يقف لبنان على برميل وقود، فانسداد افق الحلول السياسية في بلد متناقض بطبيعته ينذر عادة بانفجارات، لكنها ليست حتمية لأن ثمة محاولات إقليمية دولية تجري وستجري لطمأنة الحزب وتهدئته.

بيروت: أكثر من أي وقت يبدو عنوان التهدئة الذي يظلل لبنان حالياً موقتا ومفتوحاً على مواجهات صعبة وشرسة، فـquot;حزب اللهquot; لا يخفي إنه يعطي المعنيين في الداخل والخارج ويقصد رئيس الحكومة سعد الحريري والمملكة العربية السعودية مهلة سياسية يصبح بعدها طليق اليدين للتصرف من أجل إسقاط المحكمة الدولية الخاصة للبنان التي يتوقع الحزب أن تتهم عددا من عناصره باغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري. في المقابل يؤكد الرئيس سعد الحريري يومياً أنه ليس في وارد التخلي عن تأييد المحكمة أبداً.

في اجتماع ضم سياسيين ومفكرين وعلى اتصال وثيق بمختلف أفرقاء النزاع في الساعات الـ24 الماضية، حاول المجتمعون الإجابة عن سؤال محدد: ما هي الإحتمالات التي تواجه لبنان في الأسابيع المقبلة التي يتفق الجميع على أنها ستكون مفصلية وحاسمة؟

الفريق المطلع جيدا على رأي quot;حزب اللهquot; وموقفه في العمق قال إن مسألة القرار الإتهامي لا تتحمل المزاح، ويجدر التعامل بجدية مطلقة مع قرار متخذ لدى الحزب بالتحرك لإنهاء المحكمة قبل صدور القرار الإتهامي وليس بعده.

هذه نقطة أولى. النقطة الثانية إن القيادة السورية تشاطر quot;حزب اللهquot; موقفه هذا تماما وتدعمه بقوة (عكس الكاتب الصحافي نقولا ناصيف هذا الموقف السوري اليوم في جريدة quot;الأخبارquot;، وهو مشهود له بأمانته الصحافية). بالتالي أي تنظير لاختلاف في الرؤية إلى المحكمة بين الحزب والقيادة السورية هو تنظير في غير محله.

هذه النقطة الثانية. والثالثة إن الآمال التي وضعت على تحرك سعودي لدى الولايات المتحدة وفرنسا لتتدخلا لدى الأمم المتحدة من أجل وقف عمل المحكمة أقله موقتا، وإرجاء صدور القرار الإتهامي بالتالي إلى أجل غير مسمى تبين إنها من دون أساس.

خصوصا أن الدول العربية المعنية ومن ضمنها المملكة العربية السعودية بادرت إلى تسديد إشتراكاتها في تمويل المحكمة الدولية، في حين دأبت فرنسا على تأكيد تمسكها بها وكذلك الولايات المتحدة التي لن تتخلى عنها، خصوصا أن أي مقابل لم يعرض عليها وهي بالتالي لن تقدم هدية مجانية هدية مجانية لا إلى إيران ولا إلى سورية.

في حين أخذ الأمين العام العام للأمم المتحدة بان كي ndash; مون ومساعدوه يكررون في شكل شبه يومي إن لا مجال لوقف عمل المحكمة والتدخل فيه باعتبارها مستقلة وتعمل تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

النقطة الرابعة إن الحل الممكن، والسلمي الوحيد من وجهة النظر هذه المؤيدة لـ quot;حزب اللهquot;، يبقى في انضمام رئيس الحكومة سعد الحريري وتياره quot;المستقبلquot; وحلفاؤه في قوى 14 آذار/ مارس إلى رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; حليفهم السابق الذي دعا إلى إلغاء المحكمة بالتوافق بين جميع اللبنانيين.

فلا يكون ثمة غالب ومغلوب في البلاد، بل يوقع جميع القادة والأحزاب والشخصيات الوازنة المشاركة في حكومة الوفاق الوطني بيانا موجها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي ndash; مون يبلغونه فيه إجماع اللبنانيين على المطالبة بوقف المحكمة والتحقيقات والعمليات القضائية التي تجريها لأن لبنان لا يتحمل تداعيات القرارات والأحكام التي ستصدرها، وضمان الإستقرار والأمن والسلم الأهلي في البلاد يبقى أهم من الأشخاص أيا كانوا وكذلك من مفهوم تحقيق العدالة وكشف الحقيقة.

النقطة الخامسة إن المتمسكين بالمحكمة سيدفعون غالياً ثمن موقفهم إذا أصروا عليه.

يرد على هذا المنطق الفريق المطلع بعمق على موقف الرئيس سعد الحريري وقوى 14 آذار / مارس بأنهما ليس في وارد الإنقلاب على المحكمة الدولية والتخلي عنها إطلاقاً ومهما كلف هذا الموقف من تضحيات، وإنهم عندما طالبوا بها لم يكن واردا في أذهانهم إن لـ quot;حزب اللهquot;علاقة بالأمر، ولا أحد يمكنه حتى اليوم الزعم إن له علاقة ما دام القرار الإتهامي لم يصدر وحتى لو صدر مسميا بعض الحزبيين فهذا لا يعني إن التهمة مثبتة وبمثابة إدانة، وحتى لو دين هؤلاء فلن يتصرف رئيس الحكومة وحلفاؤه إلا من منطلق حماية الإستقرار والوحدة والسلم الأهلي، فليس المطلوب الإنتقام ولا الثأر بل إرساء قاعدة إخراج أعمال الإغتيال نهائيا من الحياة السياسية في لبنان.

بمعنى آخر سيظل الرئيس الحريري مصرا على تأييد المحكمة الدولية مهما تكثفت وثقلت الضغوط عليه، سواء من الداخل أو الخارج. وهو يركز على أن كل مكونات حكومته بما فيها الحزب ملزمة دعم المحكمة لأنها تندرج في إطار بنود إجماع الحوار الوطني والبيان الوزاري للحكومة الذي أقر بالإجماع ووافق عليه quot;حزب اللهquot;.

هذه نقطة أولى. النقطة الثانية إن مجلس الأمن لم يسجل في تاريخه إنه تراجع عن قرار اتخذه، وبالتالي إن تصور تراجعه عن قرار إنشاء المحكمة قبل أن تنهي عملها هو ضرب من الوهم.

ولم يعد يفيد اللبنانيين بعدما بلغت الأمور هذا المدى سوى أن يتفقوا بمختلف أفرقائهم على طريقة لتجنب إنعكاسات القرار الإتهامي وارتداداته على الداخل، وذلك من خلال حماية بعضهم للبعض الآخر بالموقف الإيجابي والتفهم وإدراك إن سقوط سقف المنزل يؤذي جميع ساكنيه وليس فئة منهم دون أخرى.

وبمعنى آخر دعوة quot;حزب اللهquot; إلى الإتفاق على رؤية مشتركة مع سائر اللبنانيين إلى مستقبل بلادهم ومصلحتها بدل الإستمرار في الإنشداد إلى مصالح دول أخرى وتقديمها على أي إعتبار وطني آخر.

النقطة الثالثة التي يتوقف عندها هؤلاء هي التلويح المستمر الذي يبديه إعلام quot;حزب اللهquot; وسياسيوه وحلفاء لهم بالسيطرة على لبنان بقوة السلاح وإسقاط حكومة الرئيس الحريري أو تعطيلها وإعلان لبنان دولة ممانعة ومواجهة لا تعترف بالشرعية الدولية وكل ما ينتج منها، أي المحكمة الدولية وكل قرارات مجلس الأمن.

وفي رأيهم إن قرارا جذريا وتفجيريا كهذا لا يمكن أن يكتب له التحقق في بلد متعدد ومتنوع مثل لبنان ويجر quot;حزب اللهquot; إلى أخطار جمة، منها على سبيل المثال الإنجرار إلى حروب أهلية مع بقية المكونات اللبنانية والإنكشاف العربي والدولي التام. فضلا عن أن وضعا افتراضيا كهذا لن يجعل المجتمع الدولي يغير رأيه وموقفه ويلغي المحكمة التي يجدر بالجميع التعامل معها على أنها مسألة دولية ليس في وسع أوزان محلية ولا إقليمية أن تكون لها كلمة فيها.

غني عن القول إن إنسداد أفق الحلول السياسية في بلد متناقض بطبيعة تكوينه كلبنان ينذر عادة بانفجارات، لكنها ليست حتمية لأن ثمة محاولات إقليمية دولية تجري وستجري لطمأنة الحزب وتهدئته، وهذه المحاولات قد تنشط أكثر قبل الزيارة المقررة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للبنان منتصف الشهر المقبل، والتي سترفع نسبة التوتر في بيروت، إلا إذا حصلت معجزة على صعيد علاقات إيران ببقية العالم.