فاضل الخفاجي من كربلاء: بعد تشييد المنازل من وبر الحيوانات، والطين، ظهرت صورة جديدة لمنازل في عراق ما بعد 2003، وسرعان ما بدأت تنتشر في المدن العراقية. مواطنون يحملون الجنسية العراقية من أب وجد، يسكنون في منازل بنوها بأيديهم بتجميع أواني الصفيح وعلب الزيوت الفارغة والتي يطلق عليها quot;التنكquot; واحدة فوق الاخرى. ظاهرة تعود بالعراق الى ما بعد العام 1920، وليس في عام الفين وعشرة وفي بلد يملك اكبر احتياطي للنفط وميزانيات يطلق عليها quot;انفجاريةquot;.
ويجمع افراد هذه العوائل العلب الفارغة من القمامة شيئا فشيئا ثم يملاونها بالتراب ثم يصفونها على شكل مكعب هندسي اشبه بالغرفة ليتخذوها منازل لهم وهذه العوائل تسكن كربلاء منذ وقت طويل والبعض الآخر عوائل مهجرة من الرطبة.
خلف احدى معامل الطابوق في كربلاء quot;110 كلم جنوب بغدادquot;، منظر غريب، أطفال عراة وسط أكوام رمال الصحراء تملأهم الاوساخ، نساء يجمعن نباتات الصحراء quot;العاكولquot; بأيديهن لغرض طهي الطعام لعدم قدرة هذه العوائل على شراء الوقود، ويسكنون في منازل الصفيح في اجواء طقس صيف مقبل على العراق تصل درجة حرارته الى اكثر من quot;50 درجة مئويهquot;. تناست هذه العائلات هموم الطاقة الكهربائية وانقطاع الماء لانهم غير مشمولين بهذه الخدمة من الدولة التي تعتبرهم متجاوزين على الاملاك العامة لتشييد منازلهم الهاوية للسقوط على ارض تابعة لها.
عشرات الاسر تعيش واقعًا مريرًا ومزريًا تعاني منه أغلبية مرهقة متعبة من تراكم سنوات عجاف نتيجة تفاقم الحروب وتدهور الأوضاع الإقتصادية والسياسية والاجتماعية. ويعتبر العراق واحدًا من أغنى بلدان العالم في امتلاكه للنفط، يصعب علينا تصديق حقيقة أنّ الأكثرية من الشعب العراقي يعيشون بمستوى خط الفقر يصارعون الحياة من اجل البقاء... يجمعون من حاويات النفايات الصفائح المعدنية الفارغة ليبنوا بيوتًا من quot;التنكquot; في وسط الساحات المتروكة وفي أطراف المدن لتصبح مجمعات سكنية للمعدمين أطلق عليها اسم quot;حي التنكquot;.
فقد شاع هذا الاسم في اغلب المدن العراقية وفي العاصمة بغداد نفسها.. وفي اكبر حي يجمع اكثر من اربعة ملايين نسمة في مدينة quot;الصدرquot;، يوجد حي منازله مبنية من التنك فضلا عن انتشار الكثير من احياء التنك في أنحاء كثيرة من العاصمة يتألم كل من يراها ويردد مع نفسه بمرارة.. كيف يصح هذا ونحن بلد النفط..؟ نموذجان من الحياة يمكن ان تستخلصهما في العراق الجديد.. الاول تقوم دعائمه على ابنية حديثة وأجواء برّاقة.. اما المشهد الثاني فمجرد بؤرة من البؤس والحرمان.
وتؤكد احدى قاطنات حي التنك في كربلاء ام رياح quot;54 عامًاquot; في حديث معquot;ايلافquot; انها quot;ولدت في كربلاء من ابويين كربلائين بمنزل وسط المدينة، لكن الظروف المعيشية الصعبة ادت بها هي وابنائها الى ان تسكن ببيت بنته من الصفيحquot;. واضافت quot;لا نملك قوت يومنا فأولادي الاثنين معتقلين لدى الاجهزة الامنية العراقية منذ عامين بتهمة انتمائهم للمليشياتquot;، مشيرة quot;الحكومة بعيدة عنا ولا احد يذكرنا الا ايام الانتخابات حيث توزع علينا الهدايا العينية ويعدوننا بالكثير لكن لا نراهم بعد ذلك ابدًاquot;.
وناشد مختار الحي الحاج ناصر الخزعلي مسؤولي المحافظة الالتفات لمئات المواطنين في هذا الحي من اجل توفير متطلبات العيش البسيط لهم مؤكدًا quot;عدم وجود أي استجابة من دوائر الدولة لقضاء حاجات ومتطلبات أهالي هذا الحي الفقيرquot;.
واوضح الخزعلي معاناة العوائل من سوء خدمة الطاقة الكهربائية وعدم وجود خطوط نقل نظاميه إلى البيوت quot;فكل بيت يعتمد على نفسه وبطريقته الخاصة لايصال الكهرباء من الشوارع والأحياء القريبة إلى بيته عن طريق مد عشرات الأمتار من الأسلاك التي تحمل على أعمدة خشبية وحتى جذوع النخيل في بعض الأحيان مما يعرض الأطفال إلى حوادث صعق بسبب الأسلاك العشوائية الممتدة في كل مكانquot;. أهالي المنطقة طالبوا بإنشاء شوارع لهم إذ إن معظم هذا الحي المهمل عبارة عن بناء عشوائي وسط أكوام من النفايات والخردة.
المواطن ابو خليل quot;38 عامًاquot; عاطل عن العمل ويسكن داخل quot; خيمةquot; هو وزوجته قال ان quot;بيتي مكون من هذه الخيمة وتحاط بنا إطارات السيارات القديمة لتسترنا وتحمينا وندعو كل مسؤول في المحافظة أن يأتي إلى زيارتنا فقط ليطلع على حالنا وما نحن فيه ويحكم ضميرهquot;.
المواطن أبو مروه quot; 32 عامًاquot; أشار quot;إلى معاناة أخرى يعيشها سكان هذا الحي وهي شحة المياه الصالحة للشرب وعدم وجود أنابيب ماء واغلب استخدامهم للماء عن طريق شرائه من أصحاب الصهاريج الأهلية.
وكان للمواطن quot;ابو مقتدىquot; تساؤل أراد أن يحصل على جواب له قائلاً quot;حينا يبعد ما يقرب مسافة الف متر فقط عن بهو البلدية والذي انفق على بنائه مئات الملايين من الدنانير.. فلماذا لم تنفق هذه الاموال في تقديم الخدمات لنا ؟.. وهل ان بهو البلدية المقفل حاليًا إلا لكبار المسؤولين، هو أهم من عوائلنا الفقيرة؟quot;.
من جانبها اكدت الحكومة المحلية في كربلاء انها بصدد العمل على توفير قطع اراضي وشقق سكنية لتوزيعها على العوائل الفقيرة التي تعيش في احياء quot;التنك الهامشيةquot;. وابلغ مدير بلدية كربلاء احمد جبار راهي quot;ايلافquot; انه في نهاية العام 2010 ستوزع بلدية كربلاء شققا سكنية وقطع اراضي على جميع العوائل الفقيرة التي تسكن احياء عشوائية متجاوزة قانونيًّا على اراضي الدولة.
واضاف quot; اعدت البلدية بالتعاون مع مجلس المحافظة ودائرة الاسكان خطة لدراسة حالة العوائل التي تسكن هذه الاحياء التي انتشرت بشكل كبير في المدينة ووضع حلول لمعالجتها quot;. واوضح قائلا quot;ستتضمن الخطة توزيع قطعة اراضي واعطاء قروض ميسرة للبناء وتشيد دور لهذه العوائل ومن لا يمتلك منزلاً سوف تمنحه البلدية واحدًا خشبيًا متنقلاً quot;كرفانquot;.
التعليقات