أصوات محذرة تطالب واشنطن بضرورة الابتعاد عن الانتخابات التي تلي الثورات العربية وأن تتعلم من تدخلها في صياغة الدستور بالعراق وما نجم عن ذلك من تداعيات.
واشنطن: من المنتظر أن يبدأ نهاية هذا الشهر الممثلون المنتخبون من جانب الناخبين التونسيين مهمتهم المتعلقة ببناء نظام سياسي جديد لبلادهم. وإذا سارت الأمور على ما يرام، فإن المصريين والليبيين سيسيرون على النهج ذاته، بإقدامهم على وضع دساتير جديدة.
ولا يزال من غير المتصور أن مجتمعات عربية أخرى ستنضم إليهم، في محاولة لإعادة اختراع الأنظمة السياسية على أساس أكثر ديمقراطية.
وأشارت في هذا الصدد اليوم مجلة quot;فورين بوليسيquot; الأميركية إلى أن الشعوب في تلك المجتمعات على وشك أن تشترك في عملية غير مسبوقة بالنسبة لها ndash; بينما سبق لها أن عاشت جميعها في ظل دساتير أخرى من قبل، كانت مُسَخَّرة عموماً لخدمة الحكومات الاستبدادية.
وهي الوضعية التي تغيرت الآن، بعد أن تولدت رغبة لدى الشعوب في صياغة دساتيرها بما يسمح لها العيش بصورة ديمقراطية.
غير أن المجلة ذائعة الصيت نبهت في هذا الجانب إلى ضرورة ابتعاد الولايات المتحدة عن هذا الشأن، وأن تتعلم مما سبق أن حدث بعد تدخلها في عملية صياغة الدستور بالعراق وما نجم عن ذلك من تداعيات.
وعللت المجلة وجهة نظرها بخمس نقاط، أولها هو أنه حين تمنح جهات خارجية نصيحتها، فإنها تميل لطرح سؤال مجرد هو : ما هو أفضل دستور يمكن وضعه لمجتمع ما ؟ ورأت المجلة أن تلك الجهات لا تكون جاهلة في الغالب فحسب بذلك المجتمع، بل تنسى أيضاً أن صياغة الدستور هي عملية سياسية بامتياز. كما يُنتَظر أن يكون الدستور الجديد في تلك البلدان بمثابة الاختبار الأول للتوازن الجديد للقوى السياسية.
وثاني النقاط التي تحدثت عنها المجلة هي المتعلقة بأن الدولتين المصرية والتونسية ليستا دولتين فاشلتين أو محتلتين، حتى ينجح الغرباء في الترويج لأفكارهم هناك.
ونوهت فورين بوليسي إلى أنه وفي الوقت الذي سهلت فيه طائرات الناتو على الثوار الليبيين حربهم ضد القذافي، فمن غير المحتمل أن تلعب دوراً بارزاً في العملية الخاصة بوضع الدستور.
أما النقطة الثالثة فتدور حول أن العالم العربي يمتلك في واقع الأمر مجموعة طويلة من التقاليد الدستورية التي ستعمل بمثابة الاحتياطي أو الذخيرة لجهود الصياغة. أما النقطة الرابعة فهي أن التجربة الأميركية، من المنظور الدستوري، تعتبر غريبة للغاية، وتعتبر كذلك نتاج لطريق ثوري مختلف تماماً. والنقطة الخامسة التي أبرزتها فورين بوليسي في هذا الشأن هي تلك التي تدور عن أن الولايات المتحدة تمتلك سجلاً طويلاً من استيعاب الحكم الاستبدادي.
ثم أشارت المجلة إلى أن بمقدور واشنطن القيام بعض الأمور التي قد تساهم بشكل أو بآخر في إنجاح العملية الانتخابية بمختلف البلدان التي هبت عليها نسائم الربيع العربي هذا العام، بعيداً عن الانخراط التام في تلك العملية أو الاكتفاء بمجرد المشاهدة.
وقالت إن أول هذه الأمور هو أن بمقدور أميركا التحدث عن أن سيادة القانون قد تكون مجدية دولياً وكذلك داخلياً.
والأمر الثاني هو أن الولايات المتحدة قد يكون بمقدورها تقديم المساعدة التقنية النزيهة، وقصدت المجلة الأميركية هنا تقديم المشورة المفيدة بشأن الطريقة التي تبني من خلالها العديد من الدول هياكل للإشراف على الخدمة المدنية أو ضمان امتلاكها القدرة على تجميع قوائم ناخبين عادلة. والأمر الثالث هو أن أميركا تحظى بتأثير مع جهات معينة وميل لمكافحة الآخرين.
وختمت المجلة بتأكيدها على ضرورة التعامل مع تلك التحديات بصورة مختلفة، خاصة وأن واشنطن مستعدة لرؤية الهياكل الدستورية المصممة في العالم العربي.
التعليقات