استفادت تركيا من التغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، وحاولت كسب عواطف ملايين المسلمين والعرب بعد موقفها الداعم لقطاع غزة الذي تفرض عليه إسرائيل حصارا مشددا، كما ان الحرب على العراق كانت بمثابة نقطة الإنطلاقة الأولى بالنسبة لتركيا في المنطقة.


نجحت تركيا في لعب دور فاعل بالمنطقة في ظل تراجع القوي المرجعية عن لعب دورها السياسي في ظل التوازنات العالمية التي فرضت نفسها بعد سقوط النظام العراقي السابق، وهو ما حرصت تركيا على استثماره في إطار سعيها نحو إستعادة نفوذها القديم بالمنطقة بعد فقدانها الامل في الإتحاد الاوروبي، لذلك لم يعد أمامها سوى البحث عن البديل المناسب الذي يمكنها من تحقيق أهدافها الإقتصادية والسياسية دون الإصطدام بقوى عالمية.

ومن ثم وجدت تركيا ضالتها في منطقة الشرق الأوسط، التي تحرص على تعزيز دورها في مختلف قضاياها بشكل فاعل، خصوصافيما يخص القضية الفلسطينية وتحديداً الحصار المفروض على قطاع غزة الذي ساهم في دعم نفوذها بشكل كبير، ولعل موقف رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي أثناء إنعقاد منتدى دافوس الإقتصادي في سويسرا حينما ترك الجلسة التي جمعته والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز غاضبا إحتجاجا على منعه من التعليق بوقت كافي على مداخلة مطولة لبيريز بشأن الهجوم الإسرائيلي على غزة، أكسب تركيا ثقة ملايين العرب والمسلمين في المنطقة والعالم، إضافة إلى موقفها الداعم لاسطول الحرية المتجه إلى قطاع غزة رغم التهديدات الإسرائيلية، بينما يقول التوجه الجديد لأنقرة أن العرب لا يملكون تصوراً واضحاً حول التفاعل مع الدور التركي و لو بحسابات الأمن الإقليمي.

الحرب العراقية
تعتبر الحرب العراقية وما خلفته من توازنات سياسية بالمنطقة نقطة البداية الاولى للإنطلاق التركي في المنطقة، حيث كانت تركيا آنذاك في مصاف الخاسرين جراء تلك الحرب، رغم عدم مشاركتها فيها ، غير أن تثبيت الكيان الكردي في شمال العراق شكل ضربة قوية للمصالح التركية في ظل طموحات الأكراد القومية التي تعمل على تهديد وحدة الأراضي التركية، حسب اعتقادات أنقرة، خاصة في جنوب شرق تركيا التي يشكل فيها الاكراد النسبة الاكبر بين السكان، إلى جانب ذلك شكل الكيان الكردي في شمال العراق منطقة عازلة امام امتداد نفوذ تركيا الإقليمي، في الوقت الذي لا تمتلك فية تركيا مداخل جغرافية إلى المشرق العربي سوى العراق وسوريا.

وأمام تلك التحديات قررت تركيا إستعادة نفوذها القديم بالمنطقة على المستويين السياسي والإقتصادي أمام تراجع آداء الدول الكبرى بالمنطقة وبالفعل إستطاعت أنقرة أن تسيطر إقتصادياً على منطقة الحكم الذاتي الكردية في العراق عبر امتلاكها جزء كبير من السوق المحلي في كردستان العراق التي تمثل تركيا بالنسبة لها المعبر الجغرافي لصادراتها من النفط مما يمنحها وسيلة ضغط فاعلة على الإقليم، وبذلك استطاعت تركيا إحكام سيطرتها الإقتصادية على كردستان من خلال تنشيط عمليات تصدير مختلف أنواع البضائع اليها وكذلك الإستثمار المباشر في مشروعات بنيتها التحتية، إلي جانب ذلك استطاعت تركيا أن تعمق علاقاتها مع مختلف القوى السياسية في العراق الامر الذي مكنها من التأثير في حسابات الجدوي الاقتصادية لمختلف الفصائل العراقية حتى أصبحت الطرف الثاني إلى جانب إيران في معادلات السياسة العراقية، وهي نتيجة تعكس تطوراً ملحوظا لدور تركيا الإقليمي.

و إعمالا بمبدأ اعداء الامس حلفاء اليوم حرصت تركيا على تعميق علاقاتها مع سوريا لإستعادة نفوذها بالمنطقة بشكل أكبر، رغم الازمة التي كادت تشعل الحرب بين البلدين عام 1999 بسبب إقامة الزعيم الكردي عبد الله أوج في دمشق، غير أن الوساطة المصرية آنذاك نجحت في نزع فتيل الازمة من خلال إبعاد أوج عن دمشق، وسرعان ما نجحت تركيا في توطيد علاقاتها مع سوريا بعد فتح الحدود بين البلدين في خطوة تعكس مدى التقارب في العلاقات الإستراتيجية ولم يتوقف النفوذ التركي في دمشق عند ذلك الحد، بل حرصت تركيا آنذاك على القيام بدور الوساطة بين دمشق وتل أبيب في خطوة تعكس إعترافاً بمكانة تركيا كمرجعية إقليمية في المنطقة، ولم تكتف تركيا بذلك بل سارعت إلي التوفيق بين سوريا والعراق إزاء حالات التوتر والإحتقان بين البلدين التي أفرزتها الحرب العراقية وبغض النظر عن نجاح الوساطة التركية من عدمه، فقد كانت تركيا ومازالت وسيطاً مقبولاً من الطرفين العراقي والسوري.

ومع إنخراط أنقرة في الملف الفلسطيني أفلحت تركيا في نسج شبكة من العلاقات والنفوذ في كامل المشرق العربي من العراق شمالاً وحتى غزة جنوباً، إضافة إلى إتفاقات التفاهم الإقتصادي بين تركيا ومجلس التعاون الخليجي وهي نتيجة إقليمية لم تتحقق منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923.

تأييد اميركي
في إطار ما سبق يمكن التأكيد بأن ما يدفع تركيا للعب دور فاعل بالمنطقة هو ما تمثله المنطقة ذاتها من مجال جغرافي وحيد في جوار تركيا يمكنها فيه لعب دور إقليمي دون الإصطدام بقوى عالمية، بالمقارنة بالقوقاز حيث النفوذ الروسي أو في ألبانيا والبوسنة حيث النفوذ الأوروبي، إضافة الى تراجع ادوار قوي بعينها عن لعب دورها السياسي في إطار التوازنات العالمية التي فرضت نفسها بعد سقوط النظام العراقي، إلى جانب ذلك نجحت تركيا في رسم سياستها الإقليمية بغطاء وتأييد من الولايات المتحدة الأميركية بإعتبارها ثقلاً موازياً للدور الإقليمي الإيراني الذي لا ترضى عنه أميركا، إضافة إلى ذلك إستثمرت تركيا صورتها الإيجابية لدى قطاعات عربية عديدة وتوافر التاريخ المشترك و التقارب الثقافي والحضاري بينهما ، وهو ما ساعد تركيا على عدم الظهور بمظهر الدولة الوافدة إلى المنطقة دون مقدمات، فجذور علاقاتها مع مصر ترجع إلى القرن التاسع الميلادى عندما تم تعيين أحمد بن طولون والياً على مصر عام 868 ، ثم جاء الاحتلال العثماني لمصر والذى شغل حيزاً ضمنياً من تاريخ مصر لأربعة قرون كان لها بالغ الأثر على جميع أوجه الحياة فى مصر.

وتشهد العلاقات الإقتصادية بين مصر وتركيا نمواً كبيراً ، ففى عام 2006 تم تخصيص مليوني متر مربع كمنطقة صناعية تركية فى مصر بهدف زيادة حجم الاستثمار بين البلدين .

وفي إطار ذلك تشكل الدول العربية سوقا مهما للصادرات التركية التي تحظى في المنطقة برواج كبير لا تحظى به في السوق الأوروبية ،كما تشكل الدول العربية بما تملكه من إحتياطات نفطية عامل جذب لتركيا التي يتزايد الطلب فيها على النفط والغاز لعاملين أساسيين هما تعاظم قدرات الإقتصاد التركي وطموح تركيا لكي تصبح معبراً لإمدادات الطاقة إلى أوروبا بما يعزز وضعيتها الإستراتيجية، إضافة إلى مصالح تركيا الأمنية فلعب دور إقليمي في المنطقة يعني المشاركة في تحديد الأجندة الإقليمية والوصول بخطوط الدفاعات التركية إلى أبعد نطاق ممكن من الأراضي التركية، فتاريخياً عانت تركيا من العمليات الارهابية سواء على خلفية سياسية كالمشكلة الكردية أو على خلفية إيديولوجية مثل عمليات الجماعات الدينية المتشددة التي تنشط في دول جوارها الجغرافي.

وفي سياق متصل شهد الإقتصاد التركي تراجعا ملحوظا قبل إستلام حزب العدالة والتنمية الحكم بسنوات قليلة، غير أنها تمتلك الأن واحداً من أهم الاقتصادات النامية في العالم، الذي يحتل المرتبة الخامسة عشر عالميا، إضافة لكونه مرشح للدخول ضمن دائرة العشر الأوائل خلال السنوات القليلة القادمة، علما بأن تركيا دولة غير منتجة للنفط بل ويشكّل ذلك عبئا كبيراً عليها لاسيما في ظل الإرتفاع الهائل لأسعار النفط على مدار الاعوام الثلاث الماضية ، و رغم ذلك فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي وفقا للأرقام الرسمية التركية عن تلك الفترة حوالي 663 مليار دولار أو ما يوازي 887 مليار دولار، وتبلغ الصادرات التركية التي يغلب عليها الطابع الصناعي حوالي 107 مليار دولار.

وتعتبر المملكة العربية السعودية من أبرز الشركاء التجاريين بين البدان العربية لتحتل المرتبة الثانية عشرعالميا تليها دولة الإمارات العربية المتحدة ثم العراق والجزائر ومصر.

أردوغان وقلوب الاتراك
نجح رجب طيب أردوغان في الوصول الي قلوب الاتراك بشكل سريع بعد نجاحه في إدارة الازمات الداخلية التي تواجه بلاده بما يتوافق مع عدد كبير من التيارات السياسية والفكرية، إضافة الى نجاح حزبه في النهوض بالمستوي الاقتصادي للبلاد.
ولد اردوغان في 26 فبراير 1954 في اسطنبول لأسرة من أصول جورجية، أمضى طفولته المبكرة في ريزة على البحر الأسود ثم عاد مرة أخرى إلى اسطنبول و عمرهُ 13 عاماً، حيث نشأ في أسرة فقيرة عانت من اجل تربيته وهو ما يفخر به اردوغان عند الحديث عن نشأته وهو ما دعاه للقول خلال مناظرة تلفزيونية مع دنيز بايكال رئيس الحزب الجمهوري
quot;لم يكن أمامي غير بيع البطيخ والسميط في مرحلتي الابتدائية والإعدادية؛ كي أستطيع معاونة والدي وتوفير قسم من مصروفات تعليمي؛ حيث كان والدي فقيرًاquot;

أتم اردوغان تعليمه في مدارس quot;إمام خطيبquot; الدينية ثم في كلية الاقتصاد والأعمال في جامعة مرمرة ومالبث الا والتحق بالعمل السياسي بعد انضمامه إلى حزب الخلاص الوطنى بقيادة نجم الدين أربكان في نهاية السبعينات، لكن مع الإنقلاب العسكرى الذى حصل في 1980، تم إلغاء جميع الأحزاب، وبحلول عام 1983 عادت الحياة الحزبية إلى تركيا وعاد نشاط أوردغان من خلال حزب الرفاه. خاصةً في محافظة إسطنبول. و بحلول عام 1994 رشح حزب الرفاه أوردغان إلى منصب عمدة أسطنبول، واستطاع أن يفوز في هذه الانتخابات خاصة مع حصول حزب الرفاه في هذه الانتخابات على عدد كبير من المقاعد.

وفي عام 1998 اتهم اردوغان بالتحريض على الكراهية الدينية تسببت في سجنه ومنعه من العمل في الوظائف الحكومية ومنها الترشيح للإنتخابات العامة بسبب اقتباسه أبياتا من شعر تركي أثناء خطاب جماهيري قال فيه مساجدنا ثكناتنا ،قبابنا خوذاتنا ،مآذننا حرابنا والمصلون جنودنا ،هذا الجيش المقدس يحرس ديننا ولم تثن هذه القضية اردوغان عن الاستمرار في مشواره السياسي بل نبهته هذا القضية الى أن الاستمرار في هذا الأمر قد يعرضه للحرمان للأبد من السير في الطريق السياسي كم حدث لأستاذه نجم الدين أربكان فاغتنم فرصة حظر حزب الفضيلة لينشق مع عدد من الأعضاء منهم عبدالله غول وتأسيس حزب التنمية عام 200 الذي تولي رئاسته وفي 14 مارس 2003 تولي اردوغان رئاسة مجلس الوزراء التركي.