فيما سجّل في العراق إرتفاع في أسعار الدقيق ونقص في واردات القمح، فقد تظاهر اليوم مئات آلاف العراقيين في مدن البلاد الكبرى، بغداد والبصرة والموصل والأنبار، مطالبين بإجراءات فعالة لمكافحة الفساد والبطالة وتوفير الخدمات والأغذية وصرف مرتبات متوقفة لبعض الشرائح الاجتماعية، في وقت أعلن وزير المالية توزيع نصف مليار دولار نقداً على المواطنين.


جاءت تظاهرات اليوم في العراق على وقع احتجاجات تعمّ أكثر من بلد عربي لأهداف تكاد تكون متشابهة، وبعد ساعات من توقع رئيس الوزراء نوري المالكي خروج مثل هذه التظاهرات في بلده، داعيًا إلى التعامل معها بحكمة، ومعلنًا عن توزيع 15 ألف دينار عراقي (15 دولارًا) شهريًا على كل مواطن عراقي، لسد النقص في مواد الحصة التموينية التي يعتمد عليها العراقيون بشكل أساس في توفير أغذيتهم اليومية. ويطالب نصف النواب العراقيين حاليًا بتخصيص 6 مليارات دولار في موازنة العام الحالي، التي وافقت عليها الحكومة العراقية اليوم، وبلغت 90 مليار دولار، لتوزيعها على المواطنين.

احتجاجات في بغداد والموصل والبصرة والأنبار
هذا وشهدت ساحة التحرير في وسط العاصمة العراقية تظاهرة شارك فيها عدد من منتسبي القوات الأمنية التابعين لوزارة الكهرباء احتجاجًا على قرار استبعادهم وإيقاف مرتباتهم. ورفع المتظاهرون لافتات تدعو المالكي إلى التدخل وإعادتهم إلى الخدمة على ملاك وزارة الداخلية أو إحالتهم إلى وظائف مدنية في وزارة الكهرباء.

وقد طوّقت قوات أمنية التظاهرة وسحبت أفلام كاميرات المصوريين الصحافيين وجرى مسحها. وتظاهر الآلاف في مدينة البصرة (550 كم جنوب بغداد) مطالبين بإقالة المحافظ شلتاغ عبود، وتوفير الخدمات، وخاصة مفردات البطاقة التموينية من المواد الغذائية، ومكافحة الفساد الإداري والمالي، وتوفير فرص العمل للشباب واحترام حقوق الإنسان. ورفع المتظاهرون بطاقات صفراء ضد السلطة المحلية موجّهين إنذارًَا لها بضرورة العمل على تلبية مطالبهم.

وحمل المتظاهرون الأعلام العراقية ولافتات تطالب بتوفير الخدمات وإقالة المسؤولين المقصّرين ومحاكمة المفسدين. وقد فرضت القوات الأمنية إجراءات مشددة، تضمنت إغلاق كل الطرق المؤدية إلى موقع التظاهرة، فيما انتشرت قوات مكافحة الشغب حول مقر المحافظة ومجلس المحافظة. وهدد المتظاهرون بتنظيم تظاهرة أكبر في المستقبل لرفع بطاقات حمراء ضد المسؤولين المقصرين.

كما شهدت الموصل (375 كم شمال بغداد) تظاهرة لموظفي عقود إسناد أم الربيعين للمطالبة بصرف رواتبهم وتحسين الخدمات في المحافظة. وتجمع مئات المتظاهرين أمام مبنى محافظة نينوى، وقد حملوا لافتات تطالب دوائر الدولة بصرف مرتبات عقود الإسناد ومرتبات شبكة الحماية الاجتماعية المتوقفة أيضًا.

وحمل المتظاهرون لافتات تنتقد الحكومة المحلية وسوء الخدمات، مطالبين بتعيينهم على الملاك الدائم ضمن الدرجات الوظيفية التي ستطلقها محافظة نينوى. يذكر أن أكثر من 12 ألف موظف بعقد في الدوائر المدنية ضمن عقود إسناد أم الربيعين جرى تسريحهم منذ أكثر من عام من دوائر الدولة العاملين فيها، ولم تصرف لهم مرتباتهم المتبقية.

وفي محافظة الأنبار (100 كم غرب بغداد) خرج المئات من المواطنين سلميًا مطالبين الحكومة بتوفير الخدمات ومكافحة الفساد. كما دعا المتظاهرون إلى وقف الاعتقالات العشوائية في المحافظة، واتفقوا على معاودة التظاهر الجمعة بشكل أكثر تنسيقًا في عدد من مدن محافظة الأنبار.

المتظاهرون رددوا شعارات تندد بما وصفوه عدم تنفيذ الحكومة المحلية وعودها السابقة قبل انتخابهم، وأخرى تهدد باستمرار التظاهرات في حال عدم تلبية طلباتهم، ثم قدموا إلى مجلس المحافظة قائمة تتضمن مطالبهم هذه، حيث عقد مجلس محافظة الأنبار اجتماعًا طارئًا لدراسة طلبات المتظاهرين التي سلّمت إليه.

وكان المئات من المثقفين والناشطين والشباب تظاهروا أمس الأول في شارع المتنبي في وسط بغداد، مطالبين الحكومة العراقية بتغيير سياساتها المنهجية، مثل القوانين وإيجاد سبل لتحسين الخدمات، كما دعوا أعضاء مجلس النواب إلى الإيفاء بوعودهم التي قطعوها أمام الشعب إبان فترة الإعلان عن برامجهم الانتخابية. كما خرج المئات من أبناء منطقة الحسينية في ضواحي بغداد الشمالية في تظاهرة حاشدة، مطالبين بتحسين واقع الخدمات الرديئة التي تعانيها المنطقة.

أما في محافظة الديوانية (180 كم جنوب بغداد) فتظاهر المئات الخميس الماضي مطالبين بتحسين الخدمات والقضاء على البطالة حيث جوبهت بإطلاق النار عليهم بشكل عشوائي من قبل القوات الأمنية، مما أدى إلى مقتل شخص، وإصابة أربعة آخرين بجروح خطرة.

شح في الدقيق وتوزيع نصف مليار دولار على المواطنين
تأتي هذه الاحتجاجات في وقت ارتفعت أسعار الدقيق في البلاد إلى ثلاثة أمثالها على مدى الشهرين الأخيرين بفعل نقص في واردات القمح، مما يهدد بدفع أسعار الغذاء للصعود. علمًا أن العراق من أكبر مستوردي القمح في العالم، وينفق جزءًا كبيرًا من الميزانية على برنامج بطاقات التموين، الذي يمد 60 % من العراقيين بالأغذية الأساسية. وقال تجار إن الأسعار ارتفعت في ظل عجز المسؤولين عن توفير الدقيق.

وقد أعلن وزير المالية العراقي رافع العيساوي اليوم تخصيص 500 مليار دينار نقدًا (حوالي نصف مليار دولار) توزع على المواطنين بدلاً من المواد التي لم تصرف لهم ضمن مفردات البطاقة التموينية. وقال خلال مؤتمر صحافي في بغداد إنه خصصت أيضًا 21 مليار دينار عن مستحقات الفلاحين عن محصول الشعير للعام الماضي.

وأوضح أن وزارة المالية، وبعد مصادقة مجلس الوزراء، ستصرف أكثر من 3 آلاف مليار دينار لوزارة التجارة، قسمت إلى التزامات سابقة وجديدة، وستوزع على المواطنين 15 ألف دينار لكل فرد على آليات تحددها وزارة التجارة.

وأضاف أنه جرى تخصيص 25 مليار دينار لتأسيس مصرف إسلامي تابع لوزارة المالية، موضحًا أنه تقرر منح المحافظات التي لا يوجد لديها إنتاج نفطي بتوفير الموازنة الناتجة من زيادة الإنتاج أو الأسعار. وأكد أنه سيتم توزيع آخر لكل مواطن للمحافظات وفق الكثافة السكانية حتى تعوّض تلك المحافظات التي لا تمتلك منافذ حدودية. يذكر أن الدولار يساوي 1100 دينار عراقي.