ينقسم المصريون المقيمون في لبنان حول جدوى المظاهرات العارمة في بلادهم والمطالبة بتغيير نظام الحكم وتنحي الرئيس محمد حسني مبارك، وإذ يرى بعضهم أن سلبيات ما يحدث أكثر من إيجابيته يعتقد اخرون أن التغيير ضروري رغم صعوبته.


بيروت: يزداد قلق المواطنين المصرين العاملين في لبنان على وقع الإنباء المسارعة الآتية من وطنهم الأمquot;، حول تصاعد الانتفاضة الشعبية التي اندلعت الأسبوع الماضي، وتدفع بهم إلى التسمر لساعات طويلة أمام شاشات التلفزة، وتسقط أخبار بلدهم وذويهم، خصوصا بعد توارد الأنباء عن تنفيذ تظاهرة مليونية في العاصمة، دون أن يتوقف الحوار المتواصل في ما بينهم حول الأحداث المتلاحقة والاحتمالات التي تحيط بها.

وتحولت إحدى محطات توزيع المحروقات في شارع الحمراء إلى ندوة حقيقية بين عمال المحطة الذين يحملون جميعهم الجنسية المصرية، عندما اندلع النقاش حول الانتفاضة الشعبية في بلدهم، اثر توصيف الحالة من قبل العامل حسن شحاتة بالمثل المصري quot;الكبير يقع والسكاكين تكترquot; ويضيف بان ما يحصل هو حركة غير منظمة، وسلبياتها أكثر من ايجابياتها، خصوصا أن لا احد كان يتوقع وصول الأمور إلى ما وصلت إليه، وحتى أولئك الذين دعوا إلى الإضراب والتظاهر أنفسهم، ويؤكد ضرورة توقف الانتفاضة حاليا بعد أن وصلت الرسالة حول أهمية التغيير، ويلقي اللوم على الناس انفسهم وعلى مدى الدورات المختلفة لانتخابات مجلس الشعب والذين كانوا يفضلون الحصول على الأموال على حساب مطلب التغيير الذي بقي مجرد شعار فارغ.

ويوافق محمد سامي الآتي من quot;المحلةquot; منذ حوالي السنة إلى لبنان، ما ذهب إليه شحاتة، ويضيف إلى أن هناك دول عربية quot;مزودة العيار على مصرquot; وتوظف إعلامها بإبراز القمع والسيوف المسلطة على رقاب المواطنين المصريين، ويعتقد بأنه خلال أيام ستعود مصر أفضل من السابق، ويفضل بقاء الرئيس مبارك (الأب الكريم) ولو لمدة شهر واحدquot; لكي يودعه الشعب وهو العسكري الذي سينظم البيت ويمشي، وتصل النقمة على ما يجري في مصر ذروتها عندما يقول:quot; لقد اغتلنا من حررنا وأعاد لنا أرضنا زي ما قتلنا الرسل والصحابة الذين أرادوا هدايتنا وليس لنا بالطيب نصيبquot;.

وينتقد سامي العرب الذين يكدسون أموالهم في مصارف الغرب، ويمكن أن تصنع العجائب في البلاد العربية، ويسأل ماذا يمكن أن يفعل (الريس مبارك) إذا كان الموظفون في ادارات الدولة فاسدون وبعضهم يبيعون القمح المدعوم؟ ولكن ذلك لا يلغي الانجازات التي حققتها مصر.

ويتمنى حسن شحاتة لو أن جمال مبارك استطاع تولي منصب الرئاسة في مصر، لأن ذلك كان يعني تغير الدستور وإلغاء قانون الطوارئ، ولكن الله أكرم مصر بعمر سليمان الذي تعرفه الأمة العربية جيدًا، ورئيس الوزراء الجديد احمد شفيق والجيش المصري الذي هو الشعب، وهو خير جنود الأرض، وعند الوصول إلى الحديث عن دور مصر القومي العربي، يعتبر ذلك شعارات لا لزوم لها، لأن مصر لا تزال تدفع ثمن عروبة جمال عبد الناصر، ويسأل هل يجب أن نخرب بيتنا كي تعمر الأمة العربية؟

يتدخل احمد الذي تمنى عدم ذكر اسمه الكامل رافضاquot; وجهة نظر كل من سامي وشحاتة، وينطلق في تكوين quot;نظريتهquot; حول ما يجري من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر، حيث بات ثمن الكيلوغرام الواحد من اللحوم، يساوي نصف الحد الأدنى للأجور والذي يكاد لا يكفي عائلة صغيرة لأيام معدودة، وخير دليل على ما وصلت إليه الأوضاع المعيشية، هي مشاهد حياة سكان الضواحي في مدينة القاهرة الذين يسكنون في منازل اقرب إلى الأكواخ، وتفتقد كل شيء.

ويتدخل السيد الشافعي الشاب العشريني الآتي من دمياط، مؤكدا بأن حسني مبارك هو أحسن من غيره بكثير، وينتقد الشخصية المعارضة في مصر محمد البرادعي الذي قضى كل عمره في أميركا، وعاد إلى مصر عندما سمع بأن بعض الناس تريد انتخابه، ولكن الرئيس مبارك لن يسمح بانتخابه، ويعتبر الشافعي بان المظاهرات الحقيقية هي التي حصلت نهار الجمعة الماضي، وما تلا ذلك لاحقا هو عمل quot;بلطجيةquot; ويلفت إلى أن هناك أربعة من السجناء الذين خرجوا من احد السجون قرروا تسليم أنفسهم مجددًا وهو دليل على شهامة الشعب المصري ويصر احمد على وجهة نظره.

مشددًا على أنه وخلال ثلاثين عاما من حكم مبارك كانت كل الحكومات تكرر نفسها ولا تقدم إي جديد ولا تستطيع تطوير أي قطاع بشكل حقيقي بدءا بالمؤسسات السياسية والاقتصادية وصولا إلى الجيش وتحويل العمل السياسي إلى توريث، وقد أصبح كل وزير ينصب ابنه مكانه وبات كبار رجال الأعمال والحرس الرئاسي يتحكمون بكل شيء ويعطي مثلا استمرار اسم جمال عبد الناصر في قلب كل مصري وعربي لأنه عمل من اجل الفقراء ويعتبر نائب الرئيس عمر سليمان أميركيا وينتمي إلى نفس خط حسني مبارك وكان يدير البلد إلى جانبه.

يتسمر الجميع في مقاعدهم ويصغون السمع لأحمد، وهو يوغل في تقديم البراهين على سلامة تحليله للإحداث، قائلاquot;:quot; لن يمل الشباب اللذين نزل والى الشوارع إلا بعد ان يحصل التغيير وقد باتت الأغلبية الساحقة من أبناء مصر أسيرة رغيف الخبز، وتقف طوابير طويلة من اجل تأمينه ناهيك عن الفساد الذي عم الدوائر الحكومية والذي يعود سببه إلى أن الموظف جائع وفي حال عوز دائم، وقد وصلت إلى أن الضباط الكبار في مطار القاهرة أصبحوا يقبضون الرشاوى، ويقوم كبار رجال الأعمال بتهريب أموال مصر إلى الخارج.

يستمر الجميع بالإصغاء إلى احمد وعلامات الحيرة على وجوههم quot;الوضع زفت، مصر عايزة التغيير لان الفساد يملأ البلادquot;، ويختم احمد: quot;لكن التغيير صعب وربما لن نراه نحن حتى ولو بدأ ألان عسى أن يشاهده أحفاد أحفادناquot;.