تجددت الدعوات لإصدار قانون الغدر أو العزل السياسي في مصر، فشدد البعض على تفعيله لمحاسبة رموز النظام السابق،فيما تخوّف آخرون من انعكاسه على شباب الثورة ممن كانوا ينتمون إلى النظام السابق، كما أشارت تحليلات إلى خشية أعضاء المجلس العسكري من تطبيقه عليهم بعد تسليم السلطة للمدنيين.

تظاهرة شبابية ضد عودة فلول الحزب الوطني إلى الحياة السياسية

القاهرة: تصاعدت الدعوات إلى إصدار قانون الغدر أو العزل السياسي من جديد في أعقاب صدور قانون الإنتخابات البرلمانية في مصر، الذي يقرّ إجراء الإنتخابات بنظام الثلثين للقائمة النسبية والثلث للفردي. واعتبره سياسيون ونشطاء في الدفاع عن الثورة بمثابة فتح ثغرة لمن وصفوهم بـquot;فلول النظام السابقquot; لاختراق البرلمان والعودة إلى توجيه الحياة السياسية من جديد، لاسيما أن بعضهم نجح في إنشاء أحزاب سياسية جديدة وصل عددها حتى الآن إلى 12 حزباً، وانضم إليها عشرات الآلاف من أعضاء الحزب الوطني المنحل.

مماطلة في إصدار القانون

رغم أن الدعوات خرجت لإصدار قانون الغدر بُعيد نجاح الثورة في إسقاط نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك، إلا أن الحكومة لم تستجب لها. وفي شهر حزيران (يونيو) الماضي، تصاعدت حدة تلك الدعوات بالتزامن مع دعوات أخرى للإسراع بإصدار قانون الإنتخابات البرلمانية وتحديد مواعيد إجرائها، وإستجابت حكومة الدكتور عصام شرف. وعقدت اللجنة التنسيقية لمكافحة الفساد برئاسة وزير العدل المستشار عبد العزيز الجندي عدة إجتماعات إنتهت فيها إلى إجراء التعديلات اللازمة على قانون الغدر رقم 344 لسنة 1952 المعدل بالقانون 173 لسنة 1953، الذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لتطهير الحياة السياسية والمؤسسات العامة من رموز العهد الملكي.

وقال الجندي في تصريحات صحافية إن الفساد السياسي أخطر من الفساد المالي، مشيراً إلى أنه لا بد من تفعيل قانون الغدر لمحاسبة رموز النظام السابق على الجرائم السياسية التي ارتكبوها في حق الشعب المصري. وانتهت التعديلات إلى ضرورة حرمان كلّ من تورط في أعمال فساد سياسي من ممارسة حقوقه السياسية لمدة خمسة أعوام، والسجن إذا كان ما ارتكبه مجرّم وفقاً لقانون العقوبات، فضلاً عن العزل من الوظيفة العامة.

وشملت التعديلات أوجه الفساد التالية: تزوير الإنتخابات، تولّي المناصب بناءً على القرب من الحزب الوطني المنحل. وشملت كذلك كلّ من ترشح أو كان عضوا في مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية quot;البلديةquot; ممثلاً للحزب الوطني المنحل في إنتخابات عامي 2005 و 2010، كما شملت أعضاء مجالس إدارات الشركات العامة والأندية ومراكز الشباب، الذين كانوا ممثلين للحزب الوطني المنحل.

خوف منانعكاسه على الداعمين للثورة

ووفقاً للمصادر التي تحدثت إلى quot;إيلافquot; فإن مشروع تعديلات القانون أقرّته الحكومة وعرضته على المجلس العسكري، لكنه لم ير النور، من دون إبداء أسباب، مشيراً إلى أن بعض المستشارين للمجلس أشاروا عليه بعدم إصدار القانون حتى لا يتم توجيهه إلى صدور بعض شباب الثورة أو المدافعين عنها ممن كانوا ينتمون للنظام السابق. وذهبت المصادر إلى أبعد من ذلك بالقول إن أعضاء المجلس العسكري يخشون تطبيق القانون عليهم أنفسهم بعد تسليم السلطة للمدنيين.

وأوضحت المصادر أن أعضاء المجلس العسكري يخشون تكرار ما حدث في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث إن القانون صدر في العام 1952 ضد من وصفوا وقتها quot;بأنصار العهد البائدquot;، لكن أجريت تعديلات عليه في 1953 ليشمل من وصفوهم بـquot;أعداء الثورةquot;، وطال وقتها رموزا كانت من أنصار ثورة 23 يوليو 1952، وتم التحقيق مع الرئيس الراحل أنور السادات بموجبه، وكاد يكون إحدى ضحاياه. وتوقعت المصادر أن يقر المجلس العسكري مشروع القانون في حالة تزايد الضغوط عليه بشكل أكبر من قبل، لافتةً إلى أن القوى السياسية مختلفة حول القانون وليس هناك إجماع عليه.

أحزاب الفلول

إلى ذلك، نجحت قيادات في الحزب الوطني المنحل في إنشاء أحزاب جديدة خلال الشهر الماضي، على رأسهم الدكتور حسام بدراوي الأمين العام للحزب الوطني أثناء الثورة، والدكتور محمد رجب الأمين العام اللاحق لبدراوي، وطلعت السادات رئيس الحزب الأخير الذي تولى رئاسته قبل صدور حكم قضائي بحلّه في أيام قليلة. وقُدِّر عدد الأحزاب التي شكّلها رموز النظام السابق بنحو 12 حزباً منها: المواطن المصري (أسّسه محمد رجب الأمين العام للحزب الوطني السابق)، ومصر القومي (أسسه طلعت السادات رئيس الحزب الوطني السابق)، والاتحاد (أسسه حسام بدراوي الأمين العام للحزب الوطني الأسبق)، حزب الحرية (أسّسه معتز محمود عضو الحزب الوطني والنائب السابق في مجلس الشعب)، حزب مصر التنمية (أسّسته يمنى الحماقي النائب في مجلس الشورى السابق وعضو أمانة السياسات التي كان يترأسها جمال مبارك)، حزب نهضة مصر (أسسه أحمد أبو النظر عضو الحزب الوطني)، حزب مصر الحديثة (أسسه نبيل دعبس أحد أشهر الداعمين للحزب الوطني المنحل)، إضافة إلى خمسة أحزاب: بداية، و25 يناير، ومصر الثورة، والمستقلون الجدد، العربي للعدل والمساواة، أسسها أعضاء بالحزب الوطني المنحل من قيادات الصفين الثاني والثالث.

حملات تحذيرية

وانطلقت حملات تحذيرية من تلك الأحزاب على صفحات الفايسبوك منها: quot;فقط دي بلدنا.. إحترس من الفلولquot;، quot;أحزاب الفلول إنشرواquot;، quot;مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.. إحترس من أحزاب الفلولquot;، quot;إمسك فلولquot;، quot;قائمة أحزاب الفلولquot;، quot;قاطعوهم أفضحوهم.. أحزاب الفلولquot;.

أحزاب الفلول تشق الصف

لم تكتفِ أحزاب quot;الفلولquot; كما يحلو للبعض وصفها بالإنتشار الشعبي فقط، بل وصلت إلى مركز صناعة القرار في مصر بعد الثورة، حيث دعي بعض منها لحضور لقاء الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب الجيش المصري ونائب رئيس المجلس العسكري مع الأحزاب للإتفاق حول كيفية إجراء الإنتخابات البرلمانية، وهذا ما كشفه الدكتور أيمن نور المرشح الرئاسي المحتمل.

وقال نور إن الهدف من ظهور تلك الأحزاب في المجتمع أو الحياة السياسية بشكل عام هو إظهار القوى السياسية بأنها منقسمة على نفسها، والعمل على شق الصف السياسي في مصر.

لا للغدر

ورغم ذلك يرفض نور إصدار قانون الغدر لتحجيم تلك الأحزاب، وقال لـquot;إيلافquot; إنه رغم معاناته في سجون مبارك، وحرمانه من ممارسة حقوقه السياسية إلا أنه يرفض اللجوء إلى القوانين الإستثنائية. وأضاف أن قانون الغدر من القوانين سيئة السمعة، التي تعتبر مضارها أكثر من منافعها، مشيراً إلى أن شباب الثورة والمناضلين من أجل الحرية في عصر مبارك سيكونون ضحايا لهذا القانون في حالة إقراره، وسوف يندم من يدعو إليه ندماً شديداً. ويرى نور أن الحل للقضاء على أحزاب الفلول هو تقوية الأحزاب الجديدة ودخول شباب الثورة فيها أو إنشاء أحزاب خاصة بهم، والإلتحام بالجماهير في الشارع، وعدم تركه للإخوان والجماعات الإسلامية وأعضاء الحزب الوطني المنحل.

نعم للعزل السياسي

ويختلف مع نور حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، حيث إنطلقت الكثير من الدعوات لإقرار القانون سريعاً قبل إجراء الإنتخابات البرلمانية المقبلة. وقال الدكتور سعد الكتاتني أمين عام الحزب لـquot;إيلافquot; إن إجراء الإنتخابات من دون إصدار قانون العزل السياسي سوف يسمح بسيطرة رموز وأعضاء الحزب الوطني المنحل على نسبة لا تقل عن 30% من مقاعد البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى.

وأضاف الكتاتني إن هناك ضرورة ملحة لإصدار قانون العزل السياسي وإلغاء قانون الطوارئ، مشيراً إلى أنه من الخطأ إفساح المجال أمام من أفسدوا الحياة السياسية على مدار ثلاثين عاماً لإفسادها مرة أخرى بعد الثورة، وأوضح الكتاتني أن قانون الإنتخابات يمنح رموز وأعضاء النظام السابق الذين يعرفون إعلامياً بـquot;الفلولquot; الفرصة لدخول البرلمان من خلال تخصيص ثلث المقاعد للمرشحين المستقلين. ودعا المجلس العسكري إلى ضرورة الإستجابة لمطالب الثورة بشكل عاجل، وإلا فإن أحزاب التحالف الديمقراطي التي تضم نحو 43 حزباً كبيراً ستقاطع الإنتخابات.