حسب الدلائل فان نظام الحكم في سوريا لا يتعامل بشماته مع ما يجري من احداث في مصر.


دمشق: يبدو لزائر دمشق ولمتابع مواقفها في الايام الاخيرة أن أهل الحكم فيها لا يتعاملون مع الأحداث الجارية في مصر والساعات الحرجة التي يعيشها الرئيس المصري حسني مبارك حيث نظامه على وشك الإنهيار بعد حكم دام ثلاثين عاماً، من باب التشفي أو الشماتة رغم العلاقات المضطربة بين البلدين والتي مضى عليها سنوات خصوصاً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي بلغت حد تجاهل مبارك لطلب الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد زيارته قبل اشهر للإطمئنان على صحته بعد العملية الجراحية التي اجراها في المانيا.

ورغم اللقاء اليتيم الذي ضم الاسد ومبارك في قمة الكويت الاقتصادية يوم اطلق خادم الحرمين الشريفين مبادرته التاريخية لطي صفحة الخلافات العربية ndash; العربية فان مفاعيل هذه المبادرة اقتصرت على إعادة تطبيع العلاقات بين الرياض ودمشق ثم بلوغها مرحلة متقدمة تمثلت بزيارة العاهل السعودي إلى دمشق وقبلها مجيء الاسد الى جدة.

فيما بقي خط سير العلاقات المصرية السورية على حاله من الاهتزاز دفعت ذات يوم وزير الاعلام السوري الدكتور محسن بلال الى التغيب عن حضور اجتماع وزراء الاعلام العرب في القاهرة، والقول إن مصر التي عرفناها quot;قلب العروبة النابضquot; ورمز العنفوان والشموخ والتصدي لاسرائيل لم تعد كذلك، وها هي تستقبل رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو قاتل الاطفال والنساء والشيوخ في فلسطين وغزة على وجه الخصوص، وتحتفي بقائد quot;القوات اللبنانيةquot; الدكتور سمير جعجع المتهم باغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رشيد كرامي...

من توقع هجوماً سورياً على مبارك ونظامه في هذه المرحلة خاب ظنه اذ لدى طرح quot;إيلافquot; على مسؤول سوري سؤالاً عن موقف بلاده ازاء ما يحصل في مصر اكتفى باحالتنا الى كلمات مقتضبة قالها الرئيس الأسد في حديثه الى صحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; الاميركية قبل يومين وتعليق سريع ادلى به وزير الخارجية وليد المعلم على هامش مؤتمر صحافي عقده مع وزير الخارجية البريطاني خلال زيارة الاخير إلى دمشق الاسبوع الماضي، لافتاً في الوقت نفسه الى أن الصحافة السورية تولي أحداث مصر اهتمامها الاول وتبدي رأيها فيها.

الرئيس الاسد طمأن في حديثه الى وضع النظام في سوريا واعتبره مريحاً كونه لم يعقد سلماً مع اسرائيل ولا يقيم علاقات معها ، كما انه غير متحالف مع الولايات المتحدة الاميركية ولا يسير في فلكها، وقد اعتبر كلام الرئيس السوري هذا رداً غير مباشر وتكذيباً للأنباء التي اشيعت اخيراً عن وجود دعوات الى التظاهر في مدينة حلب، وتحركات من جانب quot;الاخوان المسلمينquot; ومعارضين للتعبير عن رفضهم لقرارات واجراءات معينة تتعلق بحرية التعبير وحقوق الانسان وحالة الطوارئ كما ذكر.

اما الوزير المعلم فتمنى أن تغلب الحكمة والتعقل في مصر، مؤكداً ثقته بالشعب المصري الذي طالما كان الشعلة المضيئة لقضايا امته وفي مقدمها القضية الفلسطينية.

على جبهة الاعلام يبدو الوضع مختلفاً بعض الشيء. ففيما ابقت محطات الاذاعة والتلفزيون على برامجها المعتادة من دون أي تعديل مع إيلائها اهتماماً بالاخبار الواردة من مصر، افردت الصحف الحكومية الثلاث quot;البعثquot; وquot;تشرينquot; وquot;الثورةquot; مساحات للاحداث المصرية في صفحاتها الاولى وفي الداخل، فيما تميزت الصحيفة المستقلة الوحيدة quot;الوطنquot; بتغطية اشمل وأن بقيت التعليقات حاضرة في الصحف الاربع وبدرجات متفاوتة.

ففي افتتاحية quot;الثورةquot; الصادرة امس بعنوان quot;قوى الـ quot;لا تغييرquot; رأى كاتبها أسعد عبود انه quot;لا يمكن التعويل على النتائج والنهايات ولا حتى ان رحل الرئيس المصري عن الحكم غداً. من يجب ان يرحل هو الوجود الأميركي ndash; الصهيوني في القرار المصري او اي قرار عربي كي تكون هناك فرصة حقيقية للتغييرquot;.

وأضاف: quot;حتى اليوم قال الشارع العربي لسنا غنماً وسيدفع الثمن كل من يعاملنا كذلكquot;، حاملاً على quot;الكثيرين ممن تحسسوا رؤوسهم من بينهم النخب السياسية والثقافية العربية التي عملت غالباً بكثير من الفوقية على الشارعquot;.

بدورها حذرت صحيفة quot;البعثquot; من الدور الاميركي في مصر quot;الملبي لنداء الكيان الصهيونيquot; على حد قولها في الافتتاحية المنشورة صباح اليوم الخميس ، معتبرة ان هذا الكيان مرتعب من قيام نظام في مصر شبيه بالنظام الايرانيquot; كما ذكر نتنياهو. وذكرت الصحيفة ان quot;جماهير مصر التي عرفت بهدوئها وصبرها هي مثل نهرها العظيم تبدو مستعدة لتحمل فوق منكبيها الجبال لكنها عندما تغضب وتثور فلا حدود ولا كوابح يمكن ان تقف امامهاquot;.

واذا كان ما ورد في quot;البعثquot; وquot;الثورةquot; لم يخرج عن المألوف ولا عن إطار quot;ضبط الايقاعquot; الرسمي مع تطورات الاحداث المصرية فان صحيفة quot;الوطنquot; غير الحكومية ذهبت ابعد بذلك بكثير اذ وصفت ما تشهده ارض الفراعنة بانه quot;اقتلاع للسادات ثانيةquot; كما جاء في عنوان مقالة لكاتبتها سلوى زهرا قالت فيها: quot;يخطئ من يظن ان الثورة الشعبية العارمة التي شهدتها شوارع مصر هي فقط ثورة على مبارك ونظامه السياسي فهي ثورة مؤجلة منذ ما يقارب الثلاثين عاماًquot;.

مشيرة الى quot;ان الشعب وحين ادرك ان رئيسه لم يعد ينتمي الى العروبة وخاصة بعد ان اثبت مبارك بالدليل انحيازه المطلق لواشنطن وتل أبيب على حساب العرب، خصوصاً دول الممانعة وعلى رأسهم سورية، جاءت ثورته بعد ان فقد كرامته الوطنية وقوت يومه ، فهب في وجه السادات اكثر من ثورته في وجه مباركquot;. وختمت زهرا مقالتها بالقول: quot;لقد ثاروا على اصل البلاء واساس المشكلة وفي تلك الثورة ما يؤكد سقوط السادات ثانيةquot;.