واشنطن: أجرت إيلاف حديثاً مع الخبير في الشأن العراقي الدكتور لؤي بحري الذي أكد على ضرورة الوحدة الداخلية لتشكيل الحكومة العتيدة التي ستقود البلاد للمصالحة الوطنية، معتبراً القوة العسكرية للبلاد ليست هي المعيار الأساسي لقياس قوتها ولكن ارتفاع مستوى المعيشة والتعليم والصحة والعلاقات مع الدول الأخرى وخصوصا دول الجوار هي المعيار الحقيقي لقوة البلاد.

انتهت عملية فرز الأصوات في الانتخابات العراقية التشريعية واعلنت نتائجها في أواخر الشهر الماضي. انتخابات صوت فيها الملايين من العراقيين من الداخل والخارج. بدا فيها للعالم كيف أن العراقيين قادرين على التغيير بدون اللجوء إلى العنف. انتخابات أخذت اهتمام العالم أجمع، وأثمرت نتائجها عن فوز قائمة الكتلة العراقية بزعامة علاوي في المركز الأول تليها قائمة ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي في المركز الثاني وما أن انتهى الفرز حتى بدأ التناحر بين الأحزاب الفائزة لتشكيل الحكومة والذي لم يسفر عن شيء حتى الأن و تشكيل الحكومة العراقية يراوح مكانه.

ويقول الدكتور لؤي بحري أستاذ العلوم السياسية في جامعة فلوريدا في الولايات المتحدة الأميركية والخبير في الشأن العراقي quot;إن أهمية الإنتخابات التشريعية العراقية لهذا العام حدثت نتيجة توفر العناصر الجديدة فيها. فهذه الإنتخابات شهدت مشاركة السنة بشكل واسع كما وأنها استطاعت توحيد السنة والشيعة في كيفية اختيار الأنسب للعراق والشعب العراقي بدون الإلتفات إلى الإحزاب التي تغذي الطائفية. وأعطت مساحة أكبر لدور المرأة في الإنتخابات. كما وتم السماح لعراقي المهجر في أوروبا استراليا وأميركا للمساهمة في عملية التصويتquot;.

وحول ما يتردد من تزوير للانتخابات أعرب بحري عن اعتقاده quot;أن التزوير وارد أن يحدث في كل انتخابات العالم. وبلد كالعراق حديث على الإنتخابات وارد جدا أن يكون قد حدث تزوير، وإن حدث فمن الممكن أن يكون تم عن طريق أجهزة جلبت من الخارج وكانت مبرمجة بشكل معين وذلك كي تساهم في رفع نسب الفوز لدى حزب معين على الأحزاب الأخرى وذلك يدخل في نظرية المؤامرةquot;. ولكنه يعود ليؤكد على أن النتائج لابد وأن تكون نزيهة والدليل على ذلك النسب التي حصل عليها كل حزب لم تكن كبيرة ومتقاربة.

ويؤكد بحري بالنظر إلى الدستور العراقي وكيفية تشكيل الحكومة نرى أن النتيجة لم تحسم بعد. فلا يمكن اعتبار أي فائز فيها كون الفائز ستحدده الأيام وذلك بعد مقدرة حزبه على تشكيل حكومة متوافقة من جميع الكيانات السياسية. فالفائز هو السابق في القدرة على تكوين تحالفات مع جميع القوى السياسية الأخرى وضمها لحكومته. فالمادة الدستورية رقم 76 تنص على أن الكتلة الأكثر عددا هي من تشكل الحكومة. لذلك سارع إياد علاوي زعيم الكتلة العراقية فور الإعلان عن فوزه من أنه يجب البدء في المفاوضات مع جميع الكيانات السياسية لتشكيل حكومة قوية.

ويرى بحري أن فرصة تشكيل حكومة توافقية لن يكون بالسهولة والسرعة التي يتخيلها البعض، وأن هنالك على الأقل شهران لتشكيل تلك الحكومة وذلك كي تستطيع كل كتلة من أقناع القوى السياسية الأخرى بجدولها وضمها لها في الحكومة الجديدة مما يعني تكوين تحالف انتخابي مع أعضاء البرلمان الجديد. فالكيانات السياسية مرغمة على البحث عن حليف فالنظام النسبي لا يسمح لأى قائمة بتشكيل الحكومة لوحدها. ومن هنا ستتبلور النتيجة النهائية التي ستسفرعن الفائز الحقيقي. وهذا ما فسر بعد اعلان النتائج ارتفاع حدة التنافس بين علاوي والمالكي في الفترة الأخيرة لكسب ود الأحزاب الشيعية والأحزاب الكردية لضمها كتحالف لتكوين كتلة برلمانية.

والمتابع للإنتخابات يرى أنها جرت بتحضير جيد وشكل سريع ولكن بعد ظهور النتيجة الأولية أصبح هنالك تلكأ واضحا في كيفية تشكيل الحكومة لا يحسب لصالح البلد الذي يستمد قوته من تشكيل البرلمان. وهذا ما فسره بحري على العراق غير معافى بعد وأن هنالك أطراف سياسية أخرى خارج العراق تدخل في حسابات هذه العملية في إشارة منه للمحور الأمريكي ومحور الدول العربية والمحور الإيراني .

ويضيف بحري بأن المحور الإيراني يعد محورا كبيرا في العراق ويتمتع بنفوذ سياسي كبير، لذلك ليس من مصلحة العراق معاداته مما يعني أن المحور الإيراني له اليد الطولى والأقوى في العراق. وهو ما يفسر قيام الساسة العراقيين بالتوجه إلى إيران في الفترة الأخيرة وبعض دول الجوار العربي بشأن تشكيل الحكومة المقبلة، أما فيما يخص المحور الأميركي فالعراق لازال بلدا محتلا اميركيا والذي يمثل محورا مهما ولاعبا كبيرا في المنطقة.

وعلى الرغم من أن الوجود الأجنبي يتأهب للرحيل فهو لا يهمه من سيحكم العراق أو إن كانت الحكومة قوية أو ضعيفة بل أكثر ما يهمه أن يكون في قدرته المحافظة على مصالحه داخل العراق وقادر على التواصل معه وهذا فعلا ما كانت الحكومة الأميركية قد صرحت به بعيد أعلان نتائج الفرز واعتراض المالكي عليها وقالت أنها ستتعامل مع الرابح أيا كان ولن تعترض على النتيجة. ثم يضيف ولا يجب أن ننسى أن العراق يعاني من الإرهاب الذي يأتي من الداخل والخارج وقضايا التهجير والطائفية. أذاً فتشكيل الحكومة يتم في ظل تحديات كبيرة وهنالك إرث كبير من المشاكل العالقة على طاولة أي حكومة جديدة فالمسألة معقدة على حد تعبيره.

وكان العراقيون قد أظهروا تحولا ظاهرا في التفكير والقدرة على اتخاذ القرار بذهابهم إلى صناديق الإقتراع متحدّين التحذيرات والتهديدات التي وصلتهم لمنعهم من المشاركة في العملية الإنتخابية كما أن الفكر الجديد السائد بين العراقيين كافة في الداخل والخارج يؤكد أن التغييرسيتم من خلال صناديق الإقتراع. وهذا ما أكده بحري عندما قال ان العراقيين اليوم أكثر وعيا وعلى الرغم من الواقع المريرالذي يعيشه العراق اليوم إلا أنه ترسخت قناعة لديهم في الداخل والخارج بأن التغيير لن يتم إلا بالمشاركة في عملية الإنتخاب واختيار المرشح الأفضل الذي من الممكن أن يتم من خلاله تحقيق التقدم المنشود. وأن هنالك قدرة في المشاركة بصنع القرار.

وفي السياق نفسه يؤكد بحري أن التقدم في عملية تشكيل الحكومة لن يتم إلا من خلال المصالحة الوطنية وهي أولى الخطوات لبناء البلاد والخروج من النفق المظلم لإيقاف شلال الدم. لذلك فهو يناشد كافة الساسة العراقيين بالتوحد وتشكيل حكومة عراقية تقود البلاد للمصالحة الوطنية . وأن القوة العسكرية للبلاد ليست هي المعيار الأساسي لقياس قوة البلاد ولكن ارتفاع مستوى المعيشة والتعليم والصحة والعلاقات مع الدول الأخرى وخصوصا دول الجوار هي المعيار الحقيقي لقوة البلاد.

لذلك أعرب بحري عن اعتقاده بأن أي حكومة مقبلة ستتشكل ستواجهها مشكلات كثيرة أهمها تحقيق المصالحة وتعديل الدستور وقضية كركوك والعلاقات مع دول الجوار ومحاربة الإرهاب وتوفير الأمن والإعمار. ومن وجهة نظر بحري أن تعديل الدستور هو من أهم القضايا كونه الاداة التي تفوح منها رائحة البارود فكل التغييرات في العالم والصراعات السياسية حدثت باسم المطالبة بتغيير الدستور.