يعتبر المسيحيون في لبنان جزءاً مهماً من النظام السياسي، على خلاف باقي الدول العربية، لذا فحقوقهم بالإجمال مصانة، باستثناء الخوف من تعرضهم لاعتداءات فهو الأمر الذي لا يمكن تأمين الضمانة له.

تمثال السيدة العذراء في حاريصا- لبنان

بيروت: لا يمكن القول إن هناك أقلية مسيحية في لبنان، رغم أن أعداد المسيحيين في هذا البلد الصغير بدأت تتضاءل عما كانت عليه سابقاً، وذلك بسبب الحرب وعوامل أخرى جعلت معظم المسيحيين فيه يهاجرون الى الخارج. ونظراً لغياب أي إحصاء رسمي للسكان في لبنان فقد نشر نقل موقع الجزيرة الإخبارية عن بي بي سي وجامعة تكساس وموقع سي أي أيه، إحصائية عن التوزيع الطائفي لسكان لبنان لعام 2007، تشير إلى أن المسيحيين يتوزعون في لبنان كما يلي: موارنة 667,556 نسمة أي نسبة 22.19 % من السكان، روم أرثوذكس 236,406 (7.86 %)، روم كاثوليك 156,521 (5.2 %)، أرمن أورثوذكس 90,675 (3.01 %)، أرمن كاثوليك 20,217 (0.67 %) إنجيليون 17,409 (0.58 %)، وأقليات 47,018 (1.56 %). ويبلغ المجموع 1,235,802 نسمة بنسبة إجمالية 41.07 %.

تضم بيروت 11 منطقة سكنية غالبية ما يقع منها شرقي العاصمة يقطنها مسيحيون، فيما يشكل المسلمون الغالبية في نواحي بيروت الغربية. وتعد مناطق شرق العاصمة كالاشرفية والصيفي والرميل والمدوّر ميناء الحصن كلها ذات غالبية مسيحية. كما ينتشر المسيحيون بكثرة في شمال لبنان ويتمركزون بشكل كثيف في جبل لبنان حيث الغالبية مسيحية، وفي بعض مناطق الجنوب والبقاع.

وتتمثل الأحزاب المسيحية في لبنان بالتيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتلة الوطنية اللبنانية وتيار المردة وحزب الكتائب اللبنانية وحزب الوطنيين الأحرار وحزب الوعد.

في المقابل يضم البرلمان اللبناني 128 عضواً مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، وكان هذا بعد إتفاق الطائف في السعودية سنة 1989، علماً أن رئيس الجمهورية اللبناني مسيحي ماروني.

أمام هذه المعطيات لا بد من طرح السؤال حول وضع مسيحيي لبنان بعد الأحداث الأخيرة التي جرت في الإسكندرية والعراق والإعتداء على الكنائس؟ هل يخافون من المصير ذاته؟

أزمة العيش المشترك

يصف منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار - مارس الدكتور فارس سعيد لـquot;إيلافquot; الإعتداءات على مسيحيي العراق والإسكندرية بأنها quot;جبانة وإعتداءات غاشمة، ويستنكر أشد الإستنكار التعرض لأمن أي مواطن عربي مسلماً كان أم مسيحياًquot;، ويضيف:quot;أعتقد أن أدق وصف لما يحصل في العراق ومصر تجاه المسيحيين هو أنها تشكل تعبيراً واضحاً عن أزمة العالم العربي والإسلامي، فلم يستطع العالم العربي حتى بمكوناته المعتدلة القيام بمبادرة حقيقية لتثبيت مفهوم العيش المشترك داخلهquot;.

واعتبر سعيد أن quot;أزمة المسلمين بعد 11 أيلول - سبتمبر تتمثل بسؤال: إذا كان لا يمكن للإسلام العيش مع المسيحيين العرب، فكيف يمكن أن يعيش مع المسيحيين الغربيين، لذا بقدر ما أصابت هذه الفظاعة المسيحيين، فإنها تطال أيضاً المسلمين من خلال التواصل مع الآخرينquot;.

ويعبر سعيد عن اعتقاده أن quot;هناك مصلحة إسلامية أن تعقد قمة عربية في أسرع وقت ممكن، للتداول في موضوع العيش مع كل المكونات العربية بسلام واستقرار، وهناك أيضاً مهمة على عاتق المسيحيين، في لبنان أو فلسطين أو سوريا أو العراق أو مصر، وهي أن يناضلوا لتحسين ظروف الدول التي يعيشون فيها وتحديث هذه الدول لكي يزدهر الإستقرارquot;.

وضع مسيحيي لبنان.. مختلف

لكن هل ستطال هذه الإعتداءات مسيحيي لبنان؟ يجيب سعيد: quot;أعتقد أن وضع المسيحيين في لبنان مختلف تماماً عن وضع المسيحيين في العالم العربي، فهم يتمتعون بالسلطة السياسية، بينما مسيحيو العالم العربي إكتفوا بالعيش بسلام وإزدهار إقتصادي، لكنهم في المقابل لم يشاركوا في الحياة السياسيةquot;، ويضيف quot;أعتقد أنه لا يمكن القول لـ12 مليون قبطي في مصر إن عليكم تعيين نوابهم حتى يضمنوا فوزهم، وأن نستنكر فقط موضوع الإعتداء عليهم، على المسيحيين في كل العالم العربي المشاركة الفاعلة في القرار السياسي، في إطار دولة جامعةquot;.

واعتبر أن quot;هذه هي الخطوة الأولى لحماية جميع المواطنين مسيحيين أو مسلمين في العالم العربي، والمشاركة في الحياة السياسية هي ضمانة للمسيحي في لبنان، وإكتفاء المسيحي بأن يصبح من أهل الذمة يأتي بماكدونالد إلى القاهرة، ويمد شبكة الإتصالات ويجني أموالاً كي ينهي حياته في كندا ليست ضمانة للمسيحيينquot;.

من جهته يختصر رئيس الرابطة السريانية الأمين العام لاتحاد الرابطات اللبنانية المسيحية حبيب أفرام في حديثه لـquot;إيلافquot;، الوضع في جملة تساؤلات quot;هل يمكن أن تكون المسيحية في القرن الواحد والعشرين عرضة لكل هذه الهجمات والتحديات التي تمنعها من إقامة شعائرها في عدد من الدول؟quot;.

وتابع quot;ماذا يعني انفجار عبوة في كنيسة في الفلبين، وإعتداءات على كنائس في شمال نيجيريا، وإغلاق كنائس في وسط بغداد، وحماية كنائس في عدد كبير من العواصم؟ فمن أين يأتي الخطر، ومن هي هذه الجهة التكفيرية التي ينتشر فكرها أو لا فكرها في العالم كله؟ أين مسؤولية الدول والحكام والأنظمة والأحزاب وقادة الرأي والمفتين في التصدي لهذه الظاهرة؟quot;.

العرب كلهم مهددون

يرى المحامي معن بشور المهتم بالقضايا العامة، لـquot;إيلافquot; أن quot;كل العرب اليوم مهددون، وبعناوين وأسماء مختلفة، ومن الطبيعي أن يكون لدى المسيحيين العرب إحساس خاص بهذا الإستهداف خصوصاً في ظل تفجيرات تجري في مصر والعراق وفي بلدان أخرى، ناهيك عن خطب التكفير التي يسمعونها من بعض الأصوات المتوترة هنا وهناكquot;، وهو يعبر عن اعتقاده quot;بأن هذا الخطر مقرون بشكل خاص بوجود الإحتلال والنفوذ الأجنبي، وهو أمر يجب أن يدركه المسيحيون وغيرهم من أبناء أمتهم العربيةquot;.

وعن نظرته لموقف الدول الغربية تجاه هذه الإعتداءات يشير بشور إلى أن quot;أجهزة دول غربية لا سيما الأجهزة الأميركية بالتعاون مع الموساد الصهيوني ضالعة في هذه الحرب على المسيحيين التي ليس من باب الصدف مثلاً أن يتعرض المسيحيون كغيرهم من العراقيين لما يتعرضون إليه من عنف طائفي ومذهبي بعد دخول الإحتلال، وليس صدفة أيضاً ان يكون التوتر سيد العلاقة داخل مصر منذ أن إختار النظام المصري سياسة الصلح مع الكيان الصهيوني ومسايرة الدول الغربيةquot;.

المسيحيون ليسوا أقلية

حول سؤال من يتحمل المسؤولية في حماية الأقليات الدولة أم المجتمع الدولي؟ يوضح بشور quot;لا أعتقد أن المسيحيين أقلية في الوطن العربي، المسلمون هم جزء من الأكثرية العربية التي تقطن الوطن العربي، تماماً كما الكرد هم جزء من الأكثرية الإسلاميةquot;، ويورد قولاً مأثوراً للشيخ محمد مهدي شمس الدين quot;في الوطن العربي أكثريتانquot; فالمسيحيون هم جزء من نسيج هذه المنطقة والأمة، هم جزء من تاريخها وحضارتها وثقافتها وكفاحهاquot;.

ولفت إلى أن quot;المسؤول عن معالجة الموضوع الجميع، دون شك الدولة مسؤولة ليس فقط أمنياً بل هناك مسؤولية سياسية، لأن سياسات الدول التي تفتح مجالاً للإختراقات الأجنبية تفسح مجالاً لمثل هذه الإعتداءات، وهناك مسؤولية على القوى السياسية وعلى كل من يتساهل في نشر خطب تحريضية من هذا الجانب أو ذاكquot;.

ويعتبر بشور أن quot;التنوع في الوطن العربي هو قوة لهذه الأمة وللعروبة، والإسلام والمسيحية اللذان يتعايشان في إطار العروبة كما لم يتعايشا في أي إطار آخر، لذلك هناك من يسعى إلى تحرير المنطقة من كل أشكال التنوع لتبرير وجوده القائم على الفكر العنصري، لذلك أعتقد أن إستهداف المسيحيين بدءاً بفلسطين هو جزء من هذه الخطة التي تريد إظهار إستحالة التعايش بين الأديان وبين الثقافات والحضارات في هذه المنطقة.

مسيحيون يدينون الجرائم

يتفق مسيحيو لبنان على إدانة ما جرى من تفجيرات استهدفت كنائس في العراق ومصر، وتصف المواطنة ماري باخوس ردة فعلها تجاهها بأنها quot;تقع ضمن فظاعة ما جرى، وهو أمر مستنكر وغير مبرر، فلماذا يقتلون المسيحيين، هل لمجرد أنهم مسيحيون؟ هل لأن الديانة المسيحية تدعو إلى المحبة والتسامح؟، بماذا يؤثرون فيهم وهم فقط أقليات، لا يؤثرون سياسياً ولا دينياً ولا عقائدياً، هل من المعقول أن تفجّر الكنائس؟ بأي ديانة يحدث ذلك؟ هذا الأمر يذكرنا بمجزرة دير ياسين أيام اليهود المجرمينquot;.

وتعتبر ماري أن ما صدر من بيانات استنكار في لبنان quot;غير كافية ولا تشفي الغليل، ولا تشبع النفس التي شاهدت فظاعة الأمر، لو كان العكس جرى ألم نكن سنشهد موقفاً مغايراً؟quot;.

ولا تخاف أن ينسحب الموضوع على لبنان quot;لأن من يخاف الله وإيمانه كبير لا يخشى شيئاً والمسيحيون منذ زمن بعيد يستشهدون والأمر في صلب ديانتهم. لبنان وطننا فلماذا نخاف؟ ونحن قمنا بالإستقلال مع المسلمين، ومن هم شعراء لبنان الكبار والقوميون العرب؟ لن نترك لبنان وسنبقى فيه ولسنا أقليات ولسنا خائفينquot;.

من جهته يعتبر جان بو فرحات أن الإعتداء على المسيحيين في مصر وفي كل الدول العربية هو إعتداء ليس من طبيعة البشر أو الإنسان الموجود في هذه البلاد، كلها تدخلات خارجية كي لا يكون هناك تعايش لدى الطوائفquot;.

كما أنه اعتبر أن quot;بيانات الإدانة الرسمية في لبنان غير كافية وكذلك الموقف العربي كان خجولاً، بالنسبة إلى المجازر في مصر والعراق، صحيح أنهم شجبوا من هكذا عمليات، لكن الأمر لا يكفي يجب الإعلان رسمياً بقبولهم بالتعايش الموجود في الشرق الأوسط، لأن العملية تتعلق بمجموعة معينة، ومع عدم وجود ادانة عامة وصريحة سيكون لها خلفيات غير جيدةquot;.

لكنه لا يخفي تخوفه من حصول إعتداء على مسيحيي لبنان quot;برأيي كما يحصل في البلدان العربية يمكن أن يحصل في لبنان، ليس الأمر متعلقاً بالشعب بل بالتدخلات الأجنبية التي ينفذها بعض المتطرفينquot;.