محلل: نقص الأموال لن يعيق القاعدة عن تنفيذ عمليات نوعية |
لجأ تنظيم القاعدة في العراق إلى اتباع أساليب جديدة وعلى رأسها تغيير قواعد السلوك والممارسات الحياتية اليومية ووصل الأمر إلى تغيير اللباس بهدف الوصول إلى الأهداف الجديدة وتحقيق اختراقات لا يمكن للقاعدة أن تحققها ضمن قواعد جديدة.
وسط استمرار الصراع بين القوى الأمنيّة العراقيّة وتنظيم القاعدة وخصوصًا في الآونة الأخيرة مع ازدياد الخروقات الامنية للتنظيم ومسلحي دولة العراق الاسلامية المرتبطة بها، فإن هذه الاختراقات قد نجحت بسبب استخدام التنظيم لأساليب مراوغة وتمويه وتبديل جلد عناصرها ابتداء من السلوك الى الملبس وبشكل يؤكد على ممارسة وتجربة في التعامل مع القوات العراقية والاميركية حيث شكلت عملية السيطرة على البنك المركزي بوسط بغداد المحمي بقطعات عسكرية ونقاط تفتيش مخاطر حقيقية من استهداف عصب العراق الرسمي والامني والدبلوماسي في المنطقة الخضراء .
واعتبرت عملية اقتحام البنك المركزي خرقًا كبيرًا للخطة الأمنية المطبقة في العاصمة العراقية إضافة إلى أنها تشير إلى عودة المجاميع المسلحة الى إتباع أسلوب التمويه في عملياتها الارهابية عبر استخدام السيارات التابعة للأجهزة الأمنية والزي العسكري في مؤشر خطير يذكر بالحوادث التي حصلت إبان عامي 2006 و2007.
مساعد قائد القوة التي استعادت البنك المركزي يتحدث لايلاف
وفي اتصال هاتفي لـquot;ايلافquot; مع مساعد قائد القوة العسكرية العراقية لمكافحة الارهاب التي استعادت السيطرة على البنك المركزي الرائد أحمد محمد صالح فقد كشف عن ملابسات هذا الحادث وتداعياته . يقول الرائد صالح ان المسلحين الذين سيطروا على البنك كانوا خمسة مسلحين ولم يصلوا الى البنك في سيارات عسكرية كما ذكرت تقارير وانما هم استاجروا شقة مقابلة لمقر البنك منذ سبعة اشهر ودرسوا المنطقة بدقة وتعرفوا على مناطق الضعف في التحصينات حوله والتي يمكن استغلالها للاندفاع الى داخله .
واضاف ان المسلحين كانوا يرتدون ملابس تحمل رتبًا عسكرية واستطاعوا بذلك الدخول الى البنك بسهولة ثم قاموا بأخذ حوالي مائة موظف الى الطابق الثاني كرهائن . واشار الى ان القوة العسكرية المحيطة بالبنك استنجدت طالبة طائرات فجاءت هذه وانزلت حوالي 20 مظليا على سطحالطابق التاسع العلوي للبنك . وقال انه عند النزول الى الطابق الثالث جاء مسلح من المهاجمين يرتدي ملابس ضابط برتبة نقيب فطلب منه التوقف على لكنه رفض فاطلق النار على ساقيه فلجأ الى تفجير نفسه بحزام ناسف كان يرتديه .
واشار الى انه عند النزول الى الطابق الثاني حيث الرهائن قام مسلح اخر يرتدي ملابس ضابط تخكل رتبة ملازم ثاني ففجر نفسه ايضا بحزام ناسف مما ادى الى مقتله ومصرع 18 شخصًا من الرهائن واصابة حوالي 40 اخرين . واوضح ان مسلحًا ثالثًا فجر نفسه عندما حوصر وقتل الرابع ايضا اما الخامس فقد القى بنفسه على خزان للوقود وفجرها بحزامه الناسف مما اشعل حريقًا كبيرًا استمر لعدة ساعات نتيجة انفجار الخزان .
محلل استراتيجي يشرح اساليب الاختراقات الامنية للقاعدة
quot;ايلافquot; توجهت ايضا الى المحلل العراقي الاستراتيجي ابراهيم الصميدعي لتسأله فيما اذا كنت عملية القاعدة في السيطرة على البنك المركزي تستهدف الحصول على اموال بسبب جفاف التمويل المادي لها فقال ان القاعدة ليست بهذه السذاجة لتفكر باخراج أموال من البنك المركزي من خلال 5 او 50 عنصرًا في حين قد تستغرق معالجة القاصات الحصينة فقط أكثر من 24 ساعة وامتلاك تقنيات من المستحيل أن تستطيع هذه العناصر إدخالها الى البنك بهذا التواجد الامني الكثيف داخل وحول محيط مقره .. وحتى لو إفترضنا إن كل ذلك قد تم فإن نقل الاموال خارج أسوار البنك المركزي لامتار سيكون هو المستحيل بعينه.
ووصف العملية بانها نوعية ومدروسة بعناية هدفها ارباك المؤسسة الامنية والعسكرية والبحث عن إنتصار دعائي بعد أن طوقت كتل الكونكريت كافة الاهداف المحتملة بعد ضرب مبنى وزارة الخارجية مبالصيف الماضي وكان ذلك سيحدث باكبر مما خطط له لولا تدخل الفرقة الذهبية لجهاز مكافحة الارهاب عالي التدريب والكفاءة على ايدي القوات الاميركية لكن هذا الاسلوب المبتكر ينذر بالتأكيد بتغير نوعي في عملية التنظيم .
وردًا على سؤال عن الكيفية التي سيستطيع فيها التنظيم مستقبلا مواصلة عملياته النوعية هذه وسط الاجراءات الامنية المشددة المتخذه وخسائره الاخيرة قال الصميدعي quot;لا أعتقد أن ألتنظيم يمتلك إستثمارات طويلة الاجل في العراق وبالتأكيد هناك فقدان مستمر للموارد المحلية للتنظيم مع الاخذ بنظر الاعتبار أن التنظيم بدا معتمدًا أخيرًا على تقنيات وتسليح أحدث وأكثر تقدمًا من المخلفات التسليحية للنظام السابق لذلك سيعتمد التنظيم على مبدأين الأول: هو التكيف على واقعه الجديد للمطاولة مع المراهنة على أكثر من متغيرداخلي وخارجي وقد ينتهي التنظيم الى إستخدام وسائل وتكتيكات جديدة لصناعة الموت كما هو موجود في دول مستقره امنياً وسياسياً بشكل كامل كالمملكة العربية السعودية واميريكا والمملكة المتحدة أو سيركز على الدعم الخارجي طبقاً لأجندات المحاور الأقليمية في تشكيل الحكومة العراقية القادمة من جهة ونتائج التصعيد بين إيران والمجتمع الدولي بناء على الملف النووي الايراني من جهة اخرى .. أربع سنوات قادمة مع تراجع الدور الاميركي في العراق تكفي التنظيم المحلي والعالمي لالتقاط انفاسه في العراق ورسم خارطة طريق لما بعد ذلك .
اصطياد الضحايا
وعن الاساليب التي تتم بها اختراقات القاعدة هذه اشار المحلل الاستراتيجي الصميدعي الى ان غياب مفهوم الدولة العادلة حتى هذه الساعة من عمر العملية السياسية في العراق الجديد يسمح للتنظيم بإصطياد ضحاياه بشكل مدروس بالاضافة الى ان السلفية الجهادية هي أقرب الى كونها حتمية تأريخية لما بعد إنحسار المد القومي العربي وهي وفرت أصلاً موئلاً بشريًا وفيرًا لهذا التنظيم المتطرف ، لكن التنظيم محترف ايضاً في ممارسة وسائل التجنيد بالطرق الاستخبارية التقليدية المعروفة يساعده في ذلك هيكليته التي لا تجعل كل إعضائه مشاريع إنتحار وإنما مستويات عمل متعددة قد يكون منها جمع المعلومات وتحليلها وعناصر أمن إدارة التنظيم وصرافين وتجار ومقاولين الى نهاية قائمة طويلة من مستويات العمل في التنظيم.
وعما اذا كانت القوات العراقية لمواجهة اختراقات القاعدة واسليبها الجديدة لتنفيذ هذه الاختراقات قال ان ان القوات العراقية للاسف تعمل بطريقة مسك الارض وهي لاتزال جامدة عند اللحظة التي قرر فيها الجنرال ديفيد بيترايوس نشر جيشه في العراق بالكامل في مخافر متقدمة على مساحة خارطة العنف للسيطرة على العنف الاهلي لتوفير المجال للحاضنة السنية للانقلاب على القاعدة وتوجيه قوته العسكرية لاحقاً الى المجاميع الشيعية المتورطة في العنف الاهلي كما ان عملية الانتشار تلك كانت تهدف فيما تهدف اليه هو مراقبة اداء القوات العراقية التي كانت متورطة على نطاق واسع في المشاركة او التستر على العنف الاهلي فالقوات العراقية تتصرف وكأنها حررت تواً مدينة من قوات أخرى وعليها أن تمسك الارض بانتشار عسكري كثيف وواسع ونصب الآلالف من نقاط التفتيش التي تعيق حركة المرور وترهق المارة اكثر مما تحفظ الامن.
واكد وجود غياب إستخباري واسع .. واوضح ان الاستخبارات حرفة تراكمية لايمكن ان تعد بعام او عامين او 10 او تخريج دفعة او دفعتين من كليات الشرطة والجيش .. العراق إن لم يتجاوز سياسية الإجتثاث والتشكيك ولم يستفد مما تبقى من الكفاءات الاستخبارية المهمة التي بنيت عبر عقود منذ تأسيس الشرطة السرية مع تأسيس الدولة العراقية نفسها فإن المبادرة الاستخبارية ستبقى بيد القاعدة والتنظيمات المتطرفة وان الحرب معها ستطول اربعة اضعاف ما يقدر لها من وقت من استنزاف نفسها كظاهرة لذلك من المستبعد ان تستطيع مؤسسة شابها ويشوبها (مع عظم تضحياتها) الكثير من التجذابات السياسية وتعاني نقصًا هائلاً في المنظومة الاستخبارية والتسليحية وقف مثل هذه العمليات فلولا تدخل سرية واحد من الفرقة الذهبية لجهاز مكافحة الارهاب عالية التدريب في حادثة اقتحام البنك المركزي لكانت نتائج العملية فاقت مستوى تخطيط وطموح االقاعدة بمراحل.
أسباب وأساليب الاختراقات الامنية
وكشفت قيادة عمليات بغداد وجود معلومات استخبارية دقيقة تفيد ان قادة تنظيم القاعدة الجدد يخططون لاستهداف الأماكن الحيوية من العاصمة بغداد بهدف إثبات الوجود. وقال المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد قاسم عطا إن الأجهزة الأمنية تلقت معلومات من مصادر رسمية تفيد بوجود نوايا لتنظيم القاعدة ولقادته الجدد بشن عمليات إرهابية تستهدف الأهداف والأماكن الحيوية من العاصمة بغداد . وكان تنظيم دولة العراق الإسلامية التابع لتنظيم القاعدة اعلن الاسبوع الماضي مسؤوليته عن عملية اقتحام البنك المركزي العراقي وسط بغداد مؤكداً أن العملية أسفرت عن تدمير الأهداف المحددة داخل البنك.
ويشير مراقبون إلى أن تنظيم القاعدة في العراق دأب في الآونة الأخيرة على تغيير مخططاته وآلية عمله التي يعتقد انه بدأها مع الإعلان في الرابع عشر من الشهر الماضي عند تعيين الناصر لدين الله أبو سليمان وزير حرب جديد له بدلا من أبو أيوب المصري الذي قتل مع زعيم القاعدة في العراق خلال عملية عسكرية عراقية أميركية مشتركة وهدد التنظيم في بيان له بشن حملة جديدة تستهدف المفارز الأمنية والعسكرية العراقية ردا على مقتل زعيميه متوعداً بشن المزيد من العمليات وسط مخاوف من هجوم على المنطقة الخضراء بوسط بغداد ومركزها الامني والرسمي والدبلوماسي .
والمنطقة الخضراء هو الاسم الشائع للحي الدولي في بغداد وأنشأتها القوات الاميركية بعد دخولها بغداد في اذار (مارس) العام 2003 وتبلغ مساحتها 10 كيلومترات مربعة وكانت تضم القصر الجمهوري وعدداً من قصور الرئيس السابق صدام حسين. ويثير تسلم القوات العراقية أمن المنطقة أخيرًا المخاوف من امكان تسلل السيارات المفخخة والانتحاريين بعد ان اقتصرت اعمال العنف التي طالتها في السابق على القصف الصاروخي وما يعزز المخاوف هو عدم ضمان ولاء الأجهزة الخاضعة لنفوذ الأحزاب فيما كان الجيش الاميركي يعتبر عنصرًا محايدًا بين السياسيين المتصارعين.
فوضى مؤسسات الدولة وعدم التنسيق بين الاجهزة الامنية
وعزا مسؤولون ومحللون عملية اقتحام البنك المركزي الى فوضي مؤسسات الدولة التي يشهدها العراق حاليا جراء عدم تشكيل الحكومة العراقية .
واكد نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي اهمية اعادة النظر في الخطط الامنية وتبني نظرية امن متكاملة تعتمد اساسًا على الجهد الاستخباراتي المتطور وعلى التنسيق الجيد والعالي بين الاجهزة الامنية . وقال في بيان صحافي تلقت quot;ايلافquot; نسخة منه quot;ان كثافة تواجد القوى الامنية المسلحة وتنوعها وعدم وجود التنسيق المطلوب بينها مع وجود عناصر متعاونة مع العصابات الارهابية هو من اهم العوامل التي تساعد الارهاب على اختراق الاجهزة الامنية ونقاط السيطرة مما يؤدي الى ايقاع الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيينquot;. ودعا الى إعادة النظر في الخطط الامنية وتبني نظرية امنية متكاملة تعتمد اساسًا على الجهد الاستخباري المتطور وعلى التنسيق الجيد والعالي بين مختلف الاجهزة الامنية ، وعلى اشراك ابناء الشعب في معركة التصدي للارهاب واعتماد الاساليب الحديثة في مواجهة العدو مع الاستمرار في تطوير عمل واداء ومستوى افراد القوات المسلحة والاجهزة الامنية.
القاعدة في العراق تحلق لحيتها وترتدي الجينز
ويؤكد ضابط رفيع المستوى في غرفة عمليات محافظة الانبار الغربية أن quot;عناصر التنظيم خلعوا ملابسهم التقليدية وحلقوا لحاهم وأصبح العنصر منهم يرتدي الجينز وقميصا مليء بعبارات من أغاني الهيب هوب وصور الفنانين وحلقوا رؤوسهم بشكل يدل على أنهم أبعد ما يكون عن الدين والتدين والقتالquot; .
وقال ان quot;من يراهم الآن يقول دريد أو سرمد وابن ماماquot; وتابع الضابط الذي طلب عدم الكشف عن اسمه قائلا لوكالة السومرية نيوز إن quot;عناصر التنظيم قرروا إلغاء نظام البيعة الاعتيادية لزعمائهم الجدد إذ كانوا في السابق يعتمدون على منهج شرعي يقوم على مبايعة القائد الجديد وجها لوجه، من خلال وضع اليد على اليد، لكنهم اليوم استغنوا عن تلك البيعة التطبيقية بأخرى نظرية عبر الموبايل أو الرسائل البريدية عبر الانترنت بعبارة (بايعتك على الحل والحرب والله على ما نقول شهيد)quot;.
ويؤكد الضابط أن quot;عناصر القاعدة يتفوقون على الأجهزة الأمنية في مجال الاستخبارات إذ نجحوا في زرع عناصرهم بالجسد الأمني العراقي ويعملون على تسريب المعلومات عن عمليات الدهم قبل حدوثها بساعات في كثير من الأحيان وبالمقابل لا تمتلك الأجهزة الأمنية سوى مصادر قليلة وليس لها قابلية على التوغل داخل رأس القاعدة الأكبر أو غرف اتخاذ القرارquot;.
واضاف الضابط قائلا أنهم quot;يستعلمون سياسة أو خطة الحبل المقطع فإذا ما تم اعتقال أحد عناصره لا يمكن إلا اعتقال أفراد قليلين ضمن دائرة عمله ونصل إلى نهاية الحبل حيث نجدهم يتلقون الأوامر من شخصيات بأسماء وهمية وأماكن مختلفة غير مستقرين فيها وهذا أسلوب جديد اتبعوه بعد اغتيال قادتهم الكبارquot;.
يذكر ان الملف الأمني في بغداد والمدن العراقية الأخرى بعد انسحاب الجيش الأميركي يدار حاليا من قبل قيادات عمليات تسيطر على عمل الجيش والشرطة في تلك المحافظات ويشرف عليها بشكل مباشر مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة الفريق فاروق الاعرجي وبموجب الدستور العراقي فان رئيس الوزراء يعد القائد العام للقوات المسلحة فيما يعد وزير الدفاع نائبا له.
ولدى العراق حاليا أكثر من 800 ألف عنصر امني في الجيش والشرطة حيث يتكون الجيش العراقي الحالي من 14 فرقة عسكرية موزعة على ثلاث قيادات (برية وجوية وبحرية) لكن أغلبها فرق مشاة يقدر عديد أفرادها بأكثر من 300 ألف .. فيما يقدر عدد منتسبي وزارة الداخلية بحوالي نصف مليون منتسب يتوزعون على عدة تشكيلات أمنية هي الشرطة الاتحادية وهي قوة عسكرية تتكون من ثلاث فرق تضم كل واحدة منها عشرة آلاف جندي مجهزة بلواء مدرع فضلا عن أفواج الطوارئ ولواء الرد السريع . كما يتكون جهاز مكافحة الإرهاب المرتبط بمكتب رئيس الوزراء العراقي من عشرة آلاف جندي وهو جهاز يضم عددا من الوحدات الخاصة القادرة على مكافحة التمرد.
التعليقات