ينقل زوار دمشق من السياسيين اللبنانيين، معلومات وأجواء، تعكس إستياء القيادة السورية من رئيس الوزراء سعد الحريري، وتكشف الأسباب المعلنة والمخفية وراء تأجيل زيارته الثانية إلى العاصمة السورية، حيث شكّلت الإتفاقات بين لبنان وسوريا، ودعم الحريري لحركة 14 آذار، والمحكمة الدولية المتعلّقة بمقتل والده، أبرز أسباب التأجيل.

إيلي الحاج من بيروت: ينقل زوار دمشق من السياسيين اللبنانيين، معلومات وأجواء إلى بيروت مفادها أن نوعًا من الإستياء لدى القيادة السورية حيال رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، فرض تأجيل زيارته quot;الرسمية والثانيةquot; للعاصمة السورية، بعدما كانت مقررة مطلع هذا الشهر، إلىموعد آخر لم يحدد بعد وتشوبه التخمينات.

فبعدما تردد إن الزيارة ستحصل بين 13 و14 نيسان/أبريل الجاري راج في الأوساط السياسيّة المتابعة أن هذا الموعد بدوره معرض لإحتمال التأجيل. أما أسباب quot;الإستياءquot; أو التحفظ السوري فأبرزها ثلاثة، يعود أولها المعلن إلى ما بدر من نية مع الإصرار من سعد الحريري وفريقه لتعديل اتفاقات لبنانية ndash; سورية عدة، وضعت في إطار quot;معاهدة الأخوة والتنسيقquot; الموقعة عام 1991 من رئيسي البلدين الراحلين حافظ الأسد والياس الهراوي، وذلك في حين يرفض الرئيس الحريري وفريقه تعديل اتفاق هبة أميركية لتجهيز قوى الأمن الداخلي اللبناني وتدبيره يتضمن وفق رأي حلفاء سوريا في لبنان مسًا بالسيادة اللبنانية، لا سيما أن في الإتفاق شروطًا يفيد أحدها بألا يكون في قوى الأمن اللبناني متعاطفون مع تنظيمات إرهابية، وهذه الصفة وفق التعريف الأميركي تشمل quot;حزب اللهquot; الذي يؤدي دورًا محوريًا في لبنان ويشارك في حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها الحريري.

وطبعًا يرد المؤيدون للحريري بألا مجال للمقارنة بين الإتفاقات اللبنانية ndash; السورية التي وضعت في حقبة معينة كانت فيها الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها خاضعة للوصاية السورية التامة، فجاءت لمصلحة دمشق في نقاط ومجالات عديدة، وبين إتفاق على هبة ومساعدات أميركية تتضمن شروطًا واحدة لا تتغير في نموذج (ستاندرد) لا يتعلق بلبنان وحده إنما يرد في كل اتفاق على مساعدات تعقده الولايات المتحدة مع أي بلد آخر، علمًا أن الحكومة كانت قد وافقت عليه بالإجماع . ويضيفون إن الإتفاقات اللبنانية ndash; السورية تحتاج إلى مراجعة للتأكد من التوازن فيها ومراعاة حاجات البلدين، وقد يكون بعضها لمصلحة أحدهما أكثر من الآخر، وربما تكون سوريا مغبونة في بعض هذه الإتفاقات، وفي كل الأحوال لن تكون تعديلات إلا بموافقة البلدين وليس من طرف واحد فقط ، ويجب أن يبحث فيها مسؤولون على مستوى المديرين العامين في وزارات البلدين قبل زيارة الحريري لدمشق وهذا لم يحصل بها .

يشار في هذا السياق إلى أن أربع وزارات فقط في لبنان وضعت ملاحظات على الإتفاقات التي تعنيها بين البلدين، في حين لا يزال الحريري ينتظر إنتهاء الوزرات الأخرى من وضع ملاحظاتها وتقديمها إليه. وواضح أن هذا التأخير له خلفيات سياسية.

أما السبب الثاني لـ quot;الإستياءquot; السوري غير المعلن فيعود إلى تمسك رئيس حكومة لبنان إلى حد الإلتصاق بحلفائه في قوى 14 آذار/مارس والقول في أحد خطبه إن لا شيء يفرقه عن حلفائه quot;حتى الموتquot;، وواضح إن اكثر المقصودين بالموقف السوري هي الأمانة العامة لهذه القوى، والتي تدأب بحركة متواصلة من النائبين السابقين سمير فرنجية وفارس سعيد وعدد من الشخصيات الحزبية الممثلة لمكونات فريق الغالبية ( إذا كان لا يزال كذلك) إلى جانب شخصيات مستقلة في إصدار مواقف وتنظيم نشاطات سياسية فكرية ndash; ثقافية لإبقاء quot;روح 14 آذارquot; حية على الرغم من كل التقلبات في الظروف والأوضاع.

كما أن أكثر المقصودين هو حزب quot;القوات اللبنانيةquot; برئاسة سمير جعجع الذي يتنكب مهمة التصدي للنفوذ السوري المتصاعدة عودته وتأثيره ظاهريًا في لبنان تحت ستار تفاهم سعودي- سوري يتجاوز لبنان بكثير ومسرحه الرئيس في العراق، حيث لم تستقر الأمور بعد على تسوية ثابتة. وتوقف القريبون من سوريا في السياق عند موقف الرئيس سعد الحريري الذي لم يسحب ممثله في الإحتفال الذي أقامه حزب quot;القواتquot; في quot;البيالquot; احتجاجًا على تعرض بعض المتكلمين فيه ، ولا سيما الإعلامية مي شدياق لمرحلة الوصاية السورية وسلاح quot;حزب اللهquot; ، خلافًا لما كانت عليه مواقف رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري وقائد الجيش العماد جان قهوجي الذين سحبوا ممثليهم في الإحتفال . يضاف إلى ذلك عدم حصول ضبط اعلامي وسياسي كامل فيquot; تيار المستقبل quot; نوابًا واعلامًا في مواضيع الموقف من القيادة السورية وقضايا الداخل اللبناني وفقًا للقريبين من دمشق.

وثمة سبب آخر للموقف السوري من الحريري لا يتطرق إليه زوار دمشق إلا همسًا، يتعلق بموقف الرئيس الحريري من المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري، بعد ما بلغه من اعتراضات مضمرة على تمنطق تغليب التمسك بالعدالة على حساب الإستقرار والتوافق والهدوء في لبنان، وقوله في بلغاريا قبل أيام إن الجيش والقوى الأمنية كفيلان التعامل مع من يخل بالإستقرار، وذلك في معرض جوابه عن سؤال يتعلق بما يمكن أن تؤدي إليه خطوات المحكمة المستقبلية.

في المقابل يلاحظ منظرو قوى 14 آذار، ولا سيما في أمانتها العامة أن الجانب السوري لا يزال غير جاهز لبناء علاقات طبيعية مع لبنان الدولة ، محكومًا في ذلك بـquot;نزعةquot; إلى استتباع الدولة الجارة والتدخل في شؤونها. وقد يرى الجانب السوري أن اللحظة الإقليمية، في ظل مخاض عسير على مستوى المنطقة، مؤاتية له لتحسين وضعه في لبنان. كما يلاحظون إن حلفاء سوريا الذين يسمونهم بفريق 8 آذار يملأ الساحة السياسية تصعيدًامتعدد الجوانب هذه الأيام: تصعيد ضد القرارات الدولية، المتعلقة بأمن الجنوب من جهة والمتعلقة بالعلاقات اللبنانية ndash; السورية والحدود بين البلدين من جهة ثانية،وتصعيد استباقي ضد المحكمة الدولية بذرائع شتى، وتصعيد في وجه مضمون طاولة الحوار والكلام المتعالي عن عدم الحاجة إلى الإجماع الوطني على موضوع سلاح quot;حزب اللهquot; أو quot;المقاومةquot;، وتصعيد في وجه حكومة الحريري عبر اختراع حركة مطلبية، وتصعيد في وجه إنتاجية الحكومة من داخلها، أي التعطيل، في حين يعطل هذا الفريق الإتفاق آلية التعيينات الإدارية والأمنية والتعيينات نفسها، والموازنة، كما يصعّد في وجه المرحلة السياسية السابقة على 7 أيار/ مايو 2008 التي سبقت اتفاق الدوحة وكذلك في وجه الرموز الـ14 آذارية، مما يؤديإلى إشاعة مناخ سياسي متوتر قد يكون أحد أهدافه استدراج الرئيس الحريري إلى طلب تدخل سوريا لحماية السلم والإستقرار في لبنان.