تجربة إطلاق صاروخ بعيد المدى

تعمد ايران منذ فترة طويلة إلى مهاجمة وانتقاد الغرب في تصرفات نابعة من استراتيجية منهجية لاستفزاز أعدائها، الأمر الذي يجعل طهران عرضة دائماً للعقوبات.


بيروت:وسط تصاعد الجدل والصخب داخل كل من إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا بضرورة وقف البرنامج النووي الإيراني - حتى وإن دعت الحاجة لشن ضربة عسكرية ضد طهران ndash; تخرج من عباءة إيران أخبار وتقارير تتضمن إدانات وتهديدات واستعراضات لقوة تستفز وتؤجج عداء الدول الغربية ضدها.

في هذا السياق، أشارت صحيفة الـ quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; إلى أن العلاقات بين الغرب وطهران تشهد توتراً ملحوظاً منذ أمد بعيد، مشيرة إلى أنه فى حال وقوع حادث أو عملية اغتيال في إيران ينتهي الأمرعادة بتوجيه اتهامات شديدة اللهجة للغرب دون تقديم أدلة دامغة تكشف عن هوية مرتكبي هذه الأحداث، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى تأجيج حدة التوترات بين الغرب وإيران.

وتناولت الصحيفة مقتل الجنرال الإيراني حسن مقدم، المسؤول عن برامج التسلح لدى الحرس الثوري وتطوير برنامج الصواريخ الإيراني الذي توفي إثر انفجار غامض استهدف قاعدة الحرس الثوري الشهر الماضي، معتبرة أن ذلك يعد بمثابة عامل جديد يثير التوترات بين الجانبين، حيث كشفت السلطات الإيرانية النقاب عن أن الجنرال الإيراني كتب في وصية له مقولة تضمنت quot;اكتبوا على ضريحي: هذا قبر واحد ممن أرادوا إبادة اسرائيلquot;.

وفي هذا السياق، اعتبرت الصحيفة أن ما تنص عليه هذه الوصية يناقض ما تؤكده إيران دائماً أنها تطور أسلحتها بصورة سلمية، لافتة إلى أن تصريحات الجنرال المقتول والذي كان تسند إليه مهام تطوير ترسانة الصواريخ الإيرانية تؤكد عدم سلمية وشفافية برامج إيران التسليحية.

قرار طهران بالكشف عما قاله الجنرال الإيراني فى وصيته -خاصة الجزء الذى يتعلق بإسرائيل - بعد قيام مئات المتشددين الإيرانيين بالهجوم على السفارة البريطانية في طهران، يعد مبرراً جديداً لزيادة وتيرة صراع الغرب مع إيران، في حين تعمد الدول الغربية إلى فرض المزيد من العقوبات الشديدة ضد ايران.

ونظر بعض المحللين إلى الهجوم الإيراني على السفارة البريطانية يوم 29 نوفمبر الماضي على أنه جزء من الصراع على السلطة بين التيارات الإيرانية المختلفة، فى ظل محاولات البعض لتقويض سلطة الرئيس الإيراني quot;أحمدي نجادquot;.

ورأت الصحيفة أن استخدام القادة الإيرانيين العنف والأعمال الاستفزازية على مدى عقود طويلة من حكم التيارات الإيرانية المختلفة وحتى المستقلين قد يكون بهدف تقويض الخصوم في الداخل، حتى وإن كانت هذه الأعمال تجعل إيران أكثر عرضة لخطر الهجمات من الخارج، وهذا يعد جزءاً من الصراع على السلطة.

ونقلت الصحيفة عن شهرام شوبين، مختص في الشؤون الايرانية في موسسة كارنيغي للسلام الدولي في جنيف، قوله: quot;الحجة القائلة بأن الإيرانيين هم استراتيجيون جداً خاطئة، فهم تكتيكيون جداً: يفكرون ملياً بالخطوة المقبلة، لكنهم لا يفكرون إلى أين ستؤدي بهم أو ما ستكون انعكاساتها وتداعياتهاquot;.

ويضيف: quot;لم يفكر أحد في ايران ماذا سيحدث لو نفرالمجتمع الدولي منا وقمنا باستعداء الاتحاد الأوروبي؟ هل سنكون أكثر عرضة للهجوم الاسرائيلي؟quot;.

ويرجح شوبين أن تكون سرايا القدس وراء عملية اقتحام السفارة البريطانية في طهران، معتبراً أن الأمر ليس مفاجئاً فالسرايا هو أحد فروع الحرس الثوري الايراني وتنفذ العمليات السرية خارج حدود ايران.

خلال الهجوم على السفارة، رفع المتشددون الايرانيون صوراً لقائد قوة القدس، وأظهرت مقاطع الفيديو والمواقع الالكترونية الفارسية أن المتظاهرين الذين اقتحموا السفارة كانوا ضباطاً وأفراداً من السرايا.

واشارت الصحيفة إلى أن رد فعل بريطانيا على اقتحام سفارتها كان شديداً، فأغلقت السفارة الايرانية في لندن وطردت الدبلوماسيين الايرانيين، كما فرض الاتحاد الاوروبي عقوبات على أكثر من 180 كيان وشخصية ايرانية، فيما صوّت مجلس الشيوخ الاميركي بالاجماع لصالح فرض عقوبات ضد كل الذين يتعاملون مع البنك المركزي الايراني .

كانت هذه النتائج متوقعة، لكنها تؤدي إلى نهاية لا يمكن التنبؤ بها، وتناسب نمطاً انتهجته ايران منذ فترة طويلة والذي يمتد الى عام 1979 عندما قام الطلبة في ايران باقتحام السفارة الامريكية واحتجاز رهائن، من دون علم أو حتى بموافقة ضمنية من زعيم الثورة الايرانية آية الله روح الله الخميني.

وأيد الخميني في وقت لاحق هذه الخطوة، التي كانت تستهدف الليبراليين في الحكومة الوليدة، وأدت إلى جيل يكن العداء المتبادل بين الولايات المتحدة وإيران.

وذكرت الـ quot;ساينس مونيتورquot; بعدد من الأحداث التي ساهمت منذ ذلك الحين في تشويه صورة النظام الإيراني، منها سفينة الشحن (كارين) التي استولت عليها اسرائيل في عام 2002 بينما كانت في طريقها إلى غزة - أو ربما لحزب الله في لبنان- وحملت 50 طناً من الاسلحة بينها صواريخ كاتيوشا، والتي كانت محملة على السفينة في المياه الاقليمية الايرانية. ومنذ ذلك الحين، وصف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ايران بأنها جزء من quot;محور الشرquot;.

أما الحدث الأخير الذي أجج مشاعر العداء نحو ايران، فهو مؤامرة الاغتيال المزعومة التي تتهم قوة القدس التابعة لايران باستخدام بائع سيارات مستعملة في ولاية تكساس لتوظيف عصابة مخدرات مكسيكية لقتل السفير السعودي لدى واشنطن.

المؤامرة المزعومة دفعت المشرعين الاميركيين لتصعيد خطابهم ضد إيران، فيما دعا البعض إلى quot;قتل الايرانيينquot; انتقاماً لما وصفوه بأنه quot;عمل من اعمال الحربquot; ضد أميركا.

وتساءلت الصحيفة: quot;بالنسبة للجانب الإيراني، هل تىشير هذه العلامات إلى تعمد طهران استعداء الدول المعادية، أو أنها تداعيات لتصفية حسابات داخلية؟quot;
يقول تريتا بارسي، الذي اصدر كتاب (جهة واحدة من النرد: ديبلوماسية أوباما تجاه ايران)، إن الهجوم على السفارة البريطانية لم يكن فقط غير قانونياً ومشيناً، بل كان أيضاً علامة على تدهور فن الحكم في ايران خلال السنوات الماضية نتيجة للخلافات الداخليةquot;.

وأضاف: quot;الفاعلون الرئيسيون في النظام على استعداد لاتخاذ مخاطر كبيرة على الساحة الدولية بسبب استهتارهم من أجل تسجيل نقاط في المنافسات المحلية الصغيرةquot;.