تعبر تقارير عديدة عن تخوفها من اندلاع حرب أهلية في مدينة حمص، ثالث أكبر المدن السورية، مشيرة إلى أن حمل السلاح سيمثل ذريعة للحكومة كي تعمد إلى إجراءات قمعية ووحشية، يأتي ذلك في وقت تشهد المدينة عمليات انتقام وقتل على خلفيات طائفية بين العلويين والسنة.


حمص تشهد تظاهرات ضخمة ضد النظام

تخيم أشباح الحرب الأهلية على مدينة حمص، ثالث أكبر المدن السورية، حيث يطلق محتجون مسلحون على أنفسهم لقب quot;ثوارquot;، وتندلع كل ساعات قليلة معارك بالأسلحة النارية وعمليات اغتيال تنفذها القوات الأمنية، في حين غرقت المدينة بالبنادق المستقدمة من الخارج والتي يبلغ ثمن الواحدة منها 2000 دولار، بحسب ما أشار إليه سكان المدينة.

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز فانه منذ بدء الانتفاضة في مارس / آذار الماضي، برزت مدينة حمص كإحدى أهم المدن السورية المتنازع عليها، ويعتبر شبابها من أكثر الشباب تنظيماً وعناداً في مواقفهم. لكن يتحدث السكان المحليون عن تحول حاسم خلال الأسابيع الماضية، حيث فسحت الإنتفاضة السلمية الطريق أمام صراع طاحن جعل حمص مدينةً عنيفة ومخيفة.

وينبه محللون إلى أن النزاع داخل حمص لا يزال ضمن المدينة، ويعارض الكثيرون في المعارضة الممارسات العنيفة، لأنهم يخشون من أن ذلك سيمثل ذريعة للحكومة كي تعمد إلى إجراءات أكثر قمعية ووحشية.

لكن على ضوء عمليات القتل المستهدفة، ونقاط التفتيش الأمنية، والمشاعر الطائفية المتأججة، تقدم المدينة مشهداً كئيباً ينبئ بمستقبل الانتفاضة السورية، حيث تستعد الحكومة والمعارضة على السواء لصراع طويل الأمد يختبر استمرارية أربعة عقود من الديكتاتورية.

ونقلت الصحيفة عن طالب في كلية الهندسة (21 عاما)، اشترط عدم ذكر اسمه خشية الانتقام: quot;لقد انتهينا من مرحلة الاحتجاج، وندخل الآن إلى مرحلة أكثر أهميةraquo;.

وتعد مدينة حمص نموذجاً مصغراً لسوريا، حيث يعتبر أغلبية سكانها من المسلمين السنة وأقليات مسيحية والطائفة العلوية التي يعتمد عليها الرئيس بشار الأسد في الكثير من قياداته.

لكن ستة أشهر من الاحتجاجات والإجراءات القمعية، قوّضت العلاقات بين هذه المجتمعات ووفّرت الظروف لنزاع مدني، حيث تشتبك المعارضة المسلحة في معارك مع القوات الأمنية في المناطق الأكثر اضطراباً. وقد حاول متمردون حماية المتظاهرين السلميين الذين تسعى الحكومة إلى إلقاء القبض عليهم، وقد باتت التوترات كئيبة لدرجة أن أفراد إحدى الطوائف يترددون في السفر إلى أحياء يعيش فيها أفراد من طوائف أخرى، ويحمل البعض أسلحتهم بشكل واضح داخل بعض أجزاء المدينة.

واعتبرت الصحيفة أن أحدى أكثر صور الصراع تظهر في سلسلة من عمليات الاغتيال، التي خلفت خلال الأسبوع الماضي نحو اثني عشر قتيلاً، بينهم أساتذة جامعيون وأطباء ومخبرون، في نوبة مفاجئة من أعمال العنف تذكّر بأعمال عنف طائفي لا تزال تحدث في العراق.

خلافاً للأيام الأولى من الانتفاضة، عندما كانت الحكومة هي الجهة الوحيدة تقريباً التي تمارس أعمال العنف، بدأ الخوف ينتشر في الاتجاه الآخر، بينما يسعى متمردون إلى قتل أنصار الحكومة ومخبرين، بحسب ما يقول أهل المدينة.

ومن بين القتلى الدكتور حسام عيد، رئيس قسم جراحة الصدر في المستشفى الوطني داخل دمشق، المنتمي إلى الطائفة العلوية، وكان يعيش في حي الزهراء، وهو من الأحياء التي تشكل فيها طائفته العلوية أغلبية، وما زالت الشوارع والمباني عليها صور الأسد. وقُتل عيد بطلق ناري أمام منزله بينما كان عائدا من عمله، بحسب ما ذكره سكان محليون.

وأشارت الـ quot;نيويورك تايمزquot; إلى ما وصفته صحيفة quot;العروبةquot;، وهي صحيفة موالية للحكومة، بأن الدكتور عيد كان quot;رمزاً للإخلاصquot;، وقالت إنه كان يعالج ضحايا أعمال العنف quot;من دون تمييز بين أي منهمquot;. غير أن المسلمين السنة، يصفونه بـ quot;المخبر الحكومي الذي ساعد القوات الأمنية على اعتقال الجرحى الذين كانوا يخضعون للعلاج في مستشفاهquot;.

واحتفل بعض سكان المدينة بموت الطبيب، معتبرين أن وفاته بمثابة quot;نصرquot; لهم، في حين قال أحد السكان (65 عاماً): quot;لقد قُتل لأنه يستحق ذلك، كان مسؤولاً عن موت الكثير من الشبابquot;. بعد فجر اليوم التالي، علا صوت إطلاق النيران بينما كان الأطفال في طريقهم إلى المدرسة. وقال رجل كبير السن يجمع القمامة وينظف الشوارع في المنطقة: quot;لقد أطلقوا النار على أبو عليquot;. وذكر سكان المدينة أن أبو علي مخبر آخر.

وقال أبو غالي، ناشط في أواخر الأربعينات: quot;كنا نحن الشباب منتبهين إليه منذ وقت طويل، ولكن الوضع مختلف تماماً، فقد استمر في كتابة التقارير لذا اضطروا لقتله، ولا أعتقد أنه مات فوراًquot;، مضيفاً أنه ليس من الصعب الحصول على معلومات عن المخبرين quot;فيمكن القيام بأي شيء باستخدام المال.. ما عليك إلا أن تقدم رشوة لضابط شرطة، وأن تكون سخياً معه، ويمكنك الحصول على ما تشاءquot;.

وقد وقعت حوادث قتل عديدة خلال يومين دمويين في مدينة حمص التي تقع على طول نهر العاصي، بالقرب من قلعة الحصن التاريخية. وقال السكان إنه بعد موت أبو علي قتل ثلاثة مدرسين علويين في مدرسة في حي بابا عمرو، على الرغم من أن صحف الحكومة لم تؤكد هذه الوفيات. وعثر في فترة بعد الظهر على محمد علي عقيل، وهو عميد مساعد في جامعة البعث في حمص، ميتاً في سيارته على الطريق السريع. وقال الطلاب إنه أبدى تأييده للانتفاضة وانتقد قيادة الرئيس الأسد في محاضراته.

وقد كتب أحد الطلاب على موقع quot;فايسبوكquot;: quot;صحيح أننا كنا نخاف أثناء محاضراتك، ولكنك كنت أستاذاً رائعاً، فلترقد في سلام، ونحن لن ننساك أبداquot;. ونقلت الصحيفة عن سكان حمص قولهم إن الأسلحة تتدفق عبر الحدود السهلة الاختراق من تركيا، فالكثير من السكان يشعرون بالخوف والفخر في آن واحد، مستمدين القوة من معارضتهم للديكتاتورية، بينما الكثير من العلويين يشعرون بالرعب، فهم غالباً ما يكونون ضحايا وضعهم في صور نمطية مبتذلة وربطهم في الأحاديث الشعبية بالنظام الحاكم.

ولا يشاهد السكان في القرى العلوية سوى قنوات التلفزيون الحكومية، لكن القيام بمثل هذا الفعل في الأحياء السنية يصل إلى مرتبة الخيانة، حيث تعتبر قناة quot;الجزيرةquot; وquot;العربيةquot; من القنوات المفضلة. ويعطي الشك الفرصة لانتشار أغرب الشائعات، حيث يقال إن جزارة في حمص تدعى أم خالد تطلب من العصابات المسلحة أن يجلبوا لها جثث العلويين الذين يأسرونهم حتى تقطعهم وتبيع لحومهم إلى زبائنها.

وتعمل العلاقات التاريخية الممتدة منذ قرون بين الطوائف على بقاء المدينة متماسكة، حتى مع نذر الحرب الأهلية التي تهدد بقطع هذه العلاقات للأبد، ويشتعل الريف، كما يقول السكان، بدرجة أشد من الكراهية الطائفية، حيث تفصل نقاط تفتيش حكومية بين السنة والعلويين.

وقال ناشط (46 عاما): quot;عندما يقتل أحد الجانبين علوياً، يقتل الجانب الآخر سنياًquot;. وقد كانت الحصيلة الإجمالية للانتفاضة قاتمة، فقد لقي أكثر من 2700 شخص حتفهم، وفقاً لإحصاء الأمم المتحدة، ولا تزال الانتفاضة تستمد الكثير من قوتها من الريف، بينما لا تزال المدينتان الكبيرتان، حلب ودمشق، هادئتين نسبياً.

وعلى الرغم من ضعف موجة الاحتجاجات في الآونة الأخيرة، فإن حمص لا تزال على تحديها. وفي كثير من الأحيان يحمي رجال مسلحون نطاق الاحتجاجات في أماكن مثل باب السباع والخالدية وبابا عمرو. وقد قام بعضهم بتنفيذ عمليات الاغتيال ضد بعض الواشين، أو quot;العواينيةquot; كما يسمونهم، بينما قام البعض الآخر بمراقبة نقاط التفتيش الحكومية وعمل نقاط تفتيش موقتة خاصة بهم. وقال سائق في أواخر الخمسين من العمر من حي الخالدية: quot;يمتلك الثوار قذائف صاروخية وبنادق كلاشينكوف، وينبغي أن يكونوا مسلحين ليتمكنوا من حمايتناquot;.