تطلّ لجنة القيم البرلمانية بمجلس الأمة مجددًا على السّاحة السياسيّة في الكويت بعد أن أثارت حادثة إعتداء نائب في المجلس على وزير الصحة الكويتي جدلًا واسعًا. ففي الوقت الذي يرى فيه بعضهم أنها ضرورية لتنظيم سلوك النواب، لم تحظ الفكرة بإهتمام آخرين.

شهد الأسبوع الماضي واقعة محاولة إعتداء أحد النواب بمجلس الأمة على وزير الصحة الدكتور هلال الساير نتيجة عدم تمريره معاملة سفر علاج بالخارج إلا من خلال اللجنة المشكّلة بوزارة الصحة المختصة بذلك، وقد أحدثت هذه الواقعة ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية والشعبية.

على الصعيد الرسمي رفض رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الموافقة على معاملة النائب عندما قدمها لإعتماد السفر للخارج بعد حدوث هذه الحادثة، أما على الصعيد الشعبي فأصدرت الجمعية الطبية الكويتية بيانًا يدين ما حدث. وقد حدثت هذه الواقعة خارج قاعة عبدالله السالم في أحد أروقة مجلس الأمة، الأمر الذي دفع بالوزير الى رفع دعوى قضائية ضد النائب سينظرها قصر العدل خلال الفترة القادمة. وكانت شهدت الفترة الماضية خلافات وإتهامات وسب وقذف بين بعض النواب على هامش مواقفهم السياسية من الإستجوابات الاخيرة التي قدمت ضد الحكومة، وتنظر أيضًا المحاكم الكويتية في دعاوى قضائية لنواب ضد بعضهم البعض، كما قام بعض الوزراء برفع دعاوى قضائية ضد بعض النواب والعكس صحيح.

تبرز من خلال هذه المعطيات الحاجة إلى إنشاء لجنة للقيم بمجلس الأمة، وهو ماطالبت به بعض قوى المجتمع المدني، ولكن هل ستجد هذه الفكرة ترحيبًا أو قبولاً لدى نواب مجلس الامة؟ ولماذا؟ كما أن هناك من يطالب بإنشاء مدوّنة سلوك على غرار مجلس العموم البريطاني، تم طرح هذه المطالب نظرًا لعدم تطبيق مادتين فى اللائحة الداخلية لمجلس الأمة وهما المادة 88 والمادة 89.

بحثت quot;إيلافquot; في التحقيق التالي أسباب وقوع مثل هذه التصرفات والسلوكيات من بعض نواب الأمة، ممثلي الشعب، مع الوزراء. وهل ترجع جذورها إلى طبيعة العلاقة بين السلطتين والمواقف المختلفة؟ ولماذا لا تطبق مواد اللائحة الداخلية على العضو المرتكب خطأ بحق زميله أو وزير بالحكومة؟ ولماذا لا تناقش هيئة مكتب مجلس الأمة إمكانية طرح إنشاء لجنة للقيم البرلمانية لوضع حد لمثل هذه التصرفات وللوصول بمستوى أداء راق وممارسة جيدة من النواب؟ كل هذه التساؤلات وغيرها تم طرحها في التحقيق التالي:

المسؤولية تقع على عاتق مكتب المجلس

ناصر الشليمي
في البداية حمّل ناصر الشليمي، رئيس الجمعية الكويتية لمتابعة وتقييم الأداء البرلماني،هيئة مكتب مجلس الأمة مسؤولية ماحدث لوزير الصحة الدكتور هلال الساير، وقال الشليمي quot;إن هيئة مكتب مجلس الامة تهاونت من قبل فى تطبيق الكثير من الحالات، ولم تطبق المادتين 88 و89 من اللائحة الداخليةquot;. وأرجع عدم تطبيق المادتين على النائب المرتكب مخالفة للإعتبارات الإجتماعية.

وتابع الشليمي quot;نحن في قوى 11/11 وفي الجمعية الكويتية لمتابعة وتقييم الأداء البرلماني طرحنا مبادرة إنشاء لجنة للقيم، وطالبنا أيضًا بإنشاء مدونة السلوك كما هي الحال في مجلس العموم البريطاني، والمدونة هي ميثاق أخلاقي يلتزم به النواب في ممارساتهم النيابية، وأيضًا ممارساتهم خارج البرلمان، وأن تكون هناك أخلاقيات تحكم أداء النائب، وقد طرحنا هذه المبادرة الأولى للجنة القيم قبل سبعة أشهر تقريبًا ،ثم طرحنا مجددًا مدونة السلوك قبل ثلاثة أشهر، وسلمناها إلى اللجنة التشريعية بمجلس الأمة، ولم تحظَ الفكرة بالإهتمام من جانب أعضاء اللحنة التشريعية بالمجلس، أما رئيس اللجنة النائب حسين الحريتس فهو متعاون معنا لدرجة كبيرةquot;.

الحد من الصلاحيات يقلق النواب..
وأضاف الشليمي ان الخوف من تبنى هذه الفكرة وإقرار إنشاء لجنة القيم هو إعتقاد بعض النواب أنها ستحد من صلاحياتهم، غير أنها ستحد من الممارسات الخاطئة الصادرة من قبل بعض النواب وليس ضد صلاحياتهم، quot;لذلك نجد أن نسبة غير قليلة من أعضاء مجلس الأمة لا يحبذون إقرار لجنة القيم أو مدونة السلوك، لتذرعهم بأن هناك مادتين في اللائحة الداخلية وهما 88و89 المتعلقتين بجزاءات على النائب، لكن المادتين لا تطبقان ولا يتم تفعليهما.

وأكد الشليمي أن القضاء أصبح المنظم لعلاقات النواب والوزراء، فكثير من النواب يرفعون دعاوى قضائية ضد الوزراء والعكس صحيح وأيضا نواب ضد بعضهم البعض، quot;لذلك نحن أمام مشكلة خطيرة، ولو وجدت لجنة للقيم أو مدونة للسلوك لما حدث ذلك ووصل الأمر للقضاءquot;.

لا ضرورة للجنة القيم
من جانبه رأى ناصر العبدلي، رئيس الجمعية الكويتية لتنمية الديمقراطية وأمين عام حركة العدالة والتنمية، quot;أن البرلمانات لا تحتاج إلى لجنة قيم، لأن النائب عندما يخطئ ويتطاول على زميل له أو على وزير من الحكومة داخل قاعة البرلمان فرئيس المجلس لديه حينئذ إجراءات حسب اللائحة يستطيع ردع من خلالها أي نائب يتطاول على زميل له سواء كان نائبًا أو وزيرًا، لكن إذا كان التطاول قد حدث خارج قاعة المجلس فكل مجلس الامة بإستثناء القاعة يخضع لقانون الجزاء، وحادثة تطاول أحد النواب على وزير الصحة د. هلال الساير تخضع لقانون الجزاء، لذلك رفع وزير الصحة دعوى قضائية سب وقذف ضد النائب.

ناصر العبدلي

وقلل العبدلي من جدوى او قيمة لجنة القيم على إعتبار أن أعضاء اللجنة سيكونوا من النواب، مضيفًا لسنا بحاجة إلى المزيد من اللجان والمؤسسات طالما أن هناك عقوبات فى اللائحة الداخلية تجيز لرئيس المجلس طرد النائب من القاعة، وإذا رفض يطلب من الحرس إخراجه خارج القاعة وبهذه الحالة يقع اللوم على النائب، وهناك من العقوبات ما يصل إلى فصل النائب إذا كرر الخطأ أكثر من مرة، لذلك اللائحة تجيز لرئيس المجلس إتخاذ أى عقوبة مناسبة، وإذا لم يرض الطرف الذي إرتكب بحقه التجاوز أو الخطأ بإمكانه اللجوء للقضاء، وإذا كانت المادتان 88و89 لا تطبقان لإعتبارت إجتماعية، بالتالي فإن لجنة القيم لن تطبق أي عقوبات بسبب الإعتبارات نفسها.

الشعوب ضحية ثقافاتها
وأشار العبدلي الى أن وكالات الانباء ذكرت يوم الإثنينأن نائبة فى البرلمان الأفغاني إعتدت على زميلها بالضرب، نتيجة إختلافهما في الرأي وهذا يدل على أن القضية لها علاقة بثقافة الشعوب ومدى تحضرها، لأن النائب جزء من الشعب، quot;ولم أسمع في حياتي أن مشاجرة نشبت في الكونغرس الأميركي أو مجلس العموم البريطاني، أو فى البوندستاغ الالماني،أو الدوما الروسي، فالشعوب دائمًا ضحية ثقافاتهاquot;.

وردًا على سؤال لـquot;إيلاف quot; حول إمكانية تنظيم دورات تثقيفية وتعريفية للنواب الجدد عن واجباتهم وحقوقهم الدستورية أو بوساطة الجمعية الكويتية لتنمية الديمقراطية قال العبدلي quot;هذه المدارس التثقيفية للسياسيين تتواجد في الأحزاب، ومادام ليس هناك أحزاب يتعلم منها المواطن أصول العمل السياسي الصحيح، فنحن سنظل كشعب هواة للسياسة وسنظل نعمل بالسياسة بدوام جزئي، وأما بالنسبة إلى تنظيم جمعيتنا دورات تنظيمية فقد سبق وأن عرضنا على مجلس الامة المشروع كي يكونوا على إطلاع بمجريات التطور البرلماني، لكن حتى الآن لم نحصل على الرد من مجلس الأمة، وكان ذلك منذ عامينquot;. معربا عن أمله أن تتلاشى مثل هذ الظواهر مع تطور العمل السياسي.

تصرفات غير مسؤولة لا مبرر لها!

أنور الرشيد

من جهته بيّن أنور الرشيد، أمين عام مظلة العمل الكويتية quot;معكquot;، أن إستخدام العبارات والألفاظ الجارحة وغير اللائقة أسلوب مرفوض. إلا أنه رأى أن معظم البرلمانات والديمقراطيات تشهد مشادات تخرج عن الإطار المألوف، إلا ان لا مبرر لها وإنما هي تصرفات غير مسؤولة وتحسب على من يرتكبها، ولا يمكن أن تحمّل الديمقراطية أو المؤسسة التشريعية تصرفات غير مسؤولة من جانب، ومن جانب آخر فإن جزءًا من التطور الطبيعى والديمقراطي أن تكون هناك محطات إخفاق ونجاح، quot;وإذا أخذنا الأمر فى هذا الإطار فإننا نعتبر ماحدث إخفاق يتم الإستفادة منه بتطوير لغة التخاطب بالمؤسسة التشريعية، وقد حدث قبل عامين تقريبًا أن قام أحد النواب بمجلس الأمة برشق زميل له بكأس ماءquot;.

وأشار الرشيد الى أنه لو تم تفعيل مواد جزاءات اللائحة الداخلية لمجلس الأمة بإتجاه من يرتكب هذه الامور، فلاشك أنها جزء من الرادع النفسي لكى يتمالك النائب أعصابه وإنفعالاته فيما يقوله ويسلكه من أفعالquot;، مضيفا أن إنشاء لجنة القيم تعتبر مطلوبة حاليًا على الساحة البرلمانية ويجب أن تكون إختصاصاتها واضحة ومحددة، وأن يحق لها متابعة سلوكيات النواب فيما يتعلق بأنشطتهم وتفاعلهم مع القضايا العامة، وألا يتوقف نشاط لجنة القيم عند هذا الحد بل ببحث وصول النائب إلى قبة البرلمان عن طريق شراء أصوات أو إنتخابات فرعية مجرمة قانونًا، وألا يقتصر دورها على جزء معين، وإذا كانت اللجنة لم تجد أصداء أو قبولاً من هذا البرلمان فيمكن أن تلقى الترحيب والقبول من البرلمان القادم.