تعتقد الحكومة الإيرانية، مثلها مثل حكومات عديدة في الشرق الأوسط، أن إدارة اوباما أسيرة رغبة في إزالة الآثار السلبية الموروثة من حقبة بوش وإنهاء تكاليف حربين يصعب تبريرهما في المنطقة، بحيث إنها لن تتدخل مرة أخرى عسكريا ضدها.


مشاكل الرئيس الأميركيّ الداخلية تجعل سياسته تجاه إيران quot;بلا أسنانquot;

واشنطن: يبدو أن القادة الإيرانيين يحسبون ان الولايات المتحدة لن تغامر بحرب جديدة في المنطقة لوقف برنامجهم الرامي إلى إنتاج أسلحة نووية.

والظاهر ان الحكومة الإسرائيلية، القلقة بدورها من ان حليفتها الأولى فقدت الرغبة في القيام بتدخلات معقدة في المنطقة، تظن أنها باستخدام الورقة الايرانية يمكن ان تدفع الولايات المتحدة الى تحرك يعيد أواصر اللحمة بين الدولتين.

ويرى القادة الإسرائيليون أنهم يستطيعون ان يترجموا موقفهم من ايران بوصفها خطرا وجوديا على إسرائيل وقوة إقليمية صاعدة، إلى التزام أميركي جديد تجاه المنطقة وعلاقات أمتن مع إسرائيل.

ولكن الإيرانيين والإسرائيليين مخطئون في قراءتهم هذه، كما ترى مجلة فورين بوليسي الاميركية مشيرة الى ما قالته صحيفة الغارديان البريطانية عن موقف بريطانيا، أوثق حلفاء الولايات المتحدة، التي يعتقد قادتها ان على الرئيس اوباما ان يتخذ قرارا حاسما في الأشهر المقبلة لأنه برأيهم لا يريد ان يفعل شيئا قبل الانتخابات الرئاسية.

وتؤكد مجلة فورين بورليسي ان هذه القراءة البريطانية لتفكير الرئيس الاميركي هي الأخرى قراءة خاطئة.

ويقول محللون في الولايات المتحدة نفسها ان اوباما لن يخاطر بالانجرار الى حرب في المنطقة أو الغليان الذي قد تسببه سلسلة من العمليات العسكرية الاميركية.

ورغم تصاعد حدة التوتر وتوقعات مصادر مطلعة على التقرير الذي ستقدمه الوكالة الدولية للطاقة الذرية قريبا عن التقدم الكبير الذي حققته ايران في تنفيذ برنامجها النووي، بأنه سيكون من الصعب حتى على موسكو وبكين ان تقللا من شأن التقرير ، فإن هناك إحساسا بأن اوباما لن يضغط على الزناد.

ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن المحلل المختص بالشؤون الايرانية كريم سجاد بور ان هجوما عسكريا اميركيا على ايران لن يقع خلال رئاسة اوباما.

وأضاف ان ضرب إيران في وقت تتمثل اولوية اوباما بانعاش الاقتصاد الاميركي وخفض وجود الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، سيجهض هذين الهدفين على السواء.

وسترتفع اسعار النفط ارتفاعا جنونيا. وفي حين ان الضربة العسكرية ضد ايران ليست مؤكدة حتى الآن فان هذا التحليل ايضا تحليل خاطئ، بحسب مجلة فورين بولسي.

والمؤكد أن لا أحد في ادارة اوباما يريد شن هجوم على إيران، وان اتخاذ خطوات من شأنها ان تورط الولايات المتحدة في حرب أخرى أو تلحق مزيدا من الضرر بالاقتصاد العالمي وتلهي الادارة عن الاهتمام بالجبهة الداخلية، سيلقى معارضة شديدة من العديد من كبار مستشاري اوباما، ولا ريب في ان اوباما نفسه سيكون منقسما مع نفسه حول القضية.

ولكن إذا اقتنع الرئيس الاميركي في نهاية المطاف بأن لا بديل عن الهجوم رغم ما ينطوي عليه من مخاطر عسكرية وسياسية، لمنع ايران من اكتساب القدرة على انتاج يورانيوم عالي التخصيب وبالتالي صنع قنبلة نووية، فانه سيفكر جديا في العمل العسكري وليس مؤكدا انه لن يقدم عليه، كما ترى مجلة فورين بولسي.

ومن منظور السياسة الداخلية فان ورقة اوباما القوية هي أداؤه على جبهة الأمن القومي.

ولأول مرة منذ سنوات عديدة انتزع هذه القضية من الجمهوريين. فهم الآن لا يستطيعون ان يتهموه بالضعف وأن يدعوا انهم يفهمون القضايا الدفاعية أفضل منه.

ولهذا السبب يلتزمون جانب الصمت في هذا الشأن، ويواجه اوباما أربعة مواطن ضعف على هذه الجبهة.

اولا، ان الجمهوريين سينقضون عليه إذا طلب خفض الميزانية العسكرية قبل الانتخابات. لذا لن يلح اوباما على اي استقطاعات.

وتاليا انه سيواجه مشكلة إذا وقع هجوم ارهابي وبدت ادارته غير مستعدة له. ولكن هذا احتمال مستبعد.

وثالثا، إذا ابتعد اوباما عن اسرائيل سيحاول الجمهوريون ان يستثمروا الاحساس لدى مؤيدي اسرائيل بأن اوباما ليس صديقا ملتزما.

وأخيرا، إذا فجرت ايران قنبلة نووية فان اوباما سيحمل مسؤولية تمكينها وسيواجه حملات شعواء لانتهاجه سياسة تواصل اثبتت في النهاية انها سياسة بلا أسنان، على حد تعبير مجلة فورين بولسي.

في ضوء هذه المعطيات يدرك اوباما ومستشاروه أهمية القضية الإيرانية، ولكن مخاوفهم تذهب أبعد من ذلك بكثير، فإن الرئيس ومسؤولي الأمن القومي في إدارته ينظرون بقلق بالغ الى التداعيات المرتبطة باختراق نووي تحققه ايران.

فمن المرجح ان يطلق مثل هذا الاختراق سباق تسلح في المنطقة التي تمر اصلا بفترة من انعدام الاستقرار، وسيؤدي على الفور الى تصاعد حدة التوتر ليس بين ايران واسرائيل فحسب بل بين ايران وخصومها التاريخيين في منطقة الخليج أيضا.

وسيعزز هذا الاختراق سطوة ايران المفترضة ويؤكد غياب الثقل المضاد لنفوذها سواء من الولايات المتحدة أو الغرب أو المجتمع الدولي بصفة عامة.
وفي حين ان استهداف منشآت ايران النووية سيرفع اسعار النفط بصورة تكاد تكون مؤكدة فان هذه الأسعار ستثبت إذا كانت الضربة ناجحة ولم تسفر عن حرب مديدة.

وإزاء ركود الاقتصاد العالمي فان اسعار النفط لا تواجه ضغوطا باتجاه الارتفاع هذه الأيام. ولكن إذا امتلكت ايران اسلحة نووية فان هذا التطور قد يشيع اجواء من الريبة ستكون مديدة وذات أثر طويل الأمد على أسعار النفط.

كما أن الافتراض البريطاني بأن اوباما لن يقدم على عمل كهذا مع اقتراب الانتخابات افتراض خاطئ على مستويين.

اولا ان عملا حازما قبل الانتخابات ردا على تهديد حقيقي بعد جهود مضنية لاعتماد خيارات سلمية سيخدم الرئيس سياسيا. فان اوباما سياسي بلا أدنى شك ولكنه حين يتعلق الأمر بالأمن القومي أصبح اكثر ثقة بنفسه واشد انضباطا.

ولدى تخمين ما قد يفعله يتعين ان يؤخذ في الاعتبار ما حققه من نجاح بالاجراءات العسكرية التي أقدم عليها ضد هدف محدد بدقة، فإن الفكرة القائلة ان لا حروب بعد اليوم في الشرق الأوسط ، رُميت من النافذة بالتدخل في ليبيا.

كما ان الموضوعة القائلة ان اوباما quot;يتهيب هذه القضاياquot; قُتلت في مهدها بصمت حين أمر منذ بداية ولايته ببذل مجهود اثبت نجاحه في النهاية للتخلص من أسامة بن لادن.

وأخيرا ان الإسرائيليين مخطئون إذا ظنوا ان تعاون الولايات المتحدة تجاه ايران سيعيد اللحمة بين الدولتين. فالحكومتان قد تعملان جنبا الى جنب في هذا الشأن مثلما فعلتا في عملية الفيروس ستاكسنت.

وان علاقات وثيقة تربط بينهما، ولكن ما دامت إسرائيل تواصل نشاطها الاستيطاني وسياساتها الأخرى التي تزيد الوضع الفلسطيني تفاقما وتقلل احتمالات الحل فان ادارة اوباما ستكون أعمق انقساما في وجهات نظرها تجاه اسرائيل مما قد توحي به التصريحات العامة.

والأكثر من ذلك ان التاريخ في الواقع يعمل ضد الإسرائيليين، فإن اولويات اميركا الاستراتيجية ليست وحدها التي تتغير بل ان دولا مثلا الصين والهند تزداد نفوذا في المنطقة مع تنامي حاجتها الى نفطها.

وان هذه الدول تنظر الى النزاع الاسرائيلي الفلسطيني على انه مصدر خطر على مصالحها وقضية لا بد من حلها بطريقة أو اخرى، طالماأن الحل يخدم هدفها النهائي في تأمين إمدادات ثابتة من الطاقة بأسعار منخفضة.

وتتمثل المفارقة في ان ايران نووية تقدم أفضل فرصة لإبقاء اسرائيل مهمة بنظر اميركا ، بحسب مجلة فورين بولسي.

أميركا ستتحرك، ولكن سيكون من الخطأ الرهان على عدم تحركها أو التعامل مع التهديدات الاميركية على انها مجرد مواقف استعراضية.