تظاهرة تدعو الرئيس اليمني إلى الرحيل

وقفت واشنطن وراء تفعيل المبادرة الخليجية، وذلك بعد محاولات يائسة، سعت فيها الإدارة الأميركية إلى إقناعه بالتخلّي عن السلطة، واعتبرت دوائر استخباراتية أميركية أن تلك الخطوة واغتيال أنور العولقي سيقودان إلى تشكيل حكومة يمنية جديدة، قادرة على إعادة الهدوء إلى البلاد، ومكافحة نشاط القاعدة.


في وقت استجاب الرئيس اليمني علي عبد الله صالحلنقل السلطة في بلاده تفعيلاً للمبادرة الخليجية، التي رعاها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، كشفت معطيات نشرتها صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية النقاب عن الدور الأميركي في ممارسة الضغوط على صالح، لإقناعه بقبول المبادرة وتسليم السلطة.

وقال تقرير الصحيفة الإسرائيلية إن الرئيس الأميركي باراك أوباما يمارس تلك الضغوط على الرئيس اليمني منذ ما يربو على ستة أشهر ونيف، إلا أن الأخير رفض التعاطي معها، أملاً في استتباب الأوضاع السياسية والأمنية في اليمن، إلا أنه بعد وصول الحال إلى طريق مسدود، تدخلت الرياض وعدد آخر من الدول الخليجية، لإقناع صالح بأنه آن الأوان لنزع فتيل الأزمة، أملاً في عودة الهدوء الأمني إلى بلاده.

ضغوطات على الرئيس اليمني

لم يكن مستغرباً، بحسب تعبير يديعوت أحرونوت، مباركة توقيع علي عبد الله صالح على المبادرة الخليجية، التي أفضت إلى تسليم السلطة بعد ما يقرب من عشرة أشهر أريقت فيها الدماء في مختلف المدن اليمنية، ولم يتوان أوباما عن إطلاق تصريحاته بعيد التوقيع على المبادرة، إذ قال: quot;إنها لخطوة بالغة الأهمية على مسار إجراء الإصلاحات التي يتطلع إليها الشعب اليمنيquot;، وكشفت يديعوت أحرونوت أن الأميركيين مارسوا ضغوطاً عديدة على الرئيس اليمني للتجاوب مع المبادرة الخليجية.

وكان الهدف من تلك الضغوط قناعة الإدارة الأميركية بعدم نجاعة النظام اليمني في مساعدة الولايات المتحدة في حربها الضروس ضد تنظيم القاعدة، وعندما تلقى أوباما تقارير تفيد بمحاولات صالح استثمار جلّ قواته العسكرية الخاصة لحماية نظامه من السقوط، وأنه غضّ الطرف عن استخدام تلك القوات في مكافحة تنظيم القاعدة، كانت هناك حاجة ماسة لدى واشنطن إلى تغيير نظام علي عبد الله صالح بنظام جديد.

وتفيد المعلومات الإسرائيلية أن حليف الإدارة الأميركية علي عبد الله صالح تحوّل إلى عبء، وأن الجهود الأميركية الرامية إلى دحر تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن باءت كلها بالفشل، وأن الفصيل الذي يقوده أنور العولقي، الذي لقى حتفه خلال الشهر الماضي، كانت تتطلع إلى تنفيذ عمليات تخريبية في عمق الولايات المتحدة، وخلال شهر نيسان/ ابريل الماضي، بحسب الصحيفة العبرية، حثت الإدارة الأميركية من خلف الكواليس عدداً من الدول الخليجية على التوصل إلى صفقة، تضمن للرئيس اليمني خروجاً مشرفاً من السلطة.

كما أجرت الولايات المتحدة في الوقت عينه اتصالات بعلي عبد الله صالح، طلبت فيهامنه مغادرة السلطة بطريقة سلمية في أقرب وقت ممكن، ونتيجة لاستجابته أصبح الرئيس اليمني الزعيم العربي الرابع، الذي ترك السلطة بفعل موسم الربيع العربي، مع الفارق بين الطريقة التي خرج بها وبين زعماء آخرين، إضافة إلى ذلك أكد أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون: quot;أنه سيتم نقل علي عبد الله صالح من السعودية إلى نيويورك لتلقي العلاج الطبي، نتيجة للإصابات التي تعرّض لها خلال محاولة اغتياله قبل أشهر عدة.

نظام قوي لمجابهة القاعدة

وفقاً لمعلومات يديعوت أحرونوت إنطوت مصلحة الولايات المتحدة في تخلي علي عبد الله صالح عن السلطة على هدفين أساسيين، أولهما رغبتها في التوصل إلى استقرار الأوضاع في اليمن، ثانياً إعادة السيطرة على البلاد، من خلال نظام حكم يمني قوي لمجابهة تنظيم القاعدة، الذي بات يشكل تهديداً على شبه الجزيرة العربية، وإحباط محاولات التنظيم الرامية إلى تنفيذ عمليات تخريبية في الولايات المتحدة.

وتعتبر الولايات المتحدة العولقي أبًا روحياً للعملية التخريبية، التي استهدفت قاعدة (بورت هود) في ولاية تكساس في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2009، إضافة إلى وقوفه وراء محاولة تفجير إحدى الطائرات التابعة لشركة (دلتا) في سماء ديترويت خلال الاحتفال بعيد الميلاد عام 2009، فضلاً عن استهدافه مناطق في الولايات المتحدة وأوروبا في عدد من الأظرف المفخخة عبر طرود بريدية في تشرين الاول عام 2010.

غير أنه بعد شهر ونصف شهرمن الضغوط باتت الولايات المتحدة على قناعة بأن علي عبد الله صالح لا يُسرع في القبول بالمبادرة الخليجية، فبدأت الإدارة الأميركية في نشر العديد من بيانات الاستنكار والإدانة للنظام اليمني، خاصة بعدما قام رجال صالح بالهجوم على شخصيات بارزة في المعارضة اليمنية، وعلى الثوار في مدينة تعز، وكان لأعمال العنف التي يدور الحديث عنها بالغ الاثر، بحسب الصحيفة العبرية، في تبرير الولايات المتحدة ضرورة تخلي الرئيس اليمني عن السلطة.

وجاء في بيان البيت الأبيض: quot;تخلي صالح عن السلطة هو أفضل طريقة للحيلولة دون إراقة دماء جديدة، وتمكين اليمنيين من تنفيذ تطلعاتهم الرامية إلى إرساء السلام والإصلاح والازدهارquot;.

الاعتقاد الاميركي الخاطئ

وأشار تقرير الصحيفة الإسرائيلية إلى أن جون برنار مستشار الرئيس الأميركي لمكافحة الإرهاب، رئيس مكتب الـ CIA في اليمن هو الشخصية الأميركية التي أجرت الاتصالات الهاتفية مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح والسعودية، وعكف بالتنسيق المباشر مع البيت الأبيض على خروج صالح المشرف من اليمن.

وخلص التقرير إلى أنه منذ محاولة اغتيال الرئيس اليمني، ونقله لتلقي العلاج في المملكة العربية السعودية، اعتقدت الإدارة الأميركية أن الأزمة اليمنية باتت قاب قوسين أو أدنى من الحل، وأن الرئيس اليمني لن يعود إلى بلاده، غير أن الأخير، وبعد تعافيه، أصرّ على العودة إلى صنعاء مجددًا.

وفي نهاية شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، حقق الأميركيون إنجازاً، بحسب وصف يديعوت أحرونوت، عندما تمكنت واشنطن من اغتيال العولقي، إثر قصف مركبتين كان الأخير يستقل إحداهما، عندما كان يتحرك هو وعدد من رجاله في شرق اليمن.

وفي تحليلها للوضع في اليمن، بعد خروج صالح، قالت الصحيفة إنه في ظل سقوط الأخير واغتيال العولقي، سيواصل تنظيم القاعدة تشكيل خطر كبير على الولايات المتحدة والعالم الغربي، وحالياً ومع محاولات تشكيل حكومة يمنية جديدة في صنعاء بالتعاون مع دول الخليج، سيضطر الأميركيون إلى العمل بالتعاون مع الدول الخليجية لتعزيز مكانة النظام اليمني الجديد، والحيلولة دون تحول اليمن إلى دولة ضعيفة، مثل الصومال أو أفغانستان، كما ترغب واشنطن في عدم تحول اليمن إلى قاعدة لتدريب وإطلاق عناصر إرهابية ضد السعودية المجاورة لليمن والدول الغربية.