يبدو أن احتمالات وقوع مواجهة مسلحة بين إيران وخصومها في الغرب، والتي لا يريدها أي من الطرفين، تتزايد من يوم إلى آخر على نحو مثير للقلق. وإذا حدثت هذه المواجهة سيكون لدى كل طرف الكثير من القرائن والدلائل على تحميل الآخر مسؤوليتها.


الشرطة تطوّق سفارة بريطانيا في طهران بعدما حاولت مجموعة شبان إيرانيين احتلالها

إعداد عبد الإله مجيد: جاءت الجولة الأخيرة في الدفع إلى الحافة على شكل مسرحية سياسية، عندما اقتحمت مجموعة من الناشطين المتطرفين الإيرانيين مبنى السفارة البريطانية في طهران، احتجاجًا على دعم لندن فرض عقوبات اقتصادية ضد إيران.

وردت بريطانيا، كما هو متوقع، بسحب موظفي سفارتها، وبطرد نظرائهم الإيرانيين في لندن، فيما استدعت ألمانيا وفرنسا وهولندا سفراءها في إيران للتشاور، وأغلفت النروج سفارتها.

تأتي هذه المناوشات الدبلوماسية كمؤشر آخر إلى تصاعد المعركة الاستراتيجية الأكبر بشأن برنامج إيران النووي. وبحثت دول الاتحاد الأوروبي يوم الخميس فرض عقوبات جديدة، تهدف إلى كسر التحدي الإيراني للمطالب الغربية بوقف أنشطة تخصيب اليورانيوم.

وذكرت تقارير أن بريطانيا وفرنسا دعتا إلى استهداف صادرات النفط الإيرانية والبنك المركزي الإيراني بالعقوبات الجديدة، أي خنق الاقتصاد الإيراني، إلى أن يرضخ قادة طهران. وأصدر الكونغرس الأميركي تشريعات مماثلة بدعم من الحزبين.

لكن بخلاف التهديدات المعهودة، عبر ضربة عسكرية توجّهها الولايات المتحدة أو إسرائيل، يرى مراقبون أن العقوبات الجديدة ربما كانت تهدف أيضًا إلى ترهيب الإيرانيين أو دفع العديد من شركاء إيران التجاريين إلى القبول بعقوبات أخف وطأة.

فإن استبعاد صادرات إيران النفطية، البالغة 2.5 مليون برميل في اليوم، من السوق النفطية سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بما يكفي لدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود. وإذا نظرت إيران إلى مقاطعة بنكها المركزي على أنه عمل من أعمال الحرب، فإن ردها قد يشتمل على استخدام القوة العسكرية لغلق مضيق هرمز، الذي تمر عبره غالبية صادرات الخليج النفطية أو زهاء 40 % من إنتاج العالم.

لكن وجهات النظر المعارضة للعمل العسكري أعلى صوتًا في المؤسسة الاستراتيجية الغربية. ودأب وزراء الدفاع الأميركيون في السابق والحاضر على التحذير بأنه ليس هناك حل عسكري للنزاع، لأن الضربات الجوية ستؤخّر تقدم برنامج إيران النووي من عام إلى ثلاثة أعوام، ولكنها على الأرجح ستزيد تصميم إيران على امتلاك سلاح نووي. وحتى أقطاب في المؤسسة الاستراتيجية الإسرائيلية، مثل رئيس جهاز الموساد السابق ماير داغان، يحذرون من الحماقة الاستراتيجية للقيام بعمل من شأنه أن يشعل حربًا إقليمية باهظة الكلفة، لن تتمكن إسرائيل من الإفلات منها بسهولة.

غير أنه لا يبدو أن هذا المنطق يردع المتحمسين للمواجهة من الجانبين، الذين يتعمدون إشاعة إحساس بالأزمة لأسباب جيوسياسية أو داخلية، ظنًا منهم بأنهم يستطيعون السيطرة على مثل هذا التصعيد، لتفادي الانزلاق إلى مواجهة عسكرية، وفي الوقت نفسه إجبار الطرف الآخر على التراجع. وهذه لعبة خطرة، لا سيما وأن الاتصالات بين الجانبين محدودة للغاية، كما تقول مجلة تايم، مشيرة إلى أن الرئيس السابق لهيئة الأركان الأميركية المشتركة الأدميرال مايك مولن أعاد التذكير بأن خط الاتصال المباشر مع إيران مقطوع منذ عام 1979، وأن هذا الواقع quot;زرع العديد من بذور الحسابات الخاطئةquot;. وأضاف مولن أن الخطأ في الحساب يؤدي إلى تصعيد وسوء فهم.

وفيما يحتدم السجال في الغرب حول تشديد الحصار الاقتصادي واللجوء إلى العمل العسكري المباشر، فإن حربًا خفية تجري ضد إيران منذ فترة، وهي تستعر من خلال ضرب منشآت عسكرية واغتيال علماء وتنفيذ هجمات الكترونية. وامتنع القادة الإيرانيون عن الرد على الضربات السرية، كي لا يقدموا ذريعة إلى دعاة العمل العسكري بين أعدائهم الغربيين للإدعاء بأن إيران هي البادئة بالعدوان.

لكن الغضب في صفوف دوائر عليا في النظام الإيراني آخذ في التصاعد، ولعل الهجوم على السفارة البريطانية رد رمزي جاء بموافقة أو حتى بتشجيع من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، للتنفيس عن مشاعر الإحباط إزاء حملة الهجمات السرية المتزايدة.

كما يبدو أن الاقتحام من تدبير خصوم محافظين للرئيس محمود أحمدي نجاد، يراد به إحراجه قبل الجولة المقبلة من المحادثات النووية، التي طلبت حكومته إجراءها مع القوى الغربية، وتعزيز مواقعهم قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في الربيع المقبل، كما ترى مجلة تايم.

قد يكون إذلال بريطانيا رمزيًا أكثر شعبية من معاداة أميركا في ثقافة إيران السياسية، التي ما زالت تتذكر مكائد الغرب، وإن الحملة التي تهدف إلى خفض مستوى العلاقات مع لندن تصدَّرها رئيس البرلمان علي لاريجاني، الذي يناصب أحمدي نجاد عداء شديدًا. وفي حين أن لاريجاني دافع عن اقتحام السفارة، فإن وزارة الخارجية الإيرانية شجبت الهجوم، وتعهّد قائد الشرطة الموالي للرئيس بملاحقة المسؤولين قضائيًا.

على الجانب الآخر، هناك في العواصم الغربية من يعتقدون أن التهديد بالحصار الاقتصادي أو الحرب قد يدفع إيران إلى التراجع على الجبهة النووية، رغم أن البرنامج النووي يبدو موضع اعتزاز، يجمع عليه كل ألوان الطيف السياسي الإيراني.

وجاء تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الشهر الماضي دون مستوى التهويل الغربي، ولم يأت بجديد يُذكر، ويثبت وجود مجهود إيراني جدي لإنتاج أسلحة نووية. وأخفق التقرير في كسب غالبية الحكومات خارج التحالف الغربي، التي ترتاب بأن هناك حملة تقودها الولايات المتحدة لعزل إيران، بحسب مجلة تايم.

ومن المستعبد أن تترتب على التقرير عقوبات جديدة تفرضها الأمم المتحدة. لهذا السبب تبحث الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيين الآن عن إجراءات أحادية جديدة، وتأمل في استخدام قوتها الاقتصادية، وخاصة العقوبات المصرفية لفرض الامتثال على أطراف ثالثة ممانعة.

في هذه الأثناء، تهدد إسرائيل بعمل عسكري خلال العام المقبل، إذا لم تقتنع بجدوى العقوبات، رغم استمرار الشكوك في إقدام إسرائيل على التحرك بمفردها أو فاعلية عملها العسكري إزاء قدراتها المحدودة بالمقارنة مع الولايات المتحدة على استخدام السلاح الجوي لمسافات طويلة في عملية يمكن أن تستغرق أيامًا عدة.

في غضون ذلك، يتابع العالم لعبة جيوسياسية لامتحان الأعصاب. فالقوى الغربية تعمد إلى التصعيد، مهددة بحرب اقتصادية، وحتى بالعمل العسكري، إذا لم تتراجع إيران، وطهران تعتقد أنها قادرة على الصمود بوجه كل شيء يمكن أن يستخدمه الغرب وإسرائيل ضدها، وهي تتخذ خطوات رمزية، لتكون طلقات تحذيرية من جانبها.

ولتفادي التصعيد، الذي يمكن أن يؤدي إلى حرب، سيتعيّن إيجاد مخرج مقبول للطرفين، وهنا تأتي الدبلوماسية، التي لا يبدو أن لها دورًا يُعتد به في العلاقات الغربية مع إيران في الوقت الحاضر، كما تلاحظ مجلة تايم.