بعد سقوط نظام العقيد الليبي معمّر القذافي، الذي كان يستخدم المدارس والجامعات كأماكن للتلقين، باتت هناك توقعات الآن بأن يتم تحديث النظام التعليمي، وإن كان ذلك يتطلب بذل مزيد من الجهد والعمل خلال السنوات المقبلة من جانبالأطراف كافة.


القادة الليبيون يبذلون جهودًا من أجل إعادة بناء المؤسسات التعليمية

أشرف أبوجلالة من القاهرة: بدا تغير الأجواء ملحوظًا داخل جامعة طرابلس الليبية، على سبيل المثال، في أول يوم دراسة بها منذ تموز/ يوليو الماضي.

ونقلت في هذا السياق اليوم صحيفة واشنطن بوست الأميركية عن طالبة في كلية الطب تدعى أروى منتصر، 18 عاماً، قولها: quot;مات الكثير من الأشخاص على جبهة القتال. وقُتِل كثير من زملاء الدراسة في الثورةquot;.

وأعقبت الصحيفة بقولها إن غياب هؤلاء هو الثمن المرير الذي تم دفعه لكي يتولد هذا الشعور الجديد بين المدرسين والطلبة والآمال بأن تقضي الحقبة الجديدة على ثقافة التلقين والفساد، التي توطدت في المدارس والجامعات في عصر معمّر القذافي.

من جانبه قال فيصل كريكشي، الرئيس الجديد لجامعة طرابلس: quot;لدينا 120 ألف طالب، وما يقرب من 5000 في هيئة التدريس، في بلد يقدر عدد سكانه بـ 6 مليون نسمة. وهو ما يبين لك حيوية هذا القطاع. فهذا المكان قد يصبح نواة لإعادة بناء البلادquot;.

ثم نوهت الصحيفة بالجهود التي يبذلها القادة الليبيون الآن من أجل إعادة بناء مؤسساتها، في أعقاب الإطاحة بالعقيد معمّر القذافي. وشددت في الإطار عينه على أهمية تكوين جيش مترابط، حتى وإن تم تجنيد الثوار المسلحين، الذين مازالوا في الشوارع. أما من يتطلعون إلى المستقبل، فتحسين التعليم هو أمر أكثر أهمية وأكثر صعوبة.

وقالت خديجة بن موسى، التي تُدرّس هندسة الحاسوب في جامعة طرابلس: quot;وضع القذافي هذا النظام، لتكون النتيجة النهائية إصابة الناس بالجهل، ومن ثم عدم تعلمهم، وبالتالي عدم الاعتراض عليه. وخلال سنوات حكمه، كنت أُجبَر على استخدام طرق تعليم قديمة الطراز. فليس على الطالب سوى أن يتذكر. فليس هناك تحليل أو فهم. فحكومة القذافي لم تكن تريد الناس أن تفكر أو تقرأ أو أن يكونوا مبدعينquot;.

ورغم إقدام القذافي في بداية حكمه للبلاد على بناء مدارس وجامعات، وتشجيعه على إتباع طرق ومناهج تعليم حديثة، إلا أنه وفي الوقت الذي بدأ يعزز فيه من هيمنته، قام بنشر quot;الكتاب الأخضرquot;، الذي يتناول النظرية السياسية، وكرّس نفوذه، ومن ثم بدأ يُحدِث رزمة من التغييرات الجذرية في أهداف الجماهيرية من التعليم.

بحلول ثمانينات القرن الماضي، تم حظر دراسة اللغتين الإنكليزية والفرنسية، وبدأت تُدَرَّس تخصصات العلوم والرياضيات والطب بقدر أقل من التأكيد على الجانب المتعلق بالشرح والإثبات، وفقاً لما نقلته الصحيفة عن المدرسين أنفسهم.

وقال هنا طالب يدعى سامي سني، 23 عاماً: quot;لم يكن يريد القذافي أن يصبح الشعب الليبي موهوباً ومزدهراً. ويا له من أمر محزن.. أن يفكر ثمة شخص بهذا الشكل. ويمكنني القول كذلك إن هذا غباء يتسم بالجنونquot;. وأضاف سني: quot;كنت أشعر دائماً بأن المدرّسين لا يؤمنون بالنظام التعليمي الذي كان يطبّقه القذافيquot;.

وأشار سليمان الخوجة، أحد مسؤولي وزارة التعليم الليبية، إلى أن المناهج هي أسهل جزء يمكن تغييره في العملية التعليمية، خاصة وأن الكتاب الأخضر قد رحل، وإن كان سيبقى فقط كقطعة أثرية تاريخية. وسيستمر إصدار نسخ القذافي المجانية من كتب القراءة والدراسات الدينية، ولن يتم المساس حالياً بمادتي العلوم والرياضيات.

فيما لفتت الصحيفة إلى أن العلوم الإنسانية هي التي تشكل الجانب الأكثر تحدياً، خاصة التاريخ الحديث، الذي تجاهل في حقبة القذافي أجزاءً من خمسينات وستينات القرن الماضي، عندما كان لدى ليبيا انتخابات وبرلمان. لكن المسألة الأكثر إلحاحاً هي تلك المتعلقة بالمصير، الذي ينتظر هؤلاء المدرّسين، الذين يعتبرون قريبين من الحكومة السابقة. إضافة إلى ذلك، هناك مشكلة أخرى متعلقة بالتوقعات الكبرى المنتظرة من المدرسين، في ظل الحديث عن إصلاحات أخرى في قطاع التعليم مستقبلاً.