قاعدة عراقيون خلال جلسة البرلمان

يعطي المواطن العراقي البسيط رأيه في فكرة الأقاليم، بعيدا عن أية مصالح حزبية أو مواقف مبيتة، بينما يكون الموقف السياسي في الكثير من الأحيان، جزءا من مشروع لكسب أصوات، او للمزايدة في خضم الصراعات المحتدمة بين القوى السياسية.


بغداد: يختلف العراقيون، بمختلف مستوياتهم وأصولهم العلمية والاقتصادية، مثلما يتفقون، مع النخب السياسية على جدوى إعلان الأقاليم، وبين من يجدها مقدمة لتقسيم البلاد، وآخرون يجدون فيها تنفيذا لمخططات خارجية، وبين من يجدها فرصة سانحة لتطوير المناطق ومنح الحكومات المحلية، صلاحيات اكبر وفك ارتباطها بالحكومة المركزية مما يخفف العبأ عنها ويلغي الكثير من الأساليب البيروقراطية والخضوع للحكومة المركزية.

وبين هذا وذاك، فالفارق بين رأي الشارع ورأي النخبة، هو أن المواطن البسيط يطرح رأيه في فكرة الأقاليم بعيدا عن المصالح حزبية أو المواقف المبيتة، بينما يكون رأي السياسي في الكثير من الأحيان، جزءً من مناورة او مشروع لكسب المزيد من الأصوات او مزايدات بين الأطراف المتصارعة.

وكانت فكرة الأقاليم قد أثيرت مجدداً بين النخب السياسية والنيابية، وفي الشارع العراقي أيضا بعد إعلان محافظة صلاح الدين نفسها إقليما إداريا واقتصاديا، حيث اثار هذا الإعلان دعوات سابقة لإعلان أقاليم في الوسط والجنوب.

مصالح حزبية

ويرى الصحافي العراقي أيمن حسين من بابل (100 كم جنوب بغداد) أن النخب السياسية تتقلب في مواقفها من مشروع الأقاليم سواء أكانت جغرافية أو طائفية، بحسب المصالح. ويقول حسام: quot;حين دعا المجلس الأعلى قبل ثلاث سنوات إلى اقليم الوسط والجنوب، انبرت أطراف كثيرة إلى الوقوف ضده لكنها الآن تطالب بالفيدرالية.

ويحرص مواطنون، على بساطة تفكيرهم السياسي إلى quot;تقديسquot; وحدة العراق، ويعدون مجرد التفكير بالفيدرالية، بمثابة خيانة وطنية بل ويدعون، حتى إقليم كردستان إلى (العودة إلى الوطن ) الأم، وإسقاط صفة الإقليم عنه.

تفكيك البيشمركة

ويقول رحيم الأسدي (70 سنة) وهو أستاذ متقاعد ويصف نفسه بأنه صاحب أفكار قومية يدعو إلى اسقاط صفة الاقليم عن كردستان، وتفكيك البيشمركة وباقي الميليشيات الحزبية، لأن هذه الوسائل تشجع على الانفصال. ويرفض أغلب العراقيين فكرة الأقاليم على أساس طائفي لكنهم يبدون وجهات نظر ليست متطرفة تجاه فيدرالية الأقاليم الجغرافية.

ويرى الباحث الاجتماعي عاصي ثامر أن الانفتاح الذي يشهده العراق، وتعدد وسائل الإعلام أتاح للعراقيين تبادل وجهات نظر مختلفة حول الموضوع. ويرى أن التطرف في الآراء لم يعد سمة الكثير من العراقيين حتى فيما يتعلق بالأفكار المناوئة لتوجهاتهم. ويضيف: quot;بينما كان العراقي في أوقات سابقة يرد بعنف وتطرف على بعض الأفكار التي لا تتلاءم ومنهجه أصبح اليوم مستعداً لمناقشة الكثير من الأفكار على اختلاف مصادرها وأهدافها وتوجهاتها.

مركزية الحكم

وفي الوقت الذي يعتبر فيه الدكتور عامر كامل، الباحث في التاريخ السياسي للعراق، أن المركزية التي امتاز بها الحكم في العراق أدت إلى ردة فعل عنيفة عبر عقود ومن ذلك التمرد الكردي على الحكومة المركزية منذ الخمسينيات، فانه يرى أن الحكومة المركزية في بغداد لا تزال تلعب ذات الدور ولكن بدرجة اقل وبصيغة مختلفة، داعيا إلى الاهتمام بالمحافظات، منوها إلى ان فيدرالية الأقاليم أمر قانوني أقره الدستور العراقي.

ويرى عامر أن التربية القومية التي نشا عليها جيل عراقي كامل في ظل نظام صدام حسين، زرع في العقل الباطن العراقي نزعة الوحدة، والنفور من أية محاولة للتقسيم، في ظل فهم خاطئ وغير عميق لمفهوم الفيدرالية من قبل قطاعات واسعة لدى الشعب العراقي.

المعنى الحقيقي للفيدرالية

ويظهر استطلاع quot;إيلافquot; أن الكثير من العراقيين لا يفهمون المعنى الحقيقي للفيدرالية، بل إن بعضهم فشل حتى في تسمية قواعدها ومبادئها أكان معارضاً أو وموافقاً لها. ويقول سليم جاسم من معهد التكنولوجيا (21 سنة) انه ضد الفيدرالية لانها تعني تقسيم العراق بحسب فهمه لها.

كما يعرّف الشيخ أمين الجبوري الفيدرالية بأنها انفصال الإقليم عن السلطة المركزية، عبر حكومة ورئيس، يرتبط بالمركز بأسلوب شكلي. وعلى الرغم من بساطة الفكرة لدى الجبوري لكنه يقف مع المطالبة بالفيدرالية، لأنها تسمح لمواطني الإقليم بالاكتفاء الذاتي وعدم الاعتماد على المركز في القضايا الإدارية القانونية والاقتصادية.

مخططات خارجية

وترفض المدرّسة quot;هيفاء عبيدquot; فكرة الأقاليم لانها ببساطة تمهيد للتقسيم كما انها نتيجة للمخططات الخارجية. ولا ترى هيفاء في تصرفات الحكومة المركزية، سببا للانفصال عن الوطن الأم على حد تعبيرها.

ويظهر الإستطلاع المحدود، إلى انه كلما ارتفع المستوى العلمي والدراسي للمواطنين، كلما كان هناك فهم أكثر لفكرة الإقليم، في حين أن أغلب أصحاب المستويات العلمية المتدنية يواجهون بالرفض القاطع الفكرة على الرغم من عدم تبلورها لديهم بصورة صحيحة.

و يقول التاجر أمين هاشم ان العراق كان قويا أمام الأطماع الخارجية طيلة التاريخ لأنه كان موحدا. ويعتقد هاشم أن النظام السابق نجح في ترسيخ الوحدة بالقوة، كما نجح في لجم دعوات الإنفصال التي يطالب بها الأكراد.

لكن رجل الدين حمزة الياسري، يرى أن إقليم الوسط والجنوب من شأنه أن يعزز سلطة الحكومة المركزية بعكس ما يتصوره البعض. ويضيف: quot;الحكومة المركزية يجب ان تتحول إلى حكومة تنسيق، أما ما يتعلق بالشأن الداخلي لاسيما الإدارة والمشاريع، فهو من واجب الإقليم الذي يرتبط فيدراليا بالمركزquot;.

الفيدرالية امر واقع

ويرى الياسري أن الفيدرالية أمر واقع اليوم لاسيما اذا تعززت سلطات الحكومات المحلية بصورة أكثر. ويعتقد المدرس سعد الشريفي ان الأقاليم الجغرافية ستتعزز بعد انسحاب القوات الأميركية. ويرفض المحامي حسين الباهلي فكرة الأقاليم قبل تطبيق المادة 140 من الدستور، لأن القبول بالفكرة في هذا الوقت سيولّد نزاعات بين المحافظات حول الحدود وهي نزاعات يمكن ان تتطور إلى أعمال مسلحة.

ويؤيد سليم الهيتي من بغداد ، فكرة إنشاء إقليم للسنة العرب، يقابل ذلك، إنشاء إقليم جنوبي يضم البصرة والناصرية و السماوة، وهي أقاليم جغرافية على الرغم من أنها تضم أكثرية من طائفة معينة.ويضيف الهيتي: quot;أؤيد ذلك تخلصا من quot;الديكتاتورية الطائفية quot;. ويتابع: إن الحكومة المركزية تذم الطائفية لكنها تعمل بها، تحت غطاء وطني كاذب. ويعتقد الهيتي أن الأكراد يشجعون إقامة الأقاليم لان هذا يقوي من نفوذهم ويوفر لهم الفرصة للتحول إلى دولة في المستقبلquot;.

لكن صارم العكيلي من كربلاء يرى أن اقامة أقاليم سيخلق توترات داخلية عراقية، منها تجدد الصراع الطائفي لاسيما في المناطق المختلطة طائفيا وكذلك المناطق المختلف عليها. ويرى كامل دهش (طبيب) أن إنشاء الأقاليم سيؤدي إلى إقامة عراق مزدهر كما حصل في كردستان.

ويؤمن سعيد العتبي (مدرس) بنظرية المؤامرة التي تحاك للعراق منذ عقود وحاول بايدن تطبيقها على أرض الواقع حين اقترح تقسيم البلاد إلى ثلاثة مناطق للكرد والعرب السنة والشيعة.

ويتابع: quot;العراقيون افشلوا المؤامرة، بتكاتفهم، لاسيما وانها طرحت في ظل صراع طائفي عنيف اجتاح العراق. ويرى العتبي أن النخب السياسية العراقية غير مخلصة لبلادها وهي تسوق في الغالب أجندة سياسية حزبية حفاظا على مراكزها.

دولة أقاليم موحدة

لكن سعد الخفاف يدعو العراقيين إلى الاعتراف بالواقع، لأنهم ينتمون إلى طوائف وقوميات مختلفة، وثمة تفاوت كبير اليوم في الأهداف والغايات، إضافة إلى المعتقدات التي تتصارع فيما بينها. ويقترح الخفاف بموجب ذلك دولة أقاليم موحدة تنهي سيطرة المركز وأسلوب الحكم بالمحاصصة.

لكن وائل القيسي الطالب الجامعي في بغداد يرى أن السياسيين العراقيين يستغلون جهل الشعب، فيطرحون الفيدرالية بصيغ تخدم توجهاتهم.ويضيف: quot;يمكن التأكد من ذلك، حين تعرف أن اغلب العراقيين ومن بينهم نخب سياسية، لا يفقهون المعنى الحقيقي للفيدرالية وليس لديهم برامج عملية واستراتيجية مدروسة لتطبيقها، وان كل ما يقال هو ادعاء وأفكار على الورق فحسب.

ويعتقد الضابط المتقاعد شكري القرة غولي أن حكومة مركزية في العراق، قادرة على توفير الأمن والاستقرار، هي الحل المثالي لمشاكل العراق الطائفية والقومية. ويرى أن العراق كان يدار من قبل حكومة قوية لكنها أخطأت في ادخال البلاد في اتون الحروب. وبحسب القرة غولي، فهو لا يؤيد سلطة دكتاتورية بقدر تأييده لزعيم قوي يحافظ على وحدة العراق، في ظل حكم زعامات نشرت الفساد وعدم الاستقرار في ربوع العراق.

ويعتبر المهندس عامر عبد لله أن فكرة الأقاليم هي الوسيلة الناجحة لتجنب الصراع على الثروات في المستقبل القريب. كما أنها الوسيلة المناسبة لتغيير الواقع المتردي للخدمات في عموم العراق بسبب سيطرة المركز طيلة عقود على مشاريع التنمية والأعمار التي شملت بغداد دون غيرها، وبعض المناطق التي ينحدر منها سياسيو العراق منذ إقامة الدول العراقية وحتى اليوم.