أبلغ الرئيس العراقي جلال طالباني نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن أن العراق يطمح إلى أوسع العلاقات مع الولايات المتحدة، التي حررته من أعتى دكتاتورية، وساعدته على إقامة نظام ديمقراطي اتحادي.. وفي وقت قال طالباني إن بلاده تدعم الانتفاضات الشعبية في المنطقة، مع الحفاظ على مصالح العراق، داعيًا إلى مناقشة تعديل الدستور، أعلن عن الاتفاق على عقد سلسلةِ اجتماعاتٍ لقيادات الكتل السياسية من أجل حلّ الخلافات في ما بينها، والعبور معًا إلى مرحلة مابعد الانسحاب الأميركي.


بايدن والمالكي يبحثان آفاق مابعد الإنسحاب

أسامة مهدي: خلال اجتماع مع بايدن في بغداد اليوم، أثنى الرئيس العراقي على دور الولايات المتحدة في مساعدتها الشعب العراقي quot;بالتخلص من أعتى نظام دكتاتوري، وإسقاطه، وإقامة نظام ديمقراطي اتحاديquot;. كما أشاد بالدور الأميركي في عملية إعادة بناء العراق ومؤسساته والمساعدة في تحقيق الاستقرار، كما نقل عنه بيان رئاسي عراقي.

وأبلغ طالباني بايدن أن العراق يطمح إلى تمتين العلاقات وتطويرها على كل المستويات بين البلدين، وبما من شأنه خدمة المصالح المشتركة لشعبي العراق والولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن المرحلة المقبلة هي مرحلة لتعزيز التعاون والعمل المشترك في المجالات كافة، حسب الاتفاقية الموقعة بين البلدين.

وقد رد بايدن قائلاً إن المرحلة التي تعقب اكتمال انسحاب القوات هي مرحلة حيوية للعمل الدبلوماسي والتعاون في مجالات البناء والتطوير، خصوصًا في المجالات الإقتصادية والتجارية والزراعية والتعليم، إضافة إلى التدريب. وأكد حرص الولايات المتحدة على تطوير علاقات الصداقة والتعاون مع العراق في ضوء الاتفاقية الموقعة ورغبة البلدين في الارتقاء بالعلاقة وتطوير مساحات العمل المشترك.

جرى في الاجتماع، الذي شارك فيه سفير الولايات المتحدة في بغداد جيمس جيفري وقائد القوات الأميركية في العراق الجنرال لويد أوستن، بحث علاقات العراق مع محيطه الإقليمي والمجتمع الدولي. إضافة إلى مناقشة التطورات السياسية في العراق، ودور الرئيس طالباني في التقريب بينكل القوى السياسية، والعمل على توفير قاعدة للعمل والتفاهم الوطني.

وفي وقت سابق اليوم، أعلن العراق والولايات المتحدة في ختام اللجنة العلية المشتركة بينهما عن تمسكهما بقيام تعاون وثيق في مجال الأمن والدفاع، بما يعزز الاستقرار في كلا البلدين، وسعي الولايات المتحدة إلى حل كل القضايا الكفيلة بإخراج العراق من تبعات الفصل السابع لمجلس الأمن، ووضع حدّ للعديد من هذه القضايا، التي تعود إلى عهد النظام العراقي السابق.

جاء ذلك في ختام اجتماع اللجنة العليا المشتركة الأميركية العراقية في بغداد اليوم، والذي ترأسه نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

وأشار بيان مشترك عن الاجتماع حصلت quot;إيلافquot; على نصه إلى أن البلدين ملتزمان بإقامة شراكة متينة وعلاقات قائمة على أساس المصالح المشتركة، من شأنها أن تستمر في التنامي لسنين مقبلة. وحدد البيان علاقات جديدة للبلدين في مرحلة مابعد الانسحاب والانتقال بها من التعاون العسكري إلى التعاون التجاري والمالي والثقافي والتعليمي والطاقوي والقضائي والسياسي والدبلوماسي وفي مجالات الامن والدفاع والخدمات والبيئة والتكنولوجيا والنقل.

وفي المجال التجاري، أكد البلدان مواصلتهما مساعيهما إلى تعزيز علاقات التعاون وتوثيق العلاقات بين رجال الأعمال فيهما، حيث ستقوم واشنطن بدعم جهود الحكومة العراقية لتطوير المصارف الخاصة ومؤسسات التمويل وتوفير الخبرات اللازمة لذلك، إضافة إلى قيامها بتطوير خطط إقراض جديدة لمشاريع صغيرة ومتوسطة، إلى جانب المبالغ التي رصدتها لهذه المشاريع، والتي تصل إلى 50 مليون دولار.

وكان بايدن قال لدى بدء اجتماع اللجنة العليا المشتركة في بغداد اليوم إن بلاده أوفت بكل التزاماتها بخصوص الاتفاقية الأمنية الموقعة مع العراق، فيما أشار المالكي إلى أن العراق تجاوز مرحلة خطرة، وهو يعمل على بناء دولة قوية ديمقراطية.

وأكد بايدن أن الولايات المتحدة تفي بوعدها عبر سحب قواتها من العراق في نهاية العام، وأن البلدين يبدآن مرحلة جديدة من العلاقات. وأضاف خلال اجتماع مع المالكي اليوم، ترأسا خلاله لجنة التنسيق العليا المشتركة، quot;قواتنا تغادر العراق، وسندخل معًا مسارًا جديدًا.. علاقة بين دولتين لهما سيادة، وهو مسار يشمل علاقة أمنية قوية ترسمها رغبة البلدينquot;.

وأشار إلى أن مباحثات البلدين ستستمر حول أسس الترتيبات الأمنية، بما فيها التدريب والاستخبارات ومكافحة الإرهاب، حيث ستكون اللجنة العليا محور كل هذه الجهود. من جهته أشار المالكي إلى أن العراق اجتاز مرحلة صعبة، وهو اليوم يدخل مرحلة جديدة من أجل بناء دولة قوية.. مشددًا على أن التجربة الديمقراطية في العراق تمثل أفضل الديمقراطيات في المنطقة.

تأتي مباحثات بايدن في بغداد في وقت أكد مكتب القائد العام للقوات المسلحة العراقية نوري المالكي أن عملية انسحاب القوات الأميركية بلغت نهاياتها مع تقلص وجودها بنسبة 94 %، وإجلاء القواعد العسكرية وتسليمها إلى الجانب العراقي، إضافة إلى إرسال الآليات الثقيلة إلى القواعدالأميركية في الكويت.

وقال مصدر مسؤول في المكتب إن الجانب العراقي يتابع استمرار عملية الانسحاب. موضحًا أن ما تبقى من الجنود الأميركيين يمثل حاليًا ما نسبته 6 % من عديد القوات، التي كانت موجودة في العراق، والتي وصل عددها عام 2007 إلى 170 ألفًا.

وتنصّ الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بغداد وواشنطن في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2008 على وجوب انسحاب كل قوات الولايات المتحدة من الأراضي والمياه والأجواء العراقية كافة في موعد لا يتعدى 31 كانون الأول (ديسمبر) عام 2011 الحالي، بعدما انسحبت المقاتلة منها بموجب هذه الاتفاقية من المدن والقرى والقصبات العراقية في 30 حزيران (يونيو) عام 2009.

كما وقع العراق والولايات المتحدة أيضاً خلال عام 2008 اتفاقية الإطار الإستراتيجية لدعم الوزارات والوكالات العراقية في الانتقال من الشراكة الإستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة إلى مجالات اقتصادية ودبلوماسية وثقافية وأمنية.. إضافة إلى تنفيذ برنامج تطوير الشرطة، والانتهاء من أعمال التنسيق والإشراف والتقرير لصندوق العراق للإغاثة وإعادة الإعمار.

طالباني: ندعم الانتفاضات الشعبية مع الحفاظ على مصالحنا
قال الرئيس العراقي جلال طالباني إن بلاده تدعم الانتفاضات الشعبية في المنطقة، مع الحفاظ على مصالح العراق، داعيًا إلى مناقشة تعديل الدستور، وأعلن عن الاتفاق على العمل، وفق محورين، أولُهما عقدُ سلسلةِ اجتماعاتٍ لقيادات الكتل صاحبةِ التأثير والنفوذ في مجلسِ النواب والحكومة، والثاني الدعوةُ إلى مؤتمرٍ وطني، تشارك فيه القوى والأحزابُ المشاركة في البرلمان ومجلسِ الوزراء، وتلك التي لم تحظَ بتمثيلٍ فيهماquot;.

وقال طالباني خلال كلمة في مؤتمر المجموعة العراقية للدراسات الإستراتيجية في بغداد اليوم حول الانتفاضات العربية، فيما أطلق عليه مصطلح الربيع العربي، إن المنطقة تمر بظروفٍ معقدة، تشهد فيها تحركاتٍ شعبيةً واسعة مطالبةً بالإصلاحِ والتغيير، ورافضة كل أنواعِ الاستبداد والكبتِ والامتهان، وساعية إلى تحقيقِ أبسط مطامحِ الناس في الكرامةِ والمساواة والعدلِ وإنهاءِ الظلم الاجتماعي والتمييزِ القومي أو الديني وكل أشكالِ الهيمنة الأيديولوجية أو الفئوية أو الفردية.

ولفت إلى أن الشعب العراقي، الذي خاض طوالَ عشراتِ السنين، كفاحاً مريراً من أجل هذه الأهداف، يساندُ تحركاتِ الشعوب ويناصرُ حقوقَها. لكنه قال quot;إن موقفَنا الداعم للانتفاضاتِ الشعبية يقترن بسعيِنا إلى صيانةِ مصالحِنا الوطنية، وحرصِنا على أن تتفادى شعوبُ المنطقة احتمالاتِ الاحتراب الأهلي أو الاستئثارِ الحزبي والفئوي، حيث تتمثل غايتُنا الأساسية في أن تكونَ علاقاتنا مع دولِ الجوار قائمةً على أسسِ المنفعة المتبادلة والتعاونِ البناء، والابتعادِ عن سياسةِ المحاور، ونحن نأملُ أن يتبنى الأشقاءُ والجيران موقفاً مماثلاً، الأمرَ الذي يعودُ بالخير على جميعِ الأطرافquot;.

وأضاف أن المؤتمر ينعقد لمناقشة راهنِ وآفاق الخيارِ الديمقراطي العراقي، ومعوقاتِ البناءِ الدستوري، وقضايا أخرى يواجهُها العراق في هذه المرحلةِ المهمة من تاريخِه، وهي المرحلةِ التي تقبل فيها على استكمالِ وتعزيز عناصرِ السيادةِ الوطنية بإنجازِ اتفاقيةِ سحبِ القواتِ الأميركية، وفي الوقتِ عينِه تواصلُ مسيرةَ ترسيخِ دعائمِ الديمقراطية والبناءِ المؤسساتي.

وقال quot;لقد ظلت بلادُنا طوالَ عقودٍ من الاستبدادِ والحكمِ الفردي محرومةً، ليس فقط من ممارسةِ الديمقراطية والحياةِ وفق مبادئِها وأحكامِها، بل إن مجردَ الحديثِ عنها كان يُعدّ زعزعةً لأسسِ نظام الطغيان، وبالتالي واحدة من المحرماتِ التي يُعاقَب على ارتكابِهاquot;.

وأشار إلى أنه لم يكن غيابُ الخبرةِ والممارسة السببَ الوحيد في تلكؤ المسيرةِ الديمقراطية في العراق، فقد ظهرت عناصر توجّسٍ وارتياب بين بعضِ مكوناتِ الشعبِ العراقي، وتجسدت هذه العناصرُ في صراعاتٍ، تحولت أحياناً إلى احترابٍ دموي، وذلك بمساهمةٍ ودفعٍ من القوى الساعية إلى الارتدادِ بالبلاد نحو الماضي، وجرى ذلك بتحريضٍ وممالأةٍ من قوى إقليمية، غير راغبة في استقرارِ العراق واستعادتِه عافيتَه.

وعن الجدل الدائر حول الدستور العراقي وضرورة تعديل بعض مواده، أشار طالباني إلى أنه كان ينبغي أن يصبحَ الدستورُ الدائم ذلك العقدَ الاجتماعي المنشود، الذي هو واحدةٌ من أهم القواعدِ التي يرتكز عليها بناءُ مؤسسات الدولةِ الديمقراطيةِ الحديثة.

وأوضح أنه ورغم أن الدستورَ حظي بمساندةٍ شعبيةٍ واسعة في الاستفتاء (عام 2005) إلا أن الاختلافَ على بعضِ بنودِهِ والتباينَ في تفسيرِ بنودٍ أخرى وافتقارَ عدد من موادِه آلياتٍ للتطبيق، غدت إشكاليةً لا بد من تجاوزِها وتذليلِها، عبر الاتفاقِ على التعديلاتِ الدستوريةِ المقترحة، التي لابد من أن تُناقشَ على نطاقٍ واسع، لكي تكونَ نتيجةُ التصويتِ عليها ثمرةَ تفهمٍ، وقبولٍ شعبي، يصبحُ بدورِه الساندَ الرئيسَ للقانون الأساسي والصائنَ الأول له.

وأكد الرئيس العراقي أنه إلى جانب معالجةِ موضوع التعديلاتِ الدستورية، لا بد من اتخاذ سلسلةِ إجراءاتٍ لتعزيز العمليةِ السياسية، وفي طليعتِها إشاعةُ أجواءِ الثقة بين الأطراف والاتفاقُ على برنامجٍ وطني في المجالين التشريعي والتنفيذي ووضعُ أولويات مناقشة وإقرار القوانين حسب الأهمية، وتحديدُ صلاحياتِ كلٍّ من السلطاتِ الثلاث، والحيلولةَ دون تداخلِها أو تجاوزِ أيٍّ منها على صلاحياتِ سلطةٍ أخرى، كما إن السلطةَ التنفيذية ينبغي أن تستندَ إلى برنامجٍ، تحظى خطوطُه العامة بإجماعٍ وطني وتهتدي به الحكومةُ في عملِها.

وأضاف أنه لتحقيقِ هذه الأهداف quot;فقد اقترحنا، بالتشاور مع أخواننا وشركائِنا العملَ على محورين، أولُهما عقدُ سلسلةِ اجتماعاتٍ لقيادات الكتل صاحبةِ التأثير والنفوذ في مجلسِ النواب والحكومة، والمحور الثاني الدعوةُ إلى مؤتمرٍ وطني، تشارك فيه القوى والأحزابُ المشاركة في البرلمان ومجلسِ الوزراء، وتلك التي لم تحظَ بتمثيلٍ فيهماquot;.

وقال إن الحوارَ الأخويَّ الصريح والبناء سوف يساهمُ في إزالةِ أو تقليص الهواجسِ والارتيابات وتوضيحِ المواقف وتعزيزِ الثقة والاتفاقِ على تحديدِ التحدياتِ والمخاطر التي تواجهها البلاد وتنسيقِ الخطاب السياسي وتشذيبِه، والابتعادِ تماماً عن لغةِ التخوينِ والاتهام والتشكيك بالشركاءِ في العملية السياسية.

وكان طالباني اعتبر يوم الجمعة الماضي أن المبادرة العربية يمكن أن تكون أساسًا صالحًا لحل الأوضاع المتأزمة في سوريا. وأضاف quot;بذلنا جهودًا من أجل إنجاح المبادرة العربية، ونؤيد العمل السلمي السياسي من أجل الديمقراطية ووجود حكومة مدنية دستورية في سوريا، ونؤيّد العمل من أجل الإصلاحات، التي يريدها الشعب السوري، ولكن نحن قلقون من البديل، ونخشى أن تأتي قوى متطرفة تعادي الديمقراطية، وتعادي العراق الديمقراطي، وتعادي المغزى الحقيقي للربيع العربيquot;. وأشار إلى أن مثل هذا التطور سيؤدي إلى إفراغ الربيع العربي من محتواه الحقيقي.

وعارض طالباني بشدة فكرة التدخل العسكري الأجنبي في سوريا، وقال إنه quot;شيء مخيفquot;. وأضاف قائلاً quot;لا أخفي أننا قلقون من البديل في سوريا. كما إننا خائفون من الطرف المتطرف، إذا حلّ محل النظام الحالي هناك؟. وأكد الوقوف ضد التدخل العسكري الأجنبي في سوريا، وقال quot;نحن نعارض التدخل الغربي المسلح، ونعتقد أن المبادرة العربية يمكن أن تكون أساسًا صالحًا للحلّ في سورياquot;. وأشار إلى أن التهديد التركي بالتدخل في سوريا يمثل أمرًا مخيفًا.

وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد دعا في الشهر الماضي السطات السورية إلى انتهاج أسلوب ديمقراطي، والعمل على إنهاء سياسة الحزب الواحد الحاكم. كما تحفظت الحكومة العراقية في الأسبوع الماضي على قرار فرض عقوبات اقتصادية على سوريا.