أجمع عدد كبير من الخبراء على أن المرافق التعليمية في السعودية تحتاج إلى إعادة نظر، سواء على الصعيد الهندسي أو الأمني، بهدف المحافظة على سلامة كوادرها، متمنين عدم تحميل جهة تقصير جهة أخرى جزافاً، وموضحين أن الرقابة هي الأساس في الكشف عن مسببات الخلل.


الخبراء يؤكدون حاجة المرافق التعليمية إلى إعادة نظر

جدة: لم تنته تداعيات الحريق، الذي وقع أخيرًا في إحدى مدارس مدينة جدة السعودية، رغم الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة أسبابه، بعدما تسبب بوفاة معلمتين، وإصابة 46 طالبة وموظفة بحروق مختلفة، الأمر الذي أثار مخاوف الأهل على أبنائهم في مدينة تعرف سنوياً كوارث عديدة.

وفيما تواصل لجنة التحقيق البحث في أسباب الحريق، يشتعل بالتوازي مع ذلك جدل واسع بين خبراء الأمن والسلامة والمكاتب الهندسية، التي قامت بتنفيذ وتصميم تلك المرافق، ودور وزارة التعليم الحقيقي ومهمة الدفاع المدني تكمن في الإشراف الدوري وتكثيف المراقبة كما هو مطلوب.

quot;إيلافquot; تواصلت مع تلك الجهات للتعرف إلى أسباب تنصّل كل جهة من المسؤولية ،وتحميل جهات أخرى الأسباب. في البداية، أوضح مدير الدفاع المدني في جدة العميد عبدالله الجداوي أن اللجنة ما زالت تدرس أسباب الحريق، الذي تسبب بوفاة معلمتين، مشدداً على أن كل وسائل الأمن والسلامة كانت متوافرة في المدرسة، إضافة إلى أن مخارج الحريق موجودة أيضاً، وأن آخر فحص دوري عليها كان قبيل الحادث بثلاثة أشهر.

وبيّن أنه، ووفقاً للاتفاقية بين الدفاع المدني ووزارة التربية والتعليم، لا يحق لأي مدرسة البدء في التشغيل، قبل قيام الدفاع بالكشف عليها، والتأكد من وجود وسائل الأمن والسلامة، وبناء على صحة وضع المبنى، يتم استخراج الشهادات والرخص بشكل سنوي، مؤكداً أن الكشف الدوري موجود على مدار العام، مصنفها إلى ثلاث زيارات رسمية.


بدوره، لفت نائب الرئيس التنفيذي لتوليد الكهرباء في الشركة السعودية للكهرباء المهندس فؤاد الشريبي إلى أن دور وزارة الكهرباء السعودية ينتهي بمجرد توليد الكهرباء، ومسؤوليتها لا تتجاوز العداد الكهربائي الموضوع خارج المبنى، مشيراً إلى أن مهمة إيصال الكهرباء داخلياً وتنظيمها هندسياً لا يعنيها، ولا يفضل أن تدخل فيها، لأنها ليست من اختصاصها.

ويرى الشربيني أن الإشراف والمراقبة كانا غائبين على ما يبدو، مشدداً على أنه ما كان للكارثة أن تحدث لو وُجدت الرقابة الحقيقية من جهات بعينها، وطالب من quot;الجميع التأني قبل الحكم على جهة دون الأخرى، نظراً إلى كون لجان عدة تنظر في تلك الحرائق وأسبابهاquot;، وقال إنه متفائل بأن النتائج ستكون إيجابية أكثر مما هو متوقع، بهدف تفادي مشاكل كهذه مستقبلياً.

أما رئيس لجنة الأمن والسلامة في غرفة جدة سابقاً فائق خياط، فطالب في حديثه لـ quot;إيلافquot; بإدراج قسم خاص بأنظمة الأمن والسلامة داخل وزارة التربية والتعليم، أو أن تتعاقد مع شركة أمن وسلامة ومكاتب هندسية احترافية بعيدة عن المتاجرة كما يفعل بعض تلك الشركات.

وعن المسؤول عن الحادثة الأخيرة، أوضح الخياط أن الدفاع المدني هو المسؤول الأول quot;لأنه هو من فحص المبنى، وأعطى بناءً على ذلك الكشف، التصديق على الترخيصquot;، مبيناً أن الدفاع لن يدين نفسه، وسيتم قيد القضية أو سيعاقب صاحب المدرسة على ذلك، إن كان هو مسؤولاً، ولا أحد يعفيه منها، لكنه ليس المسؤول الأول، على حد تعبيره.

وأعرب عن ثقته بأن الدفاع المدني سيزيد من كوادره عقب الحادثة الأخيرة، لكي يخفف من هذا النوع من المشكلات، التي أدت إلى اندلاع الحريق، مشيراً إلى أن جهاز الدفاع المدني قوي وفعال، لكنه بحاجة ماسة إلى عدد أكبر من الأفراد والكوادر لضمان رقابة أفضل.

من جانبه، اعتبر الدكتور المهندس عدنان العباسي في حديث لـ quot;إيلافquot; أن ما لا يقل عن 50% من المباني التعليمية في جدة غير مهيأة باشتراطات الأمن والسلامة، لا الخليجية منها ولا العالمية، وانتقد اشتراط وجود لوح جداري متحرك في الداخل، خلف باب يفتح على الخارج، معتبراً إياه عائقًا رئيسًا لمتابعة الإخلاء والسيطرة على الحريق في حال اندلاعه.

وصنّف العباسي مباني المدارس في جدة إلى قسمين، حكومية وأهلية، الأولى ملك للدولة، أما الثانية فهي مدارس مستأجرة، والأخيرة يعتبر 50% منها لا تنطبق عليها اشتراطات الأمن والسلامة، التي هي على 3 (أكواد) الأميركية والخليجية والسعودية، متمنياً إعادة النظر في مدارس البنات التي تهمش سلامة المبنى، فلا يتم تقسيم وتصميم أبواب الطوارئ وارتفاع السلالم وأماكن وجود المعامل ومناطق التجمع الطلابي.

وأشار إلى أن من نظم السلامة توفر أجهزة الإنذار وأجهزة الحريق، وهي الرش الآلي، إضافة إلى تفعيل أجهزة التوجيهات التحذيرية، والتي تدل الشخص إلى مخارج الطوارئ، مستنكراً إصرار الكثير على وجود حواجز داخلية وخارجية quot;بهدف حفظ عورة المرأةquot; عوضاً من حياتها، كما أوضح أن المكاتب الهندسية تتهاون في التصميم أحياناً في أمور مصيرية عدة، ولاسيما باب الطوارئ، الذي لا يزال يفتح على الداخل، وليس على الخارج كما يجب.

في السياق عينه، استنكر رئيس لجنة المكاتب الهندسية في غرفة جدة المهندس عادل سمرقندي الهجوم الذي شنه عدد من خبراء الأمن والسلامة على المكاتب الهندسية رافضاً تحميلهم المسؤولية كاملة لكون المباني التي تصمم على أساس أنها مبان تعليمية نماذجها معروفة ولا تحتاج إلى تصاميم مختلفة عن المباني الأخرى.

وقال سمرقندي إن 80% من المكاتب الهندسية في جدة تفتقر المهنية والحرفية، وصنفها على أنها تجارية أكثر منها احترافية، بينما 20% من تلك المكاتب احترافية، وقادرة على تولي أصعب المشاريع، مشدداً على أن التربية السعودية تتعامل مع الفئة الثانية وهم أصحاب الـ 20%.

وختم حديثه بالتعبير عن أسفه على سياسة الإشراف التي تتبعها وزارة التربية والتعليم في السعودية، والتي تقتصر على معاينة سير العملية الدراسية quot;المنهجيةquot; فقط، من دون الإشراف على عمليات التشغيل ومعاينته والنظر فيه بشكل جدي.