تعيش مدينة سرت الليبية واقعا شديد السواد في ظل قيام بعض كتائب الثوار بنهب ممتلكاتها وتنفيذ عمليات انتقام بحق سكانها، كما تبين شهاداتالسكان وصحافيين دخلوا المدينة بعد تحريرها.


سرت..السيارات تأتي فارغة وتغادر محملة

أصبحت الشاحنات المتجهة الى سرت أول نذير يبعث على القلق. فهي تأتي من مصراتة الى مسقط رأس معمّر القذافي فارغة وتعود محمّلة بالسيارات التي تُرصف على جنبها لأخذ أكبر عدد منها. ولكنّ المؤشر التالي نذير حتى أشد مدعاة للقلق. ففي فندق quot;مهاري سرتquot; الذي يطل على البحر كان متطوعون مدنيون ينقلون عشرات الجثث من المرج المحاذي للشاطئ. وقال فرج الحمالي الذي كان يعمل في مطعم الفندق إن المتطوعين نقلوا 80 جثة فيما تحدثت منظمة مراقبة حقوق الانسان quot;هيومن رايتس ووتشquot; عن 53 جثة. ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن الحمالي قوله إن quot; ثوار مصراتة أعدمواquot; الضحايا مضيفاً quot;أن هؤلاء الثوار أسوأ من القذافيquot;.

وقال بيتر بوكارت مدير الطوارئ في منظمة هيومن رايتس ووتش quot;إنها اكبر عملية قتل ارتكبها الثوار الليبيون على ما يُفترضquot;.

وليس من السهل تحديد هويات الضحايا. ويبدو انهم قُتلوا قبل اربعة أو خمسة ايام وربما بالتزامن مع القبض على القذافي وقتله عندما حاول الفرار من سرت.

وقال الحمالي إن العديد من الضحايا مدنيون من سرت. وتعرف سكان آخرون من اهل المدينة تحدثوا لمنظمة هيومن رايتس ووتش على اربعة قائلين انهم عز الدين الهنشري وهو مسؤول سابق في نظام القذافي، على ما يُزعم، وضابط اسمه مفتاح دبرون واثنان من سكان سرت هما عمار محمود صالح ومفتاح الديلي. وشاهد صحافيون دخلوا سرت يوم سقوطها ثوارا يسحبون أشخاصًا عزّلا من بيوتهم.

وما يبدو بلا أدنى شك أن الضحايا أُعدموا ومُددت جثثهم على مرج الفندق حيث لم تكن هناك آثار معركة بالاسلحة النارية ما عدا خراطيش فارغة من رشاشات كلاشنكوف. وترك المسؤولون عن اعمال القتل آثارا تشير إلى هويتهم بعشرات الشعارات التي كُتبت على الجدران معلنة سيطرة quot;كتيبة النمرquot; على الفندق، وهي الكتيبة المصراتية نفسها التي ألقت القبض على القذافي وقتلته يوم الخميس الماضي، بحسب صحيفة كريستيان ساينس مونيتر.

وكانت كتيبة النمر سيطرت على فندق مهاري ـ سرت منذ اوائل تشرين الأول/اكتوبر وفقدت اثنين من قادتها في القتال الشرس على الفندق. وقال عامل المطعم الحمالي quot;ان هذا هو انتقام مصراتةquot; في اشارة إلى المدينة الساحلية التي تعرضت الى حصار استمر ستة اشهر فرضته عليها قوات القذافي.

كان وسط مدينة سرت مقفراً. إذ شهدت المنطقة قتالاً عنيفاً، ولكن هذا لا يفسر عدم بقاء بيت واحد من بيوتها سالما. ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونيتر عن الحاج عثمان بلحاج وهو قائد عسكري ينتمي إلى كتيبة مصراتية أخرى، أن الثوار كانوا يدمرون المبنى إذا كان فيه قناص موال للقذافي quot;ولكن كتيبة النمر كانت تفجر المباني بلا سببquot;.

وفي شارع دبي، الشارع الرئيس في سرت، وقف شاب يضع قلنسوة حمراء على رأسه وحيدا وسط الدمار حيث كل مبنى مخرم بالرصاص وآثار القنابل اليدوية، والشارع كلّه غمرته المياه.

قال الشاب انه قذافي بمعنى انتمائه الى قبيلة الزعيم الليبي المخلوع. وأضاف quot;عدتُ قبل ثلاثة ايام مع اشقائي. كنا من آخر المغاردين ولكننا كنا أول العائدين. لم يكن لدينا خيار. إذ كنا نعيش في خيم في الصحراءquot;.

ولكن الشاب القذافي مرّ في اليوم الثاني من العودة الى مدينته بمجموعة من مصراتة التي يمكن التعرف إلى مقاتليها بسهولة من سياراتهم السوداء. وقال إنهم ما إن عرفوا اسمه حتى رموه في الماء وانهالوا عليه بالضرب طيلة يوم الى أن اطلق سراحه مقاتل من بنغازي. وأضاف quot;أن القذافي لم يفعل بي ذلك ذات يومquot;.

تقدم ثلاثة مقاتلين عبر الشارع المقفر كانوا من البريقة واجدابيا في الشرق. قالوا إن مهمتهم حماية المدنيين. واعترف احدهم من اجدابيا بأنهم طلبوا من ثوار مصراتة ان يحسنوا معاملة المدنيين quot;ولكن سرت في غالبيتها الآن تحت سيطرة وحدات من الشرق ومن سرت نفسها ولم تبق إلا بعض الوحدات من مصراتةquot; متوقعا ان يتحسن الوضع في المدينة. ولكن صادق احمد محمد ليس واثقا من هذا الكلام. وقال quot;إن ثوار مصراتة يعودون ليلا وينطلقون في الشوارع حيث يطلقون النار من اسلحتهمquot;.

وكان عشرات المدنيين مثل صادق محمد عادوا الى سرت منذ يوم الاثنين ولكن غالبيتهم جاؤوا لانقاذ ما يمكن انقاذه من ممتلكتهم وقلة قرروا المبيت في بيوتهم. وقال محمد إن سكان سرت يحتاجون الى الماء والكهرباء quot;ولكننا قبل كل شيء نحتاج إلى الأمن. فنحن كلنا خائفون من ثوار مصراتة ويتعين ان يأتي أحد ويأخذ منهم أسلحتهمquot;.

في واحد من المباني الحكومية القليلة التي لم تتضرر في سرت جلس صلاح البيضا قائد كتيبة سرت من ابناء المدينة نفسها لكنه انضم الى الثوار، وعادل نصر مساعده، وراء منضدة عملاقة في غرفة اجتماعات مهجورة.

في البداية تحدث المسؤولان مرددين العبارات المعهودة بالقول quot;كلنا ليبيون الآن.... والدمار نتيجة القتال مع قوات القذافي.... ولا نعرف من كان يسيطر على فندق مهاري ـ سرتquot;. واعترف نصر في حديث لصحيفة كريتسيان ساينس مونيتر بأن quot;ثوار مصراتة فعلوا عدة اشياء انتقامية سيئة ولكننا لا نلومهم لأننا نعرف ان جنود القذافي اغتصبوا نساءهمquot;. ثم انفتحت قريحة نصر قائلا quot;نحن سعداء وحزينون في الوقت نفسه. سعداء لأننا لم نعد نقاتل للسيطرة على سرت وحزينون لرؤيتنا ما حل بالمدينةquot;.

واضاف نصر انه من مدينة سرت لكنه قاتل في مصراتة طيلة اشهر وأن شقيقه تعرض للاعتقال حين علم ازلام القذافي بانضمامه الى الثوار ولم يُعثر على شقيقه حتى الآن. quot;ولكن ثوار مصراته دمروا شوارع كاملةquot;، على حد قوله. وتابع نصر أن quot;أكثر الدمار الذي تراه في سرت أنزله الثوار.

أنهم دمروا حتى بيتي أنا.... لم نر عائلاتنا منذ اشهر والآن لا نستطيع حتى إعادتها إلى بيوتها. لم يبق بيت في سرت سالما وما لم يقصفه حلف الأطلسي دمره ثوار مصراتةquot;. وواصل نصر هجومه على ثوار مصراتة قائلاً quot;انهم لصوص سرقوا كل شيء، من الماشية إلى شاحنات جمع القمامة وعلينا ان نبدأ من لا شيءquot;.

وتحدث القائدان مع المجلس العسكري في مصراتة، ولكن المجلس قال إنهم عاجزون عن السيطرة على الكتائب.

وقال نصر إن ثوار مصراتة يستطيعون ان يفعلوا ما يشاؤون مع القذافي وجنوده quot;فنحن ليست لدينا مشكلة مع ذلك، ولكن إذا تصرف الثوار كما كان يتصرف جنود القذافي فان الثورة حدثت من أجل لا شيءquot;.

وقال القائد العسكري صلاح بيضا لصحيفة كريستيان ساينس مونيتر quot;قولوا للعالم ما يحدث في سرت. لا بد أن يفعل المجلس الوطني الانتقالي والمجتمع الدولي شيئا من اجل سرتquot;.

في المقبرة حيث دُفن ضحايا فندق مهاري ـ سرت، أعرب بوكارات ممثل منظمة هيومن رايتس ووتش عن اتفاقه مع القائد العسكري صلاح بيضا. وقال بوكارت quot;إن ما حدث في سرت لم يكن في نية المجلس الانتقالي ولكن من الواضح ان هناك وحدات خارجة عن سيطرة المجلسquot;.

وكان ثوار مصراتة اعلنوا في وقت سابق أن سكان مدينة طوارقة البالغ عددهم نحو 30 الفا غالبيتهم من السود لن يُسمح لهم بالعودة لأن العديد منهم اتخذوا جانب القذافي في معركة مصراتة. وقال بوكارت إن هذه الأعمال quot;لا تتماشى مع الالتزامات الدولية التي تقع على عاتق المجلس الوطني الانتقاليquot; مؤكدا ان امام المجلس فرصة تتضاءل ليثبت فيها ان الحرب كانت من اجل اهل سرت ايضا quot;ولن يكون هناك انتقام جماعيquot;.

في مصراتة نفسها اعرب قائد كتيبة حلبوس الحاج عثمان بلحاج عن ادراكه التحديات، وقال quot;إن مهمتنا الرئيسة بعد ان انتهى القذافي هي حماية المدنيين من الانتقامquot;.