غوردون براون وزوجته سارة في زيارة لمنطقة سكنية شمال انكلترا كجزء من حملته الانتخابية

لندن: اعترف رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون ليلة أمس بأنه quot;تراخىquot; في ضبط عمل البنوك عندما كان وزيرا للخزانة (من 1997 إلى 2007). وقال في تصريح لبرنامج quot;تونايتquot; على تلفزيون القناة الثالثة المستقلة quot;آي تي فيquot; إن البنوك quot;ظلت تطالب في التسعينات بإلغاء اللوائح الضابطة جملة وتفصيلا. وكان الرأي العام السائد هو أن البنوك يجب أن تترك حرة في ما تريد فعلهquot;.

وأضاف قوله: quot;الواقع أنه كان يتوجب علينا - داخليا ودوليا - الركون الى العكس تماماquot;. وأقر بأنه استجاب لتلك الضغوط بالتراخي إزاء البنوك بينما كان عليه أن يضع المصلحة العامة قبل ذلك، quot;لكنني تعلمت من التجربةquot; على حد قوله. ومضى يضيف: quot;تعلمت أنك لا تصغي لشكاوى الجهة المعنية بالأمر إذا كانت لا تتفق تماما مع المصلحة العامة. أنا أتعلم جديدا كل يومquot;.

ولم يكتف براون بهذا الاعتراف، وإنما أقر أيضا بأنه أخطأ بزيادة الضرائب باتخاذه قرار ما يسمى quot;ضريبة البنسات العشرةquot; التي قصد بها تخفيف الأعباء الضريبية على معظم العاملين لكنها صارت في الواقع مصدرا للأذى بالنسبة لشريحة الفقراء، لأسباب حسابية صرف.

وعلى الفور رد وزير خزانة الظل المحافظ، جورج اوسبورن، بقوله: quot;أخيرا يعترف غوردون براون بأنه فشل في ضبط عمل البنوك وبزيادة العبء الضريبي على الفقراء. لسوء حظه فقد اعترف متأخرا تماما. تكفينا 13 سنة من أخطائه الاقتصادية ولسنا بحاجة الى خمس سنوات أخرىquot;. ومن جهته صرح وزير خزانة الظل الديمقراطي الحر، فينس كايبل بقوله: quot;هذا الاعتراف لا يكفي لإصلاح الخطأ. لا يكفي أن ترفع يديك عاليا وتعتذر عن خطأ بدون أن تطرح البديل الذي يضمن أنه لن يتكررquot;.

والواقع أن الاعتراف بالخطأ، وإن كان فضيلة، فهو يأتي في الوقت الخطأ، على الأقل من ناحية الحسابات السياسية. فإقرار براون بأنه تراخى في التعامل مع البنوك مدهش كونه يتضارب مع إرجاعه أزمة البلاد الاقتصادية لانهيار سوق العقار الأميركية والكساد العالمي الذي تلاها. كما أنه يأتي في أوج الحملة الانتخابية الحاسمة وقبل ثلاثة أسابيع فقط من موعد الانتخابات في 6 مايو (ايار) المقبل. وهو مدهش أيضا لأن من المحتم له أن يؤثر سلبا على الاعتقاد السائد أنه كان بين أفضل وزراء الخزانة البريطانيين وربما الأفضل على الإطلاق.

فلماذا تبرع بهذ الذخيرة الغالية للمعارضة الرئيسية بشقيها الكبيرين quot;المحافظونquot; وquot;الديمقراطيون الأحرارquot;؟ ربما كان السبب يكمن في خلفية فضائح النفقات البرلمانية المدوية التي عصفت بالمؤسسة السياسية البريطانية منذ أن رفعت حجابها صحيفة quot;ديلي تلغرافquot; في سبتمبر (ايلول) الماضي، فقرر براون أن يتعلم من هذا الدرس وأن درب السلامة يكمن في الشفافية بغض النظر عن الثمن.

وربما قرر أن الاعتراف بالخطأ الآن، قبل البدء للمرة الأولى بريطانياً في المناظرات التلفزيونية بين زعماء الأحزاب الرئيسية الثلاثة، أفضل كثيرا منه في حال اضطراره للاعتراف به في أي منها. وربما قرر أيضا أن الاعتراف الآن، قبل ثلاثة أسابيع على يوم الانتخابات سيصبح طي النسيان مع حلول ذلك اليوم. ففي الغرب يقولون quot;الأسبوع السياسي زمن طويل للغايةquot;! وربما كانت المسألة هي كل هذه الاحتمالات مجتمعة.

ولكن، مهما يكن من أمر فلا شك في أن إقدام براون على شيء كهذا خطوة سياسية محسوبة من جانب مستشارين يعلمون أن كل كلمة ينطق بها زعيم الحزب تخضع للتمحيص والتحليل وخاصة في وقت الحملة الانتخابية الحسّاس. وفي هذا الاتجاه يتعين افتراض أن براون وافق على هذا الحوار التلفزيوني مع quot;آي تي فيquot; بسبب تصوره أن بوسعه أن يستغله لإظهار أنه quot;بشر يصيب ويخطئ ويتمتع بما يتمتع به الإنسان من عواطفquot;، وليس ما يقال من أنه أقرب شيء الى quot;الروبوتquot;.

فقد مضى للقول إن ما يسلب النوم من عينيه ليس كل ذلك وإنما وضع القوات البريطانية في أفغانستان. وأوضح ذلك بقوله: quot;ما يقلقني حقا هو أن كل قرار يتعلق بنشر القوات يتعلق أيضا بالأرواحquot;. ومضى الى نقطة أخرى تتعلق بشخصه فقال: quot;آمل الا أكون مخيفا في نظر الناس. فأنا على العكس تماما.. على استعداد دائم للاستماع الى همومهم ولمساعدتهم. أريد لهم أن يتأكدوا من انني عطوف عموما وحنون الى أقصى حد مع الأطفال خصوصا. أتمنى أن يذكرني الناس باعتباري مثل الأطفال الأعلىquot;.

ويمضي براون quot;الإنسانquot; الى القول إنه في الواقع quot;خجولquot;، ويختتم قائلا: quot;يدهشني أنني اخترت المجال السياسي رغم أنه لا يصلح مطلقا للخجولين. لكن ثمة مهمة سامية تقع على عاتقي وهي خدمة بلادي وخدمة هذه الأمة... فلا سبيل لأن يمنعني كوني خجولا من أن أسعى لتأديتهاquot;.

إذا عرف السبب...؟