية تنهار على نفسها. بالطبع، قد يكون السعوديون راغبين باتخاذ خطوات تضعف الاقتصاد الإيراني هنا وهناك. لكنهم في الوقت نفسه لا يدعمون عقوبات دولية بحجم كبير حيث يكون ضلوع السعودية فيها واضحًا.

يمكننا أن نستنتج أنه من وجهة نظر السعودية ودول الخليج سيكون أي هجوم عسكري أميركي ضد إيران خطأ حقيقي. كذلك فإنه من زاوية النظر الأميركية سيكون أي هجوم تقوم به الولايات المتحدة ضد إيران ndash; أو حتى على يد إسرائيل- سيلحق الخراب غير القابل للإصلاح للمصالح الأميركية ووجودها في منطقة الخليج. كذلك سيضعف وبشكل درامي الاقتصاد الأميركي وموقع الولايات المتحدة المالي عالميا. مما يجعل الولايات المتحدة في أضعف وضع عالمي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.