جمال مبارك وأربعة من أعضاء المركز المصري للدراسات الاقتصادية خلف القضبان بتهم فساد

كشفت برقيات سرية سابقةتبادلها المسؤولون الأميركيون عن تخوفهم من أن تؤدي الخصخصة في مصر والتي دعمتها الولايات المتحدة سابقا إلى انتشار الفساد في البلاد، وسبق لواشنطن أن دعمت تأسيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية لتحقيق أهدافها على الصعيد الاقتصادي في مصر.


بينما بدأت الحكومة الأميركية قبل عقدين تمويل مركز أبحاث مصري مخصص للإصلاح الاقتصادي، إلا أن الأمور لم تسر كما كان يُؤمَل، وهو ما اتضح من خلال التداعيات التي تمخضت عن موجة الربيع العربي التي هبّت على مصر مطلع العام الجاري.

فبعد أن تم تأسيس هذا المركز ( المركز المصري للدراسات الاقتصادية ) بمبلغ قدره 10 ملايين دولار تحصلت عليه مصر كمنحة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، تم تجميع قادة الصناعة في دائرة صغيرة إلى جانب نجل الرئيس المصري السابق جمال مبارك. ومع مرور الوقت، شغل أعضاء تلك المجموعة مناصب قياديةً بارزةً في الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم وشغلوا كذلك مناصب بارزةً في الحكومة.

غير أن الثورة المصرية، التي أطاحت بالنظام السابق بأكمله مطلع العام الجاري، جاءت لتكشف عن قضايا فساد كبيرة. وليس هناك من دليل على ذلك أفضل من وضع جمال مبارك وأربعة من أعضاء هذا المركز البحثي خلف القضبان الآن، بعد اتهامهم بإهدار المال العام من خلال بيع الموارد العامة والأراضي والشركات التي تديرها الحكومة كجزء من عملية إعادة هيكلة كبرى كانوا يعتزمون القيام بها. كما غادر آخرون البلاد وسط موجة غضب شعبي عارم أطاحت في الأخير بالرئيس مبارك.

ونقلت هنا صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن الدكتورة ماجدة قنديل، المديرة التنفيذية الجديدة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، قولها بخصوص برنامج الخصخصة quot; لقد أضحت رأسمالية محسوبيةquot;. ونتيجة للفساد الذي استشرى في البلاد، أشارت الصحيفة إلى أن المركز يُقدِّر الآن الأصول التي باعتها مصر منذ عام 1991 بحوالى 10 مليارات دولار، أي أقل من قيمتها المفترضة بـ 90 مليار دولار.
وتابعت الصحيفة بقولها إن ملحمة الخصخصة يمكن أن توصف بأنها حكاية تحذيرية بشأن السلطة وأخطار المساعدات الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة ndash; وبخاصة مبلغ الـ 8 مليارات دولار الذي منحته أميركا لمصر منذ تسعينات القرن الماضي من أجل الدفع بالبلاد نحو انتهاج وتطبيق إصلاحات على الصعيد الاقتصادي.

وفي مقابل ذلك، ينفى جمال مبارك، 47 عاماً، وآخرون، تورطهم في أي مخالفات، وهم إذ يناضلون الآن داخل ساحات القضاء من أجل إسقاط تهم الفساد المنسوبة إليهم من قِبل الحكومة المصرية الجديدة، وقالوا إنهم اُبتُزوا لاسترضاء المحتجين المطالبين بالقصاص. كما أكد المتهمون أن الصفقات كانت شرعية بموجب قوانين قائمة.
لكن جهود الخصخصة في مصر التي حظيت بدعم أميركا أعادت للأذهان السنوات التي أثيرت فيها تساؤلات من قِبل المنتقدين بخصوص شفافية وفعالية المساعدات العسكرية والاقتصادية التي زادت قيمتها عن 70 مليار دولار وتحصلت عليها مصر على مدار العقود الستة الماضية، وهي أكبر مساعدات تحصل عليها دولة بخلاف إسرائيل.

وفي الوقت الذي لم يثر فيه المسؤولون الأميركيون تساؤلاتهم على الملأ بخصوص تمويل المركز المصري للدراسات الاقتصادية، فإنهم أعربوا عن تخوفهم في برقيات سرية من أن جهود الخصخصة قد تؤدي إلى تزايد الفساد، وذلك وفقاً لمراجعة أجرتها الصحيفة للمئات من الوثائق التي أماط عنها النقاب موقع ويكيليكس.

كما رفض مسؤولون في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أن يعلقوا على دعمهم المركز المصري للدراسات الاقتصادية أو جهود الخصخصة في البلاد أو حتى الآراء التي ورد ذكرها بالبرقيات السرية. بعدها، مضت الصحيفة تتحدث عن شخصية جمال مبارك، باعتباره كان نموذجاً داعماً للخصخصة، فقالت إنه خريج الجامعة الأميركية في القاهرة، وأنه بدأ حياته الوظيفية كمصرفي استثماري في بنك أوف أميركا في العاصمة البريطانية لندن. ثم أبرزت تعاونه بعد ذلك مع شقيقه، علاء، وتحولهما إلى رأسماليين، ونجاحهما كذلك في تكوين ثروة من خلال شراء وبيع الديون المصرية، وفقاً لادعاءات تحدث عنها في هذا الشأن محققون مصريون.

ثم نوهت الصحيفة إلى تنامي نفوذ جمال بعد استعانته بمحامي يدعى طاهر حلمي في وضع مشروع قانون عام 1991 أجاز برنامج الخصخصة في مصر، من خلال خطة هدفها خصخصة أكثر من 350 شركة تقدر قيمتها الإجمالية بحوالي 104 مليارات دولار.
وبعدها بعام، تعاون جمال مع حلمي لتأسيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية، للترويج لإصلاحات السوق من خلال الكتب والأبحاث السياسية والمؤتمرات. وقد أبرمت بعض صفقات الخصخصة في تسعينات القرن الماضي. لكن التغييرات الكبرى لم تتحقق إلا بعد أن فرض جمال مبارك ورفاقه الإصلاحيون هيمنتهم على الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر. ثم أتت الإصلاحات بشكل متعاقب على هيئة سياسات وقوانين جديدة، يستند عدد كبير منها بشكل مباشر على الأبحاث التي قام بإعدادها المركز المصري للدراسات الاقتصادية الذي تموله أميركا.

وبعد تشكيل جمال للجنة السياسات في الحزب عام 2002، بدأت تتوالى صفقات الخصخصة بصورة سريعة. وفي عام 2003، قامت مصر بخصخصة 9 شركات تقدر قيمتها بحوالى 18 مليون دولار. وفي عامي 2005 و 2006، ارتفع عدد الصفقات إلى 59 صفقة، بلغت قيمتها الإجمالية حوالي 2.6 مليار دولار أميركي.

ورغم الآثار الإيجابية التي بدأت تلقي بظلالها في ذلك الوقت على الاقتصاد المصري، إلا أن دبلوماسيين أميركيين كانوا يحذرون في الكواليس من المتاعب المحتمل حدوثها، وبخاصة من تأثير الفساد على مساعي النمو. ثم تابعت الصحيفة الحديث عن زمرة الأشخاص الذين استفادوا من برنامج الخصخصة هذا، وفي مقدمتهم طاهر حلمي، رغم التصريحات التي كان يتشدق بها قبل أعوام عن إقدامه على وضع تشريعات من شأنها إنعاش الاقتصاد فقط من أجل مصر. بالإضافة إلى أحمد عز، أحد الأعضاء المؤسسين للمركز المصري للدراسات الاقتصادية والبرلماني البارز، الذي نفى بدوره هو الآخر كل ما نسب إليه من اتهامات خلال الآونة الأخيرة. كما تحدثت الصحيفة عن مستفيد آخر هو الوزير السابق للإسكان أحمد المغربي.

وختمت الصحيفة حديثها بنقلها عن قنديل، قولها :quot; بعض صفقات الخصخصة كانت غريبة. وكانت النتيجة هي أنها عادت بالنفع على هؤلاء الذين أشرفوا على العمليةquot;. كما قالت قنديل إن حلمي، الذي كان يترأس المركز المصري للدراسات الاقتصادية العام الماضي، طُلِب منه أن يرحل. وأوضحت أن آخر مرة رأته فيها كانت قبل ثورة يناير، حين أخبرها بأنه مسافر في رحلة عمل، وأنه لا يمتلك خططاً فوريةً للعودة من المملكة المتحدة، حيث يعيش هناك الآن مع زوجته وأبنائه الثلاثة. وقد رفض حلمي، الذي لم يتهم بقضايا فساد، طلباً من جانب الصحيفة لإجراء مقابلة معه.